مقالات

الإكراه البدني العبودية الجديدة /محمد ولد عبد القادر

ا
إن كرامة الإنسان وحريته وحقوقه هي الهدف الذي تسعى الدول والمنظمات والهيآت الدولية والإقليمية والمحلية لتحقيقه وترسيخه والعمل على تحقيقه ومع تطور الشعوب تتماشى المنظومة القانونية المحافظة على الحقوق الأساسية للإنسان وتجسد هذا الإهتمام في المواثيق والمعاهدات الدولية المحددة لتلك الحقوق والمجرمة منتهكيها
ولا شك أن العبودية وإستغلال الإنسان لأخيه الإنسان من أبشع أنواع المساس بالإنسان وبحقه في الحياة الكريمة وأشنع إنتهاك لمن كرمه الله وأستخلفه في الأرض لذلك جرمت القوانين ممارسي العبودية
وفي موريتانيا أستحدثت ترسانة قانونية مجرمة للعبودية بإعتبارها مساس وإستغلال لكرامة الإنسان تتماشى وفظاعة الإستعباد كما تم إنشاء وكالة وطنية تعنى بمكافحة مخلفات الإستعباد إلا أنه ورغم الجهود الكبيرة والخطوا ت الجبارة والإنجازات الملموسة في المجال الحقوقي من إعادة المبعدين وتجريم العبودية فإن عبودية من نوع آخر لاتقل فظاعة ولا خطورة ولا إستهجانا عن سابقتها مازالت تمارس علنا جهارا نهارا على مرأى ومسمع من الحقوقيين المدافعين عن الإنسان وكرامته وبرعاية من القضاء وأعوانه إنها عقوبة الإكراه البدني في المعاملات المدنية حيث يقبع الآن في السجون الموريتانية العشرات من الشباب مكرهين بدنيا لعدم قدرتهم على الوفاء بإلتزاماتهم في معاملات تجارية ومدنية تمارس عليهم عبودية الإكراه البدني المخالفة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي ينص في مادته الحادية عشر أنه لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بإلتزام مدني وهو حق من الحقوق التي لا يمكن للدولة التحلل من إلتزامها بها حتى في حالة الطوارئ ويتجلى ذلك في إلغاء هذه العقوبة المشينة من المظومة القانونية لمعظم الدول إن لم نقل كلها لأنها مخالفة لمبادئ وروح العدالة ومنافية للكرامة الإنسانية ومنتهكة لحقوق الإنسان ومتعارضة مع التعاليم الإسلامية ـــــــ و إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ـــــــــ صدق الله العظيم
كما يعد الإكراه البدني عودة بالفكر القانوني إلى إعتبار الدين لا يتعلق بذمة المدين المالية بل بجسمه كما كان معمولا به في القانون الروماني قبل الميلاد
كما تخلصت البلدان من عقوبة الإكراه البدني بعد تطور الدراسات القانونية حيث فرقت بين الناحية القانونية المدنية والجنائية كما يؤكد فقهاء القانون المدني شرقا وغربا بأن عقوبة الإكراه البدني مخالفة للمبادئ المدنية الحديثة فالمدين يلتزم في ماله لا في شخصه وجزاء الإلتزام التعويض وليس العقوبة
نظرا لما سبق أتوجه لرئيس الجمهورية بإسم كل مدافع عن كرامة الإنسان أن يفتتح مأموريته الثانية بتعطيل تنفيذ عبودية العصرالمتمثلة في عقوبة الإكراه البدني في المعاملات التجارية والمدنية لمساسها بحقوق الإنسان حيث يتفق الحقوقيون والقضاة والمحامون وأعوان القضاء على بشاعتها وعدم جدوائيتها وكلفتها المالية على خزينة الدولة خاصة أن تنفيذها يتم عن طريق النيابة العامة التي تعتبر سلطة تنفيذية وتعطيلها في إنتظار إلغائها لا يعتبر تدخلا في عمل القضاء

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button