دولة الأمر المباشر (سمات وقرارات ) / محمذن فال ولد محمد يحيظه
تفنن علماء القانون الدستوري وفقهاؤه في شرح أنواع الدول ، وبالغ السياسيون في التباري في توصيف أنماط الدول الفاشلة نظاما وتدبيرا ، وتخطيطا وتفكيرا؛ غير أن هناك دولة أخرى لم تنل بعد من التوصيف ما يجلي أمرها أكثر ، ويحدد معالمها ؛ ولأننا في موريتانيا نعاني من هذه الدولة
( دولة الأمر المباشر) أحاول في هذه العجالة التوفق معها من؛ حيث السمات ؛ والقرارات :
1- دولة الأمر المباشر ( السمات ) :
ليس لدينا ما يسعفنا في تحديد السمات الأساسية لدولة الأمر المباشر، لكن يمكننا من خلال تتبع مسيرة النظام الحالي استخلاص بعض السمات التي تساعد في تحديد معالم دولة الأمر المباشر من هذه السمات أنها :
– ارتجالية :
من السمات الأساسية لدولة الأمر المباشر أنها دولة ارتجالية ، لا تخطيط لديها ولا تفكير ، ولا استراتيجية محددة بزمن محدود ، ولا أهداف مرصودة يراد الوصول لها ، ولا وسائل معلومة لتحقيق هذه الأهداف ، بل الأمر متروك لحظة الأمر المباشر لتوجيه بوصلة هذا الوزير أوذاك المدير لتنفيذ هذا الأمر أو ذاك دون تفيكر ولا ترو ولا تخطيط ولا نظر في العواقب والمآلات.
– استعراضية :
من خلال متابعة سياسات نظام الأمر المباشر يتبين أن من بين السمات الأساسية لدولة الأمر المباشر أنها دولة استعراضية ؛ بمعنى أنها لا تهتم بالجوهر والمخبر ، وإنما بالمظهر الخداع ، فلا تركز على المشاريع ذات البعد التأثييري الإيجابي بعيد المدى على مستوى التنمية والتعليم والصحة وغيرها؛ وإنما تركز مجهودها على مشاريع سريعة التأثير على الرأي العام ؛ ولكنها سريعة الاندثار ، فلا تلبث تلك المشاريع التي يتم استعراضها حتى تضمحل من الوجود ؛ لأنها لم يركز فيها على البعد التأثيري الإيجابي المتراكم والمستديم …
– اختلالية :
من السمات الأساسية لدولة الأمر المباشر هو لاختلال ، فكل شيء فيها مختل ، معاييرها في التوظيف مختلة ، معاييرها في العدالة مختلة ، معاييرها في التقديم والتأخير مختلة ومن هنا يأتي اختلال أولوياتها ، مشاريعها لا تأتي بناء على دراسة علمية تحدد أولويات التنمية والمشاريع الضرورية للنهوض بهذه المنطقة أو تلك ، فكثير من المشاريع التي تقوم بها لا تكون استجابة لحاجات التنيمة وإنما استجابة لنزوات ظرفية وعاطفية لا تمت إلى إدارة الدول بأي علاقة ؛ ولذلك لا يكون لها انعكاس على المستوى المعيشي للسكان ولا يرفع من دخل المواطنين ولا يزيد مستوى ولوجهم للخدمات الأساسية كالصحة والتعليم ….
– شعبوية :
من معالم دولة الأمر المباشر ، وسماتها الكبرى أنها دولة شعبوية تتخذ القرارات فيها حسب المزاج لا حسب الجدوى ، تتخذ القرارات فيها بغية كسب شعبية آنية ، لا من أجل تنمية شاملة ، ولذا كثير من قراراتها محدود المفعول باللحظة التي تم اتخاذه فيها ، فلا يكون له امتداد بعد ذلك على أي مستوى من المستويات …
ليست هذه كل سمات دولة الأمر المباشر ولكننا نكتفي بها حتى لا نطيل وحتى نتيح الفرصة لإسقاط هذه السمات السابقة على بعض القرارات التي اتخذها نظام الأمر المباشر لنرى هل نحن فعلا نعيش أسوأ مراحل دولة الأمر المباشر.
2- دولة الأمر المباشر ( القرارات ) :
ولكي ننزل إلى الواقع ونسقط السمات السابقة على واقعنا نسوق هنا بعض القرارات التي قام بها نظام الأمر المباشر عندنا وسنأخذ نموجذين أحدهما يبثت الطابع الشعبوي لهذا النظام ، وثانيهما يبثت الطابع الارتجالي عنده :
– أزمة عمال اسنيم :
ظلت علاقة رأس النظام بأزمة عمال اسنيم علاقة متأرجحة ؛ حيث اتهمم في البداية بالتسييس ، ثم حاول معهم ثانيا عن طريق مفاوض نفى علاقته به لما فشلت مهمته ، ثم أنكر وجود أزمة داخل الشركة ودافع عن قرارها في التمنع عن الحوار مع العمال وعن السعي في حلحلة الأمر ، ظلت علاقة النظام مع العمال على هذا النحو حتى بدا أن حلها يمكن أن يجلب للنظام بعض التعاطف الشعبي ويزيل بعض الأدران عن فرقاء الدرب أوعز إلى صاحب العرق الأغلى في تاريخ الوطن للتفاوض مع العمال وأجبر الشركة على التوقيع مكرهة على ما اتفق عليه مع العمال ضاربا عرض الحائط بما تبقى من مؤسسات الدولة ومن مصداقية لديه في سبيل البحث عن شعبية آنية ، واستباقا لحرا ك معارض متضامنا مع العمال حتى لا يقال إن الحل جاء بسبب هذا الحراك وهذا الضغط ، ولكنه وقع فيما فر منه ؛ حيث بدا هذا الحل المرقع استجابة لضغط الشارع المعارض …
هذا نموذج من القرارات الشعبوية التي يقوم بها هذا النظام دون مراعاة لأي بعد آخر سواء كان إداريا أو اقتصاديا أو استراتيجيا ، المهم أنها تجلب مدحا آنيا وإعجابا زائلا بجفاف الحبر الذي كتبت به أو بموت الحرف الذي نطقت به .
– سنة التعليم :
يشكل إعلان النظام سنة 2015 سنة للتعليم مثالا صارخا على القرارات الارتجالية ذات البعد الاستعراضي كيف تجلى ذلك ؟
تجلى ذلك في توقيت الإعلان حيث تم الإعلان عنها بعد ثلاثة أشهر من بداية العام الدراسي ، ولم تعلن معها استراتيجية واضحة تؤكد هذا الإعلان ولم تشفع به لا حقا …
بل على العكس من ذلك افتعلت أزمات داخل قطاع التعليم تثبت أن هذا العام ليس عام التعليم وإنما عام التعويم ، تم طرد طلاب أهم كلية من حيث التخصص وهي كلية الطب وتمت ملاحقتهم في البراري الشمالية لانواكشوط ، وتفاقمت مآسيهم على مستوى النقل فكل يوم نسمع عن إغماء بسبب الازدحام داخل باصات النقل المتهالكة ، وتم إلغاء نقاط الضوء التي تمت دون سابق إنذار ؛ حيث تم إلغاء مادة التربية الإسلامية من امتحانات البكلوريا جميعا باستثناء الآداب الأصلية ، وتم إلغاء قرار اللجنة الوطنية للمنح؛ ذلك القرار الذي استبشر به آلاف الطلاب الموريتانيين في الداخل والخارج وظنوه بادرة خير وبداية استقاظ في الضمير تجاهم ؛ ليفاجأو أن الأمر ليس كذلك بل هو خطأ في ظن النظام يجب التراجع عنه وفورا لأن الوزارة ما كان لها أن تدخل السرور على الطالب يوما ….
تلك بعض النماذج التي تثبت أننا في دولة الأمر المباشر ( عدل ؛ احذف ؛ الغ ؛ اطف ؛ انسحب ؛ ادفع ؛ اكفل ؛ اقطع ، خلص ، كومس ) مثل هذه الأفعال لا يبني دولا ولا يقدم وطنا وإنما يسير بما من سيئ إلى أسوأ والكارثة الحقيقية أن بعضنا مازال مصرا على أن لدينا نظاما وأننا دولة تسابق الدول بل وتسبقهم أحيانا …