مقالات

الرصاص في باريس .. فأين سيكون الرد؟ / سيد أحمد ولد باب/ كاتب صحفي

لن يكون أمرا عاديا في المغرب العربي وافريقيا..

هكذا يجمع اغلب المتابعين للحدث الجلل الذي هز العاصمة الفرنسية باريس صباح الأربعاء (7-1-2015) رغم أن المنفذ المباشر والمخطط المحتمل مايزال مجهولا لدي كافة الدوائر

الأمنية والإعلامية والسياسية بباريس، كما أن الدولة التي ينتمي إليها الفاعلون المفترضون لاتزال مجهولة رغم الصوت العربي القادم من كاميرات التسجيل في الشوارع المحيطة لأحد المنفذين وهو يكبر ويردد عبارة “انتقمنا للرسول صلي الله عليه وسلم.
لقد كانت بالفعل لحظة فارقة في تاريخ العنف الموجه بفرنسا، ونتيجة لم يتوقعها أكثر المتشائمين لتصرف بعض الرسامين، وهم يلعبون بالنار في صحيفتهم الساخرة، ناسين أو متناسين أن العنف المسلح بات خارج دائرة التحكم، وأن أوربا المزهوة بحضارتها وحريتها – غير المنضبطة- قد تجر الخراب لذاتها وللعالم الإسلامي الذي يحاول أن يستفيق من سنوات استعمارها اللعين، قبل أن تواجهه سكرة تطرف قوامها الاحتلال العسكري الأجنبي والتطرف الداخلي، والاستبداد الداخلي، ثلاثية باتت أخطر مرض تواجهه شعوب القارة الإفريقية والعالم الإسلامي عموما.

كيف وقعت الكارثة؟

لم تعش فرنسا منذ انتهاء الحربية العالمية الثانية تهديدا أمنيا بهذه الدرجة، مسلحون يتجولون بحرية في شوارع باريس المنتشية بعام ميلادي جديد، ولعلعة الرصاص تدك أكثر المواقع الإعلامية شهرة في الفترة الأخيرة، والرصاص يخترق بكل تركيز أجساد ضحاياه المختارين بعناية ودقة يصعب تصورها، واجهاز على آخر الشهود في المعركة بعد أن حمله سوء الحظ إلي رفع رأسه في الوقت الغلط، وانسحاب شبيه بما نشاهده في أفلام الرعب الأمريكية دون ملاحقة أو مراقبة، وصرخات تكبير هذه المرة في باريس وليست كوباني أو سنجار، وتحرك باتجاه طمر آثار الجريمة أو طمر آثار مرتكبيها علي أقل تقدير!.

هو يوم حزن في فرنسا كما قال الرئيس الفرنسي افرانسوا أولاند صاحب الشعبية المنهارة ،ولحظة عصيبة علي الأمة الفرنسية كما يقول وزير دفاعه المتحفز لعمل جنوني في مناطق أخري من العالم بغية رد الاعتبار لذاته وقواته بعد أن شبعت أعين الفرنسيين من الدماء المسالة داخل مكان ظل إلي وقت قريب يستعمل أصحابه الحبر والورق في تعاملهم غير الودي مع الغير، قبل أن يدفنوا داخل اجتماع التحرير الأخير برصاص بعض المسلحين المجهولين.

أين سيكون الرد؟

ارتكب الجناة المجزرة بكل برودة اعصاب، وراحوا يطوفون شوارع باريس وهم منتشون بالفعلة التي اقدموا عليها، لكنهم لم يفكروا ولو للحظة واحدة كيف سيكون وضع الملايين من المسلمين الذين يعيشون في ديار الغرب، بعد أن استطاعت بضع رصاصات اطلاق شرارة حرب لما تتضح معالمها.

تدرك فرنسا جيدا، ومجمل عقلاء الغرب، أن أحدا لم يستشر الجاليات المسلمة في العالم الغربي أو المهتمين بالصحوة الإسلامية وقادتها في العالم العربي حول القيام بعملية مسلحة من أجل قتل بضعة أشخاص مهما كانت فداحة الجرم الذي ارتكبوه قبل سنتين أو ارتكبه بعضهم علي أصح تقدير.

لكن الجميع يدرك كذلك أن فرنسا المجروحة في كبريائها العسكري والأمني، المتحفز للهيمنة ستحاول الرد بطرق بدائية كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2001 بعد أحداث الحادي عشر من سبتمر، من خلال استهداف بؤر الإرهاب في العالم كما تقول الدوائر الأمنية والإعلامية، مع محاصرة المد الإسلامي في أوربا، والذي بدأ يأخذ مكانته بفعل حيوية أبناء الحركة الإسلامية، ونجاعة المنهج الوسطي الذي اختاروا، بعيدا عن لغة الرصاص والدم التي حولت دولا بأكملها إلي خراب، وأجهضت مشاريع أمة راهنت علي وعي أبنائها، وانصاف الغير، من أجل نشر الدين و حماية المتدين، و التمكين لمؤسسات هدفها الأول اسعاد الناس في الدنيا والآخرة، وليس دفعهم فرادي وجماعات إلي النار.

ولعل أبرز الخيارات المتاحة أمام الفرنسيين أو المتوقعة بحكم العقلية الغربية المتكلسة هو استهداف الجاليات الإسلامية باختلاف مشاربها، وهو أمر مؤسف وغير منصف، والتمكين لليمين المتطرف الذي باتت أحلامه في طريقها إلي التحقق بفعل النزعة الغربية اليمينية، والعقلية المتخلفة لبعض أبناء الأمة الإسلامية في ديار الغرب.

كما أن صدي أصوات الرصاص الفرنسي قد تسمع خلال الأيام القادمة في بنغازي أو عدن في محاولة لرد الاعتبار لبلد الحريات المكلوم بفقدان هيبته قبل مواطنينه، في استنساخ للتجربة البائسة لواشنطن في أفغانستان والعراق.

ولئن كانت الضربة التي قام بها تنظيم القاعدة في الولايات المتحدة قد غيرت مجري الحياة بشكل غير متوقع في الشرق الأوسط وآسيا،فإن الضربة التي تمت اليوم في فرنسا قد تكون لها تداعيات وخيمة علي الإستقرار في المغرب العربي وافريقيا، مالم تتعقل فرنسا – وهو أمر مستبعد- أو تتحرك النخبة المغاربية لامتصاص الصدمة، والتأكيد علي التضامن في وجع الغزو الخارجي المتوقع، باعتباره يخطئ الجاني، ويزيد من عذاب البريئ الضحية.

إن فرنسا المتمركزة منذ سنتين في مالي والنيجر،والمتحفزة منذ أسابيع للتدخل العسكري في ليبيا، الشريكة في اجهاض حلم التونسيين، والمناهضة للنفوذ الجزائري في المنطقة، والمحتلة لإفريقيا الوسطي وساحل العاج، قد تكون أكبر مستفيد من عملية القتل البشعة التي تمت اليوم من اجل فرض سيطرتها علي المشهد الإفريقي المتأزمة، ورفع دماء رساميها في وجه كل مخالف باعتباره صاحبة حق تحاول أخذه، وضحية ارهاب معنية بقمع فاعليه.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button