أخبار

موريتانيا تشرح للعالم مقارباتها حول الأمن والتنمية

أنباء انفو-يري بعض المراقبين أن منطقة جنوب الصحراء تبرز باعتبارها مرتعاً لعدم الاستقرار وانعدام الأمن. إذ يثير تقاطع مجموعة من العوامل، من الثورات في شمال أفريقيا وانتشار الأسلحة، إلى تهريب السلع غير المشروعة العابر للحدود الوطنية والأنشطة الإرهابية التي يقودها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، اهتماماً شديداً بهذا الجزء من العالم.
وتواجهُ الدول في هذه المنطقة، والتي ظهرت إلى الوجود وهي في حالة من الفقر المُدقع وبإحساس ضعيف بالهويّة المشتركة، تحدّيات تنموية هائلة. فالحكومات ضعيفة بصورة مزمنة وتعاني من وجود مؤسّسات سياسية ضعيفة ، وتوترات عرقية – سياسية حادة، ونقص في الخدمات الأساسية والسلع العامة وفساد مستوطن. وفي سياق صراعها مع الاضطرابات الداخلية، تبدي هذه الدول قدرة محدودة على مراقبة حدودها والحفاظ على احتكار الاستخدام المشروع للقوة، حيث تتدخّل الجريمة المنظّمة لملء الفراغ.
وتجسّد ُموريتانيا المخاطر التي تطرحها هذه الدول غير المستقرّة، والتي تتمتّع بقدرات ضعيفة، على الأمن الإقليمي والدولي. وثمّة ثلاثة ضغوط تبرز بوصفها حاسمة بالنسبة إلى وضع موريتانيا الحالي من عدم الاستقرار: التوتّرات الاجتماعية والسياسية المتجذّرة في الهياكل القبليّة القديمة والانقسامات العرقيّة والعنصرية التاريخية، وتنامي التشدّد في أوساط الشباب الموريتاني. وتتفاقم مشكلة التطرّف الداخلي بسبب ترابطها مع القوى العابرة للحدود الوطنية مثل عمليات التهريب غير المشروعة والشبكات الإرهابية الإقليمية. هذه العوامل يعزّز بعضها بعضاً، وتخلق حلقة مفرغة يجب كسرها من أجل استعادة شيء من الاستقرار-وفق الكثير من المراقبين-

تحديات أمنية

شهد أواخر القرن المنصرم منعطفا جديدا على صعيد الأمن في العالم حيث لم تعد متطلبات السلامة الأمنية تقتصر فقط على ضرورات حماية الدولة والسيادة كما كان معهودا وإنما أخذت منحى جديدا أكثر تعقيدا وتشابكا. ومع مطلع القرن الجديد اتخذ مسار الأمن بشكل عام منعرجا جديدا غير النظرة النمطية إلى ما يعرف اليوم بالإرهاب والجريمة المنظمة.
وهكذا أصبحت الظاهرة عابرة للحدود، تنتشر بشكل أفقي وسريع. وعلى ضوء ذلك بات الإرهاب شبحا يهدد الجميع وسقط بذلك ما يمكن أن نسميه بنظرية البعد الواقي. فلم تعد الدول بمنأى عن ضربات الإرهاب حتى ولو كانت تفصلها عن مواطنه الأصلية قارات ومسافات فلكية.

منطقة الساحل والإرهاب

في دول الساحل، بدت جغرافية المنطقة مثالية حيث المساحات الصحراوية الشاسعة التي تقدر بنحو ثلاثة ملايين كلم مربع مع وجود حدود يسهل اختراقها، فضلا عن كونها مليئة بالكهوف والمغارات التي توفر ملجأ آمنا للجماعات الإرهابية وعصابات التهريب.
وظل أسلوب هذه الجماعات المعتمد يرتكز على اكتتاب الشباب المسلم من عدة أقطار، سواء من شمال إفريقيا أو جنوبها، مع التركيز على الشباب القصر ذوي المستويات المعرفية المتدنية أو شبه المعدومة، والمتسربين من المدارس و الجانحين منهم أساسا.
و بحكم هذا الواقع بات القضاء على التهديد الإرهابي في منطقة الساحل يفرض على الدول الجادة الاستثمار على المدى الطويل والشروع وبشكل عاجل في بناء “إستراتيجية شاملة” تجمع بين العمل العسكري الفعال والحوار الصريح الذي يقرع الحجة بالحجة وإحداث تنمية سياسية واجتماعية و اقتصادية داخل المناطق الموبوءة.

موريتانيا تشعر بالخطر

في موريتانيا، جاء الوعي بهذه الحقيقة مبكرا. فالمقاربة الموريتانية ترتكز على إستراتيجية متكاملة ومتعددة الجوانب تأخذ في الحسبان البعد العسكري البحت واعتماد نهج الحوار والربط بين التنمية والأمن, فحيث ما فقدت التنمية وجد الإرهاب وحيثما دحر الفقر والتخلف اختفى الإرهاب.
فعلى المستوى العسكري وفق الهيئة المشرفة على مسار نواكشوط ، تم تجهيز وحدات روعيت فيها معايير تناسب طبيعة الموقف مهمتها التحرك بسرعة وباستمرار على الحدود لمنع تسلل فلول العصابات الإجرامية إلى داخل الأراضي.
بيد أن الحدود التي يصل طولها إلى قرابة 2600 كم بين موريتانيا و مالي مثلا جعلت السلطات الموريتانية تضع إستراتيجية جديدة تعتمد على التنسيق في مجال الاستخبارات و على المراقبة الجوية المكثفة و تحصين الحدود و كذلك الضربات الاستباقية ومباغتة العدو و مهاجمته في أوكاره.
و إلى جانب ذلك تم تحسين الوسائل المادية والبشرية لأفراد الأسلاك المختلفة باقتناء معدات وتجهيزات تزيد من فاعليتها، كما تلقى الأفراد تحسينا في خبراتهم من أجل القيام بمهامهم على أحسن وجه وذلك على المستويين العسكري والأمني.

متلازمة التنمية والأمن

من الأكيد أن انعدام الأمن يشل التنمية في حين أن الهشاشة الاقتصادية تشجع قيام النزاعات وتؤدي إلى انعدام الأمن وهو الأمر الذي يوفر بيئة صالحة للتغرير بالفئات الهشة. وبما أن الجماعات الإرهابية تستهدف الفئات الأكثر هشاشة فإن القول بتلازم الفقر والإرهاب يبدو واردا. وهكذا لم تقتصر نظرة السلطات العمومية على البعد العسكري بل قدمت حلولا اقتصادية تسعي إلى محاربة الفقر وإحداث تنمية مستدامة في المناطق الهشة والتي يعيش سكانها تحت خط الفقر. كما تم اعتماد سياسة لتشغيل الشباب ودمجه في الحياة النشطة.
وبما أن عصابات الإرهاب والتهريب تمتطي الدين كوسيلة لاستعطاف جمهورها المستهدف، فقد بات واضحا للسلطات العمومية في موريتانيا أنه لا مناص من خلق مناخ لقيام حوار مباشر مع السجناء لمقارعة الحجة بالحجة ودحض المبررات الواهية لدى هذه العصابات كما تم وضع برنامج شامل في هذا المجال للتوعية الدينية حول المفاهيم الصحيحة بعيدا عن الغلو والتطرف.
وقد أعطت هذه الخطوة نتائج مدهشة حين مكنت جمعا من العلماء الذين أشرفوا على الحوار من توضيح زيف ما تروج له تلك الجماعات من شعارات الدين منها براء. وأقنع العلماء سجناء السلفية بضرورة مراجعة تصوراتهم العقدية فتابت الغالبية من هؤلاء بعد اقتناعهم بزيف تصوراتهم الإيديولوجية وقامت السلطات العمومية بتمويل مشاريع لهم قصد دمجهم في النسيج الاقتصادي للبلاد.
وأقيمت عدة ندوات دولية ووطنية لمكافحة التطرف الديني سعت إلى تبيين الصالح من الطالح. وكان لها دور بارز في مجابهة هذا الغلو وتوضيح الرؤية الدينية الصحيحة في أذهان الشباب.

موريتانيا فخورة بمقارباتها الأمنية

إن هذه الرؤية المتكاملة لمحاربة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة قد مكنت موريتانيا من تحقيق نجاح مشهود على هذا الصعيد. وباتت دول العالم مقتنعة بنجاعة هذه التجربة وسلامة الرؤية المتبصرة التي كانت وراءها.

دول الساحل وترابط المصير
سعت موريتانيا إلى عرض هذه التجربة لكي تستفيد منها دول الساحل وإفريقيا والعالم بشكل أعم. وهكذا أقرت قمة الاتحاد الإفريقي المنعقدة في يناير 2013 إطلاق مسار نواكشوط بالتنسيق مع مجلس الأمن الدولي و كل المبادرات و الاستراتيجيات الإقليمية و الدولية المهتمة بإشكالية الأمن و التنمية في منطقة الساحل.

ماذا يريد مسار نواكشوط ؟

يهدف مسار نواكشوط إلى تعزيز التعاون الإقليمي في مجال الأمن من خلال تفعيل المقاربة الإفريقية للسلم والأمن في منطقة الساحل الصحراوي فضلا عن إقامة مبادلات مع منظمات إقليمية وشبه إقليمية، وكذا مع الأمم المتحدة والشركاء الدوليين. كما يشكل إطارا هاما للتفكير و العمل لصالح تعاون إقليمي مهيكل وهو عنصر محوري للأمن الإقليمي.
وبذلك تكون موريتانيا قد قدمت لدول الساحل والعالم تجربتها الرائدة في مجال ضبط الحدود ومكافحة الإرهاب والمخدرات سعيا إلى نشر رسالة نواكشوط والساحل لإنشاء فضاء مشترك لتبادل التجارب والبحوث العلمية، وإيجاد الوسائل من أجل المساعدة في فهم جذور هذه المخاطر والعمل على محاربتها.
للتذكير يضم مسار نواكشوط 11 بلدا هي موريتانيا ـ الجزائر- بوركينا فاسو- كوت ديفوار- غينيا- ليبيا- مالي – النيجر- نيجيريا – السنغال و تشاد.
وعلاوة على الدول الأعضاء يضم المسار المركز الإفريقي للدراسات والبحوث حول الإرهاب و لجنة خدمات الأمن و الاستخبارات في إفريقيا إلى جانب مجموعات إقليمية و شبه إقليمية كالمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وتجمع الساحل و الصحراء.

-بوابة افريقيا

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button