مقالات

مصانع الدكتاتورية فى موريتانيا

بقلم :محمد ولد باباه ولد ديداه ـ اسبانيا

Mohamedoulddeidah@yahoo.es

يقول عبد الرحمن الكواكبى فى كتابه طبائع الإستبداد ومصارع الاستعباد “المستبد عدو الحق والحرية وقاتلهما والحق ابو البشر والحرية أمهم ,والعوام صبية ايتام نيام لايعلمون شيئ والعلماء إخوانهم الراشدون إن ايقظوهم هبو وإن دعوهم لبو, وإلا فيتصل نومهم بالموت “.

ويقول المثل ” وراء كل عظيم إمرءة ” لاكنه عندنا فى موريتانيا الأمر يختلف , فوراء كل مستبد دكتارى واحد وأربعون حزبا ديمقراطى كما يدعون ـ وإن كنت أتحفظ على الاربعين أو حتى التسعة والخمسين التى هي عدد التراخيص حسب علمى ـ والغريب ان كل هذه الأحزاب التى دعمت الجنرال الدكتاتورى لايخلو واحد منها من كلمة ديمقراطى أو ديمقراطية إلا من رحم ربك .

ومن هذا المنطلق يمكن تصور حقيقتين متناقضتين إلى حد كبير :

أولهما : أننا مجتمع ديمقراديمقراطى .

وثانيهما: اننا مجتمع مصنع للدكتاتورية بدرجة عالية

ـ فالحقيقة الأولى : أننا ديمقراطيون فى مرونتنا ومعاملاتنا أو بمعنى آخر دبلماسيين فى طبيعتنا
والمرونة من سيم المجتمع الديمقراطى وإن كنت أعتقد أن ديمقراطيتنا يمكن أن تعرف بديمقراطية المصالح والتملق والنفاق .
ـ أما الحقيقة الثانية ” صناعة الدكتاتورية ” والتى هي لب الموضوع , وقد يتطلب منا إيضاحها الرجوع إلى عهود الرؤساء الدكتاتوريين الذين صنعو بإتقان فى مصانع موريتانية خالصة .

ويمكن القول ان الجيل الأول صنع فى الثمانينات على يد الزنوج والإخوان المسلمين فأنتجو ولد هيداله الذ ى ينقسم الشارع أثناء الحديث عنه فمنهم من يصفه بالخليفة العادل الذى طبق الشريعة والغ الرق واعاد هيبة الدولة .

تحالف مع البعثيين واليسار الشيوعى فى بداية أمره وبدأ يقرب الإخوان المسلمين والزنوج مما أوهم البعض أن هذه القوى السياسية قد تلتف تحت راية واحدة وهذا طبعا ماكان سيكون له أثر إجابى على مستقبل البلد فى مختلف المجالات لو انه حصل .

إلا أن هذين الأخيرين “الإخوان المسلمون والزنوج” ولحسابات خاصة أستطاعو ان يصنعو
نسخة هي الجيل الأول من الدكتاتوريين وبصفة متقنة , وأستطاعو بدكتاتور الثمانينات المخيف ان يضربو خصومهم السياسيين من ناصريين وبعثيين ويسار شيوعي ويزجوا بهم فى غيابات الجب , ولم تكن هذه إرادة ولد هيدالة الرجل المتدين فى بداية صعوده.
بل كانت تصله معلومات لو انها وصلت إلى عمر ابن عبد الغزيز لتصرف بنفس الطريقة او اكثر من ذالك.

اما الجيل الثانى من الدكتانورية فيتمثل فى شخص ” ولد الطائع” الذى يصفه زملاؤه فى المؤسسة العسكرية بالرجل الغامض , إلا أن أي منهم لم يصفه بالدكتاتورية ولا الإستبداد, بل إن البعض كان يرى أنه أضعف من ذالك , تولى الحكم بعض إطاحته بنظام الجيل الأول ” ولد هيداله ” 1984 ,فتح السجون ووعد بمحاربة الرشوة والمحسوبية والقبلية وقام بإجراء أول انتخابات عن طريق الإقتراع المباشر كانت تجربة أولى ثم أنشأ دستورا للبلاد وعرضه للتصويت عليه , وكان ذلك الدستور ينص على جميع الحريات التى تنص عليها دساتيرأكثر دول العالم ديمقراطية , ولم يكن ولد الطائع فى بداية أمره يفكر فى الإحتفاظ بالسلطة إلا بعد أن أجبر على ذلك فقد كلفت صناعة هذا الدكتاتور كثيرا ولم تكن لتتحقق إلا بتضافر جهود الجميع من دكاترة وأطباء ومهندسين وشيوخ قبائل وعلماء وجهلاء وشعرا ء ومجتمع مدنى وبدوى أيضا, كل كان له دور حسب مستواه فى صناعة ذالك الجيل الثانى من الدكتاتورية , فلولى تملق هؤلاء وتزلفهم وانحطاط اخلاقهم لما ظن الرجل أنه لا ينطق عن الهوى , بل إنه هدد من طرف دكتور فى القانون كان رئيسا لجامعة انواكشوط بالمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى للوطن إذا لم يترشح لإحدى الإنتخابات , فتجبر الرجل وقويت شوكته واصبح يعامل مصنعيه على أنهم أوباش.

ومن ذلك انه سأل أحد العلماء عن حال الرعية فى إحدى ليالى القصر الرمضانية فأجابه العالم بما لم يعوده عليه العلماء وهو أن حال الناس مزري فأشتد غضبه وقال له كذبت والله فهذا من كلام المعارضة .

هناك مسألة أخرى عززت الدكتاتورية فى عهده وهي طاعة ولي الأمر التى تخضع فيها السلطة المتدينة الإنسان باسم الدين لصالح السلطة العلمانية التى تمارس القهر والاستبداد .

أما الجيل الفلاذى الثالث من الدكتاتورية “رئيس المجلس ” أحدث ماتوصلت اليه التكنولوجيا حتى الآن بدات صورته تتجسد على أرض الواقع بعد أن اختزل جميع السلطات فى شخصه, التشريعية والتنفيذية والقضائية, وكذلك من خلال إنشاء تكتل من ثلاثة أحزاب مصنعة ومدعومة من ما يناهز الثلاثين شخصية والتى تدعى أنها أحزاب, إضافة إلى عملاق التصنيع الوطنى “البرلمان” الذى اثبت من خلا ل مساهمته السابقة فى تصنيع الجيل الثانى” ولد الطائع ” على أنه قادر على المنافسة فى السوق الوطنية والدولية والتى يسبح بحمد رئيس المجلس وله يسجد.
بل إنه الآن يحاول تصدير تلك الثورة التصنيعية من خلال لغة البرمجة المعقدة التى يسمونها ” بالتصحيحية ” وكذلك من خلال اللجان التى ينوى إرسالها إلى الدول الصناعية الكبرى الإتحاد الأروبى والولايات المتحدة كي يشرح لهم ما يجب أن يكون عليه وضع تكنولوجيا الدكتاتورية فى المستقل .

وعلى الرغم من أن الجيل الثالث لم يدخل السوق حتى اللآن بصفة تجارية إلا أنه سيكون له كبير الأثر على مستقبل العالم أجمع .

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button