أخبارأخبار عاجلةعربيمقالات

موريتانيا بين وفرة الموارد وغياب الحوكمة: قراءة في تصريح ولد بوحبيني

أنباء انفو- تصريح لافت من حيث المضمون والدلالات، شدّد فيه أحمد سالم ولد بوحبيني، الرئيس السابق للجنة الوطنية لحقوق الإنسان فى موريتانيا، على أن ما تحتاجه بلاده، ليس فقط استغلال ما تختزنه أرضها من ثروات طبيعية، بل بناء دولة قانون قوية، تضمن الشفافية والعدالة، وتؤسس لإدارة مسؤولة للموارد.

ولد بوحبيني، وهو شخصية قانونية وحقوقية مرموقة، ذكّر بأن موريتانيا تزخر بمناجم الذهب والنفط والغاز والحديد واليورانيوم، لكن “المنجم الأساسي” — على حد وصفه — هو منجم الحكامة الرشيدة، التي يجب أن تسبق أي استغلال لهذه الموارد.

هذا الطرح يعيد إلى الواجهة معضلة عميقة تعاني منها البلاد منذ عقود: وفرة الموارد في مقابل ضعف الأثر التنموي. وهي معضلة ليست حكرًا على موريتانيا، بل عاشتها دول أخرى في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث تحوّلت الثروات الطبيعية إلى ما يُعرف بـ”لعنة الموارد”، حين غابت الشفافية وضعفت مؤسسات الرقابة، فتبددت العائدات بين الفساد والمحسوبية، بدل أن تتحول إلى مدارس ومستشفيات وبنية تحتية متينة.

لكن تجارب عالمية أثبتت أن هذه “اللعنة” ليست قدرًا محتومًا. فبوتسوانا، على سبيل المثال، التي كانت من أفقر دول إفريقيا قبل اكتشاف الماس، استطاعت بفضل سياسات صارمة في الشفافية والإدارة الرشيدة أن تتحول إلى واحدة من أنجح الاقتصادات في القارة. وكذلك النرويج، التي استثمرت عائدات النفط في صندوق سيادي يُدار باحترافية عالية، حتى أصبحت من أغنى دول العالم وأكثرها رفاهية لمواطنيها.

كلام ولد بوحبيني لا يمكن قراءته كتصريح عابر، فهو رسالة للنخب السياسية وصانعي القرار بأن الإصلاح المؤسسي هو المدخل الوحيد للتنمية الحقيقية. كما أنه تذكير للرأي العام بأن مستقبل الأجيال مرهون بقدرة الدولة على حماية ثرواتها من الهدر، عبر قوانين صارمة ومؤسسات رقابية فاعلة، وإرادة سياسية تضع المصلحة العامة فوق أي اعتبار.

إن بناء دولة القانون ليس شعارًا، بل شرط وجود لأي نهضة اقتصادية، وإلا ستبقى الثروات الموريتانية مجرد أرقام في التقارير، بعيدة عن حياة المواطنين اليومية. وكما يقول المثل: “الثروة بلا حكامة، كالسفينة بلا بوصلة”.

مواضيع مشابهة

Back to top button