مقالات

عودة المحاور الى بلاد المغارب!

بقلم : جورج الراسي

“سيدي منيح.. وزادو الهوا والريح”.. هذا المثال المغاربي معناه انني صرت إذا أصبتني السهام تكسّرت النِصَال على النصال! وهذا هو بالفعل وضع “الاتحاد المغاربي” اليوم، الراقد في حالة من الموت السريري منذ سنوات طويلة، حتى جاءته الضربة الموريتانية الأخيرة، مع أن الضرب في الميت حرام!
فبعد أيام قليلة على انقلاب نواكشوط في السادس من آب المنصرم، بدا واضحاً أن شرخاً جديداً في العلاقات المغربية ـ الجزائرية قد وقع، وأن المنطقة تتجه من جديد نحو تجاذبات المحاور، وإعادة رسم التوازنات الإقليمية.
فقد ظهر جلياً منذ البداية أن الرباط لا تنظر بعين النقمة الى ما جرى في البلد المجاور الذي تتقاسم معه تاريخاً مُعقداً من علاقات المد والجزر. وكانت أول رسالة (وربما الرسالة الوحيدة) التي تلقاها قائد الانقلاب ورئيس المجلس الأعلى للدولة في موريتانيا، الجنرال محمد ولد عبدالعزيز، هي رسالة شفوية صادرة عن العاهل المغربي محمد السادس، وقد نقلها إليه محمد ياسين المنصوري، المدير العام للدراسات والمستندات (المخابرات المغربية) في 11 آب، وبحضور شياخ ولد أعل، مدير ديوان الجنرال عبدالعزيز، وسفير المغرب في نواكشوط عبدالرحمن بنعمر.
ومن المعروف أن الجنرال عبدالعزيز من مواليد العام 1956 في اكجوجت (شمال شرق العاصمة الموريتانية)، وهو ينتمي الى قبيلة “الصالحين” ولاد بو إصبع التي ينتشر أفرادها في موريتانيا والمغرب. ثم إنه خريج الأكاديمية الملكية في مدينة مكناس المغربية، بعد انخراطه في الجيش الموريتاني عام 1977. وكان وراء تشكيل كتيبة “الحرس الرئاسي”، وتولى قيادتها في ظل نظام ولد الطايع (1984 ـ 2005)، قبل أن تقوم بالانقلاب عليه في 3 آب 2005. ومن المفارقات أن آخر ترقية له الى رتبة جنرال، وقائد أركان خاص برئيس الدولة، جاءته مطلع هذا العام على يد آخر الرؤساء المخلوعين سيدي ولد الشيخ عبدالله!
هنالك إذن أكثر من سبب لكي تنظر الرباط بعين التفهم على أقل تقدير، لما جرى في البلد الشقيق. وهذا السبب بالذات كاف لكي تتخّذ الجزائر موقفاً مناقضاً، إذ رفض الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة استقبال موفد الجنرال عبدالعزيز لسبب غير مُعلن هو “تقاربه مع المغرب”.
لا بل ان الموقف الجزائري الرافض للانقلاب كان شديداً جداً، لا بل الأشد بين المواقف الخارجية، رغم بيانات “رفع العتب” الصادرة عن الأمم المتحدة أو الاتحاد الافريقي أو الجامعة العربية. وقد أبلغ عبدالقادر مساهل الوزير المنتدب المكلف بالتعاون المغاربي والافريقي في الخارجية الجزائرية، الجنرال محمد ولد الغزواني موفد المجلس الأعلى للدولة الموريتاني أن بلاده “تدين عمليات تغيير السلطة بطرق مُخالفة للقواعد الدستورية”..
هكذا إذن يتبلور ظهور حلف موريتاني ـ مغربي في مواجهة الجزائر، يزيد من الخلل في التوازنات الإقليمية، بينما تشهد المعضلة الصحراوية تطورات جديدة تزيدها تعقيداً. فقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة في 21 آب المنصرم عن استغنائه عن خدمات بيتر فان والسوم، مبعوثه السابق لمعالجة نزاع الصحراء الغربية. وكان والسوم نفسه قد استبق قرار استبعاده بنشره مقالاً بتاريخ 28 آب (قبل الاعلان رسمياً عن قرار إقالته) في جريدة “الباييس” الإسبانية، أعلن فيه تخلّيه عن مهامه التي كان قد كلّفه بها أصلاً في منتصف العام 2005 الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان. وكان وراء قرار إبعاده اتهام جبهة البوليساريو له بأنه يُحابي الأطروحات المغربية التي تدعو الى منح الصحراويين حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية، وفق ما جاء في التقرير الذي رفعه الى مجلس الأمن في شهر نيسان من هذا العام، وأبرز فيه استحالة تطبيق استفتاء تقرير المصير الذي تُطالب به البوليساريو مدعومة من طرف الجزائر. وكان والسوم قد خلف في آب 2005 وزير خارجية أميركا الاسبق جيمس بيكر الذي استقال صيف العام 2004، ونجح في جمع المغرب والجبهة الصحراوية في أربع جولات من المفاوضات المباشرة في مانهاست، ضاحية نيويورك، ما بين حزيران 2007 وآذار 2008.
وكانت البوليساريو قد نجحت قبل ذلك في إبعاد ممثل آخر للأمم المتحدة خلف بيكر لمدة قصيرة هو الدبلوماسي البيروفي الفارو دي سوتو، بتهمة مماثلة هي الميل الى المغرب. وكانت الجزائر قد رفضت رفضاً قاطعاً استقباله.
وكان والسوم قد شرح في مقالة الباييس تصوّره للحل الممكن، والمتمثل في رأيه بتخلي البوليساريو عن مفهوم الاستقلال التام، والرهان على حكم ذاتي موسع يحظى بضمانات دولية، داعياً الجبهة الى طرح تصور شامل للحكم الذاتي.
وفي نهاية تشرين الأول سيجد مجلس الأمن نفسه مرة أخرى أمام المشكلة الصحراوية وقد عادت الى نقطة الصفر.
حتى ذلك الوقت، يكون الانقلاب الموريتاني، والانزلاق الصحراوي قد فعلا فعلهما في اعادة المحاور الى بلاد المغارب..

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button