مقالات

الجنرال الذي لايحالفه الحظ

عبد الله ولد محمد

m.abad1970@gmail.com

نفث الأفعوان العجوز آخر قطرات السم وارتمى على مقعده بعد أن كادت النفثة الأخيرة تأتي عليه،لقد أتت عليه السنون حتى لم يبق منه إلا تغضنات جسم ناحل خفيف العارضين كما يبقى من ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع
وانتهى كل شيئ كان الأفعوان يتحسس ذقنه،ويؤكد أن خطة الانقلاب قد اكتملت أيما اكتمال،وأنها بالفعل سوف تأتي أكلها وتسقط ذلك الشيخ الوقور في أحابيل الثورة الشعبية العارمة،بصم الأفعوان بأصابع الرضا العشر على خطته،وانطلق مسرورا إلى حيث يضرب الثور الهائج كرسي ملكه ويحيط نفسه بأتباعه وجنده وشرع الثور في التنفيذ،كانت بيادق النواب والعمد وأغلبية الوزراء على استعداد تام وفي انتظار صفارة الانطلاقة كان الجميع يضع أيديه على ركبه ويقدم رجل الانطلاقة،على الجانب الآخر كانت بعض السيدات التي رضي عنهن الجنرال الهائج من قريباته قد أعددن العدة،حيث تم تكليفهن بتشكيل لجنة شعبية سوف تقوم باستئجار الآلاف من الجائعين في الكبة وغيرهم وتمثيل مسرحية الثورة الشعبية،حينما يتدفق الآلاف إلى القصر الرئاسي يحملون صحونهم الفارغة في الوقت الذي سيطالب فيه غالبية الوزراء والعمد والنواب بإقالة الرئيس بتهمة الفساد،عندها سيتدخل الجنرال الأرعن ويفتح أبواب القصر الرئاسي ويمسك برقبة الشيخ الوقور ويحيله إلى السجن استجابة لرغبة الجماهير،ستضاف نقطة جديدة إلى العسكر الذي يطلعون كالفجر دائما ليستجيبوا لتطلعات الشعب، ولتسجل التجربة الموريتانية رصيدا إضافيا عندما تقوم ” ثورة الجياع ” بإسقاط الرئيس، لقد كان الأفعوان يحاول استنساخ تجربة رومانيا عند خرج الشعب في ثورة عارمة ضد نظام الرئيس نيكولاي اتشاوسسكو وزوجته إيلينا حيث وجدا أنفسهما في الأخير تحت رحمة الآلاف من الجائعين وتحت حكم قضائي بإعدام شكل الفصل الأخير من مسرحية الشعب والثورة والاستبداد، كان المرابط الذي يتولى وزارة الدفاع تحت أمرة شيخه الجنرال الغزواني سيجيب الرئيس عندما يطلب منه قمع الجائعين ” سيدي الرئيس أنا آسف لايمكن للجيش أن يقتل الشعب “، تماما كما أجاب وزير الدفاع الروماني رئيسه الدكتاتور اتشاوسسكو، أما الجنود الذين أصدر لهم الجنرال الأمر بعدم التعرض ” للجائعين ” فعلى الطريقة الإيرانية كانوا سيضعون الأغصان الخضراء على فوهات بنادقهم إيذانا بأن الثورة الجائعة تحظى بمباركة الجنود الشرفاء،هكذا كان يفكر الجنرال الأرعن والأفعوان العجوز،وهكذا كان كل شيئ متفقا عليه، كان الأراجوز شيخنا ولد النني يهدد بأنه ” إذا حل البرلمان فسننزل للشارع” بينما كان ولد داداه يراقب الأمر عن كثب قبل أن ينخرط في مسيرة التضامن مع ” الثورة الشعبية المفترضة” ولكي يكون الأمر أكثر تماسكا،كان ثمانية آلاف من منسوبي قطاعي الأمن والجيش على أتم الاستعداد للمشاركة في ثورة الجياع زيادة للغاضبين ضد ولد الشيخ عبد الله.
إلى هذا الحد كان كل شيء يسير بنجاح، لكن الجنرال الذي لايحالفه الحظ كان على موعد مع خبر غير سار وهو إقدام الشيخ الوقور سيدي ولد الشيخ عبد الله على إقالته وإقالته أتباعه الثلاثة،وكما كانت خطة الجنرال والأفعوان قوية ومتماسكة، كانت ردة فعل ولد الشيخ عبد الله قوية ومتماسكة، وكارثية بالنسبة للجنرال الأرعن، لم يقم ولد الشيخ عبد الله باعتقال المتآمرين،ذلك أن للجريمة عنصرا ماديا لا بد من توفره، وإنما استعان بنقطة بسيطة من صلاحياته وهي إقالة الجنرالات،ليجد الجنرال الأرعن أنه كان ينسج بخيوط العنكبوت،وأن تفكيره كان قريبا من تفكير” تيبه”،وأخيرا قرر الجنرال الأرعن أن يواصل مسيرة التحدي ليجد نفسه في ورطة لامخرج منها إلا بالتراجع بما يعنيه من نهاية مزرية،أو الاستمرار في نظام مشنوء من الداخل مرفوض من الخارج، يعتمد على طبقة سياسية مترهلة مثل رمال نواكشوط إذا الريح مالت مالت حيث تميل.

كان الجنرال يرتب أوراقه ويصفف بقية شعره المنحسر عن جبهته، كل شيء سيكون تحت القبضة،الشعب الذي سينتفض ضد الشيخ الوقور،كتيبة النواب والعمد ومشاة الأحزاب السياسية، كان ولد المعلى سيدبج قصيدة قوية،تؤكد أن الشعب هو من قرر أن حكم ولد الشيخ عبد الله ” لاغ قانونيا وعمليا”، لكن الرياح جرت بما لايشتهيه الجنرال الأرعن ولا حتى الأفعوان العجوز.

على الجنرال أن يواجه مصيره الذي صنعه بغطرسته وغروره، وعمالته للمخزن المغربي،وعليه أن يضع خطة نهوض اقتصادية تستعبد التمويلات التي كانت متوقعة لتسيير الفترة الانتقالية ودعم الحركة التصحيحية حتى تقف على سوقها المنخورة،كل شيء قد انتهى ووقعت الفأس في الرأس وأصبح على الجنرال مواجهة العالم كله والشعب كله،دون أن يجد نصيرا غير ثلة من المتسمحين بالأحذية،ومثقوبي الحناجر وباعة الهواء السام،ومن الوجوه الإبليسية المتكلسة التي تشبه أعجاز نخل خاوية، استنفدت أعمارها الافتراضية في التصفيق والتهريج لكل نظام جديد.

مسيرة من الحظ المتعثر

الجنرال الأرعن ولد عبد العزيز كان في كل مرة يثبت أنه شخص مكدود وأنه حظه تعيس للغاية وأنه سيزيفي الطبع والنتيجة،حتى عندما كان يكلف نفسه الدفاع عن نفسه كان يبدو كالغريق الذي يقطع كل حبال النجاة التي تمد إليه،ثم يحاول لاحقا التمسك بها، فتفلت من بين يديه كدراهم المتنبي.
عندما أقدم الجنرال الأرعن على الانقلاب على سيده معاوية ولد الطايع الذي اصطفاه وقربه نجيا له وكبيرا لحرسه،كانت طبيعة الموازانات العسكرية وطبيعة الوضع الجديد، تقتضي أن يظل كبير الحراس في الدائرة المظلمة، لتكون الرئاسة والمجد والشهرة وما يترتب عليهما من نصيب العقيد اعل ولد محمد فال رغم أنه لم يبذل في سبيل ذلك قطرة عرق واحدة،وليجوب العالم كله يحمل معه سلة المساعدات، كما تنطلق السيدات في عصر قديم وهن يجمعن ” الفسخة ” لليوم الموعود.

عندما قرر الجنرال أن ينتحر أسلم إلى محمد كريشان قبض روحه فلم يشفق الصحفي التونسي على روح الجنرال الأرعن التي سلها كما يسل الصوف المبلول من السفود،ثم لم يزل يستلها استلالا فظيعا مرة يرميها إلى حقويه ثم يمكث فترة وهو يسمح له باستعادة أنفاسه التي سيعود اكريشان ويقبضها قبضا شديدا أيضا مرة أخرى.

الجنرال الدموي

عندما صرح الجنرال الهائج بأن ماقام به لم يكن إلا ردة فعل ضد فساد النظام السابق كما يصفه،كان يؤكد أن كل شيئ لم يكن مدروسا وأنه العقلانية كانت بعيدة جدا من الحضور في تفاصيل ممارسة الانقلاب والإعداد له وإنما هو الغرور وحده والاعتداد بقوة سيتبين لاحقا أنها غير موجودة.

وكان الجنرال أقل توفيقا وأكثر صفاقة وأقرب إلى الانتحار،حينما قال إن الرئيس السابق بقراره القاضي بإقالة الجنرالات كان يدعو إلى الحرب الأهلية وإلى الاقتتال بين ضباط الجيش،كان الجنرال المضحك يؤكد استعداه لتفجير أنهار من الدم حتى لاتتم إقالته وإزاحته عن منصبه الذي يعتبره إرثا تليدا من تراث آبائه وأجداده يحميه بدمه وماله وكان الأولى له أن يعود إلى ” بيته العتيق المكون من غرفة واحدة في الحي التقليدي في الرباط حيث أصبح حفيد مالك ذالك البيت الرجل الأول في موريتانيا على حد تعبير جريدة الصباح المغربية، وفي هذا التصريح كان الجنرال يجدد ذات المقولة التي عبر عنها عشية الإطاحة بنظام ولد الطايع عندما دعا الضباط المشاركين في الانقلاب إلى تصفية ولد الطايع جسديا وهو الخيار الذي أجمع العقداء على رفضه رغم أن الجنرال الهائج دافع عنه بقوة
مرة أخرى أثبت الجنرال أن حظه متعثر وبدا كمن أصيب بنوبة صرع عندما تضغط السعال على المصروع وتلتصق يداه بعنقه في مشهد غاية في البشاعة.

وعندما أطبق العالم كله على الرفض القاطع لعملية القرصنة التي قادها الجنرالان وزمرة العقداء ضد النظام المنتخب،لم يعد العالم مستعدا للخديعة مرة أخرى، ولم يعد بإمكان الجنرال أن يعيد تجربة خاله العقيد اعل ولد محمد فال عندما قال إنه وجد ” البلاد مثل البقالة التي ملأت من العلب الفارغة ” ليقود بذلك أكبر حملة تسول في العالم أنتجت تمويلا مجزيا للفترة الانتقالية وامتداداتها قبل أن يأتي الزين ولد زيدان ويعلن أنه هو الآخر وجد الخزينة خاوية على عروشها قبل أن تتدخل سلطة العسكر وتمنع على كل الحديث عن ماضي العسكر وتسييرهم للشأن العام.
أما الآن فبدا أن حظوظ الجنرال في تمويل للفترة الانتقالية غير المحددة أصبحت تحت الصفر وينبغي أن يتم التنقيب عن مصادر تمويل أخرى، أو تتم العودة إلى الخزائن التي نهبت من ميزانيات الجيش والحرس، أو تم الاستعانة بسيدنا الملك أو الأخ القائد القذافي، فيما يبدو أنها عملية إفلاس مالي ستواكب الإفلاس السياسي والأخلاقي الذي يتربع النظام على عرشه

الرشوة المفضوحة.

شباك الجنرال لاتصيد إلا الحجارة والثعابين فعندما قرر أن يتوجه إلى الرشوة وشراء الذمم، لم يحالف رسله التوفيق عندما اتصلوا ببعض الشخصيات والأطر التي لم تكن لتبيع نفسها في صفقة سيئة مع نظام ولد محتضرا ولذلك بادرت إلى فضح تلك الممارسات، مطلعة الرأي العام على النموذج العسكري في محاربة الفساد.

الجنرال الأرعن على حد تعبير حنفي ولد دهاه شخص معقد،يرفض العالم التعامل معه ليس حبا في الشيخ الوقور سيدي ولد الشيخ عبد الله، ولكن لأن مصالح العالم تقتضي التعامل مع الأشخاص والأنظمة المتزنة وليس مع الجنرالات المتهورين الذين يهدمون في ردة فعل سيئة التوقيت والإخراج ما تم بناؤه في ثلاث سنين.

هكذا ستكون النهاية

يمكن القول إن ولد الشيخ عبد الله قد سدد للجنرال ضربة قوية تحت الحزام،وأن مصير الجنرال الأرعن لايزال بيد الشيخ الوقور، وأن قرار الإقالة لايزال ماضيا جدا وسيتم تنفيذه إما عبر ردة الفعل المحسوبة التي تقودها جماهير الشرعية أو ردة فعل أخرى تقوم بها المؤسسة العسكرية حيث لتصحح بذلك انحرافات الجنرالين الشابين المتهورين،العشرات من العقداء والضباط الذين نالوا رتبهم قبل أن يتجاوز الجنرال المغرور عتبة الجندية مقتنعون جدا بأن الجنرال يقود البلاد نحو الهاوية والآلاف من المواطنين سيصرخون في وجه هذا الثور الهائج يسقط ولد عبد العزيز كما سقط دكتاتور اتشيلي أوجستو بينوشيه، وتؤكد أيها الجنرال أن مصيرك مهما طال لن يكون أحسن من مصير الجنرال الفنزويلي بيدرو كارمونا،كلاكما سيفر إلى سفارة يحتمي بها ويطلب حق اللجوء السياسي منكم من قد يجده ومنكم من سيرد إلى المحاكمة ليجد الجزاء الأوفى.

آسف أيها الجنرال .. أنت دائما غير محظوظ

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button