
أنباء انفو- تسير جارة موريتانيا الجنوبية الغربية (السنغال) بخطوات متسارعة نحو ترسيخ صناعة دفاعية محلية، في خطوة تكشف عن طموحات استراتيجية أوسع تتجاوز حدودها الوطنية. فقد أعلنت شركة ASER Technology التركية، المتخصصة في مجال التسلح، نيتها إنشاء مصنع لتجميع الأسلحة في البلاد، مع إشراك الجيش السنغالي مباشرة في رأس المال ونقل تكنولوجي وُصف بأنه غير مسبوق.
الإعلان تزامن مع الزيارة الرسمية التي أداها رئيس الوزراء عثمان سونكو إلى تركيا (6–11 أغسطس 2025) بدعوة من الرئيس رجب طيب أردوغان. وقد أجرى وزير القوات المسلحة بيرام ديوب لقاءً مع إدارة الشركة في إسطنبول، أفضى إلى توقيع مذكرة تفاهم ينتظر أن تُعتمد في داكار قريبًا. ممثل الشركة في غرب إفريقيا، سيرين غاي، شدد على أن المشروع «يخدم السيادة العسكرية للسنغال» وأن الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد يضمن نجاحه رغم ثقل الديون العمومية.
رهان على دور إقليمي جديد
يأتي هذا التوجه في وقت تتسابق فيه دول الساحل وغرب إفريقيا على تعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة التهديدات الإرهابية وتنامي نفوذ الميليشيات العابرة للحدود. فمالي، التي تقاربت مؤخرًا مع موسكو عبر مجموعة “فاغنر” ومصادر تسليح روسية، تجد نفسها أمام خصم إقليمي يعزز شراكته مع أنقرة. أما موريتانيا، التي ما تزال توازن بين الحياد العسكري وتعزيز التعاون مع شركائها الغربيين، فقد تنظر بعين الحذر إلى بروز صناعة دفاعية ناشئة على حدودها.
في المقابل، ترى ساحل العاج، ذات الطموح الاقتصادي والعسكري المتزايد، أن التمركز التركي في داكار قد يخلخل موازين القوى لصالح السنغال، ويجعلها قطبًا محوريًا في معادلات الأمن الإقليمي. أما غينيا بيساو والدول الأصغر حجمًا في غرب إفريقيا، فقد تجد نفسها أكثر ارتباطًا بالقرار الدفاعي السنغالي إذا ما تحولت داكار إلى منصة إقليمية لصناعة السلاح.
البعد التركي–الإفريقي
بالنسبة لتركيا، لا يقتصر الأمر على الاقتصاد أو نقل التكنولوجيا، بل يدخل ضمن استراتيجيتها لتوسيع نفوذها في إفريقيا، ومنافسة القوى التقليدية مثل فرنسا وروسيا والصين. فتحويل السنغال إلى قاعدة لصناعة الأسلحة يتيح لأنقرة ممرًا استراتيجيًا إلى غرب إفريقيا والمحيط الأطلسي، ويمنحها حليفًا صاعدًا يتمتع باستقرار سياسي مقارنة بجيرانه.
نحو سباق تسلح إقليمي؟
التحرك السنغالي–التركي يطرح سؤالًا أكبر: هل نحن أمام بداية سباق تسلح إقليمي في غرب إفريقيا؟ فمع انخراط بوركينا فاسو في مفاوضات مشابهة مع الشركة التركية، وتنامي التعاون العسكري بين باماكو وموسكو، تبدو المنطقة متجهة نحو إعادة تشكيل خريطة النفوذ العسكري.
وإذا ما نجحت داكار في استقطاب التكنولوجيا التركية وتثبيت صناعتها الدفاعية، فإنها لن تكتفي بتعزيز استقلالها العسكري، بل ستتحول إلى لاعب إقليمي مؤثر يفرض شروطه الأمنية والاقتصادية في فضاء الساحل وغرب إفريقيا.



