هل يتسبب استهداف مسيرات مجهولة للمنقبين الموريتانيين عن الذهب فى تفجير أزمة حدودية صامتة؟

أنباء انفو- تطور متصاعد للأحداث على حدود موريتانيا الشمالية نتيجة تكرار استهداف طائرات مسيرة مجهولة (درون) لمواطنين موريتانيين ينقبون عن الذهب يدخلون أحيانا عن طريق الخطأ إلى المنطقة الصحراوية العازلة .
تكرار استهداف الموريتانيين فى تلك المنطقة الملاصقة لحدود بلادهم، يفتح الباب أمام تساؤلات سياسية وأخلاقية، ويضع مستقبل العلاقات بين موريتانيا والمغرب والجزائر ،على مفترق حساس جدا، خصوصا إذا علمنا أنه قبل شهر نفمبر 2020 تاريخ إعلان جبهة البوليساريو وقف إطلاق النار مع المغرب ، لم تشهد المنطقة الصحراوية العازلة حوادث من ذلك القبيل وكان الأمن والأمان سيد المنطقة.
وسط بيئة صحراوية منبسطة مفتوحة على الجهات الأربع، لايمكن مطلقا، الخلط بين هدف مدني وآخر عسكري، ولن تقبل الذرائع التقنية غير المقنعة إذا علمنا أن التكنولوجيا التي تتيح للطائرات المسيّرة التعرف الحراري والبصري على طبيعة الهدف، يفترض بها جليا أن تميز بين سيارة رباعية الدفع بطلاء مدني يجلس خلفها رجال بلباس مدني يحتسون كؤوس الشاي، ومركبة قتالية تابعة لهذه الجهة أو تلك.
إن صحت كفاءة هذه التكنولوجيا، فإن تكرار قصف المدنيين الموريتانيين لا يمكن تبريره بخطأ تقني، وإذا فشلت تلك التقنيات في التمييز، فإن استخدام طائرات بهذا المستوى في منطقة مدنية محفوف بالمخاطر يُعد تهورًا غير مسؤول لايمكن التساهل مع استمراره.
قامت حكومة موريتانيا بواجبها حين دعت مواطنيها مرارًا إلى تجنب دخول المنطقة الصحراوية العازلة، باعتبارها منطقة نزاع محظورة وفق المعايير الدولية،إلا أن هذا التحذير لا يمكن – بأي حال من الأحوال – أن يُفهم على أنه تنازل عن حماية أرواح المواطنين، أو أنه ضوء أخضر لأي جهة لقتل الموريتانيين خارج القانون وتحت أي غطاء كان.
ذلك أن التحذير مجرد تعبير عن المسؤولية، أما القتل فهو خرق لكل الأعراف، وما بينهما، تبقى حرمة الدم الموريتاني خطًا أحمر لا يُساوَم عليه وإذا جرى السكوت عليه مرة ومرتين وثلاث مرات ..فلايمكن السكوت عليه بشكل دائم.
يطرح السكوت المغربي والجزائري عن استهداف مواطنين موريتانيين أو عدمه، والإمتناع عن تقديم أي توضيح رسمي، جملة من التساؤلات و يرسل إشارات سلبية ليس فقط إلى الشارع الموريتاني، بل إلى المؤسسة الرسمية في نواكشوط التي تحاول منذ سنوات الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع الأشقاء فى المغرب والجزائر.
إشارات إذا لم يسارع المغرب والحزائر إلى تصحيحها فإن موريتانيا قد تجد نفسها مرغمة على إعادة تقييم طبيعة التهديد وحدود التعاون الأمني .
لامجادلة فى أن العلاقات الموريتانية المغربية محكومة بثوابت الجوار والتاريخ والثقافة المشتركة وأن العلاقات الدبلوماسية بلغت أوجها فى السنوات القليلة الأخيرة والتعاون الإقتصادي بين البلدين ارتقى إلى مستويات قياسية عبرت عنه بشكل واضح النسخة الأولى من المنتدى البرلماني الإقتصادي الموريتاني المغربي الذى احتضنته العاصمة انواكشوط بين 9 و10 مايو الجاري , إلا أنه ورغم ذلك كله، لا يمكن السكوت على دماء مواطنين أبرياء، وإذاكانت الحكومات الموريتانية تميل فى سياسات التعامل مع الجيران الأشقاء إلى الصبر، فإنها وتحت صغط شارعها قد ترفع الحرج وتتصرف بشكل مختلف غير متوقع سواء تعلق الأمر مع الشقيقة المغرب أو الشقيقة الجزائر
المطلوب من الأشقاء فى المغرب والجزائر الآن، لا يتوقف عند تعهد بمراجعة أسلوب تعامل كل منهما مع المنطقة الصحراوية العازلة المجاورة لحدود موريتانيا الشمالية فذلك قد يكون حاصل بالفعل نظرا للتعاون الوثيق بين القيادات العسكرية سواء مع المغرب أو مع الجزائر ، بل وأكثر من ذلك تقديم تطمينات واضحة إلى الشعب الموريتاني بأن حياة أبنائه لن تبقى بعد اليوم معلقة فى السماء تحت رحمة طائرة مسيرة مجهولة .
وكان موريتانيان ينقبان عن الذهب لقياحتفهما يوم أمس، الجمعة 16 مايو، نتيجة قصف من طائرة مسيرة مجهولة استهدفت سيارتهما داخل المنطقة الصحراوية العازلة بالقرب من منطقة “گارزرز ” التى تبعد أقل من 50 كيلومترا عن حدود موريتانيا الشمالية.
وبينما لم تتبنَّ أي جهة رسمياً العملية حتى الآن، تطرح مصادر مطلعة إلى جانب اتهام الجيش المغربي بالهجوم حيث دأب على مطاردة عناصر البوليساريو الذين يحاولون التسلل إلى أرضيه مستخدمين سيارات مدنية ويحتمل أن تداخلا حصل لديه بين هدف عسكري وٱخر مدني ، لكن ذلك -حتى الآن- لم يتأكد من جهة رسمية أو محايدة كما يبقى احتمال ان تكون جبهة البوليساريو أو إحدى الجهات الداعمة لها، هي من قام بالهجوم في محاولة للتشويش على مسار العلاقات المتنامية بين نواكشوط والرباط.
خصوصا وأن هذا الحادث يأتى في وقت تشهد فيه العلاقات الموريتانية المغربية دينامية جديدة قائمة على التعاون الاقتصادي والأمني، وهو ما يثير حفيظة بعض الأطراف الإقليمية التي تخشى من تحوّل في موازين النفوذ بالمنطقة.
ورغم غياب معطيات مؤكدة، فإن توقيت العملية وموقعها يفتحان الباب أمام تساؤلات مشروعة حول الرسائل الخفية وراءها. وفي انتظار نتائج التحقيق الرسمي، تبقى فرضية “التشويش السياسي” قائمة، خصوصاً في منطقة تعيش على وقع تنافس إقليمي حاد وحسابات جيوسياسية دقيقة.