دعوة قائد أركان جيوش موريتانيا ..هل اقتربت الحرب من الحدود؟

أنباء انفو – عاد موقع المجلة الفرنسية Jeune Afrique ، فى تقرير نشر اليوم الخميس 17 يوليو2025 , إلى تحليل الهحوم المسلح العنيف الذى نفّذته جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” (JNIM)، التابعة لتنظيم القاعدة، على مدن وقرى على الحدود المشتركة بين مالي وكل من موريتانيا والسنغال ، فجر الأول من يوليو الجاري، وذلك للمرة الأولى منذ بداية النزاع المسلح فى منطقة الساحل الأفريقي.
الهجوم حسب تقرير الصحيفة ، أكد أن الجماعة لم تعد حبيسة مناطق الشمال والوسط، بل باتت تتمدد غربًا، على تخوم الحدود مع موريتانيا والسنغال، فاتحة بذلك جبهة جديدة لم تكن مأهولة من قبل في مشهد العنف الجهادي.
خطورة العملية تتجاوز توقيتها ومكانها، إذ تكشف عن تحوّل عميق في طبيعة تمدد الجماعة التي باتت تعتمد استراتيجية متدرجة تبدأ بانتشار ديني واجتماعي تحت غطاء “الدعوة”، قبل أن تنتقل إلى التمكين الميداني بالسلاح.
أوضح التقرير ، أن الجماعة بدأت منذ أشهر التسلل إلى الأرياف القريبة من كايس، حيث استغلت الفراغ المؤسساتي لتقديم خدمات تعليمية ودينية وتسوية نزاعات محلية، كبديل عن الدولة الغائبة، قبل أن تبدأ بتجنيد السكان ونقل السلاح.
الهجوم على كايس، ذات الموقع الاستراتيجي الحاسم في الربط بين مالي وجارتيها موريتانيا والسنغال، لم يكن مجرد استعراض قوة، بل إعلان ضمني عن قدرة التنظيم على زعزعة الاستقرار في عمق جغرافي جديد، لطالما اعتُبر أقل هشاشة من مناطق الشمال. التوقيت كذلك لم يكن بريئًا، فجاء في ظل تراجع التنسيق الإقليمي وتفكك المنظومة الأمنية الجماعية، وتزامن مع انسحاب القوات الدولية من مالي، بما أتاح للجماعة هامش حركة أوسع في المناطق الحدودية.
في موريتانيا، بدا صدى الهجوم واضحًا في الخطاب العسكري الرسمي، إذ جاء بعد أقل من 24 ساعة من زيارة قائد أركان الجيوش الموريتانية، الفريق محمد فال ولد الرايس ، لمواقع متقدمة في شمال البلاد، حيث شدد على أهمية “الجاهزية الدائمة لمواجهة الأخطار في أي وقت”، في تصريح فسّره مراقبون على أنه رسالة تحذيرية استباقية في ظل تصاعد التهديدات المحيطة.
ويمثل هذا التوسع الجغرافي للتنظيم تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الموريتاني، خاصة أن المناطق المستهدفة في مالي ترتبط ارتباطًا عشائريًا واجتماعيًا واقتصاديًا بالضفة الأخرى من الحدود. كما أن النموذج الذي اعتمدته الجماعة — وهو الدمج بين العمل الدعوي والتغلغل الاجتماعي قبل اللجوء إلى السلاح — يشكل تحديًا مركبًا لا يمكن مواجهته بالوسائل العسكرية وحدها، بل يتطلب تدخلًا متعدد الأبعاد، يبدأ من تعزيز التنمية المحلية ويصل إلى تجديد آليات الإنذار المبكر والتنسيق الاستخباراتي مع دول الجوار.
الهجوم على كايس لا يُقرأ بوصفه عملية موضعية، بل هو بمثابة ورقة اختبار ناجحة لتوسيع نفوذ الجماعة غربًا، وفتح مسارات جديدة نحو مناطق أقل تأهبًا. وهو ما يضع السلطات في نواكشوط، كما في داكار وباماكو، أمام استحقاقات أمنية وسياسية عاجلة. فالتعامل مع هذه المرحلة لا يحتمل التأجيل، ولا يغتفر فيه الاعتماد على ردود الأفعال المؤقتة، بل يفرض استراتيجية استباقية تُعيد للدولة حضورها، وللأمن الإقليمي تماسكه قبل أن يتسع نطاق التهديد أكثر.


