هوامش على المؤتمر الصحفي للرئيس
ما إن أكمل الرئيس أربعينية مؤتمره الصحفي الذي كان قد عقده بعد عودته من زيارة الحوضين، حتى نظم مؤتمرا صحفيا ثانيا، وقد جاء مؤتمره هذه المرة بعد عودته من زيارة شملت ولايتي لعصابة وكوركل.
ورغم أن الرئيس كان قد قرر أن يطلق على العام 2015 عام التعليم، إلا أنه يمكن القول بأن ما ميز هذا العام عن غيره، هو هذه الزيارات والمؤتمرات الصحفية التي تعقبها، والتي لا نعرف، وإلى غاية الآن، ماذا يريد الرئيس من ورائها.
فما هو الهدف أو الأهداف التي كان الرئيس يسعى لتحقيقها من خلال قضاء 20 يوما وهو يتجول في بعض الولايات الداخلية ( 10 أيام في الحوضين،7 أيام في لعصابة وكوركول ، و3 أيام في تيرس الزمور)؟
وما هي الرسالة أو الرسائل التي أراد أن يوصلها من خلال خمس ساعات وسبع وثلاثة دقيقة من الحوار مع الصحافة ( المؤتمر الصحفي الأول كانت مدته 160 دقيقة، والثاني 177 دقيقة)؟
تلك أسئلة ستظل تنتظر جوابا، ولكن ذلك لن يمنع من تقديم عدد من الملاحظات عن النسخة الثانية من مؤتمر الرئيس.
1 ـ لقد شهد المؤتمر الصحفي للرئيس في نسخته الثانية تحسنا ملحوظا من الناحية الفنية، فقد كانت الصورة أفضل، وكانت الخلفية أحسن، وتم ظهور بعض الأخبار العاجلة على شاشة “الموريتانية”، وكانت تلك الأخبار تتضمن مختصرات لأهم ما قاله الرئيس في مؤتمره الصحفي. كما كانت هناك محاولة من المستشار الإعلامي للرئيس لنشر بعض تصريحات الرئيس خلال المؤتمر على مواقع التواصل الاجتماعي.
2 ـ كان الرئيس أكثر ارتياحا ولباقة في هذه النسخة. كما أن الأقمار الصناعية لم تهدد هذه المرة بقطع البث الذي زادت مدته بسبعة عشر دقيقة عن النسخة الأولى.
3 ـ لم يسمح الرئيس للصحافة بأن تتولى إدارة اللقاء، وهو ما أتاح لنا الفرصة لأن نكتشف المواهب الصحفية للرئيس، والذي لا خلاف على أنه قد أدار الحوار بشكل جيد.
4 ـ في المقابل أظهر بعض الصحفيين أنه أكثر اطلاعا على الانجازات من الرئيس نفسه. ففي الوقت الذي سمعنا الرئيس يقول بأن أوضاع البلاد ليست على ما يرام، فإذا ببعض الصحفيين المشاركين في اللقاء يقولون بأن أوضاعنا بخير، وبأنها على أحسن ما يرام.
5 ـ مرة أخرى يحرج الرئيس موالاته الداعمة، وهي الموالاة التي كانت تقول بحياد الرئيس في انتخابات 2007. لقد اعترف الرئيس بأنه لم يكن محايدا في تلك الانتخابات، وبأنه لا ينبغي له أن يكون محايدا. كما اعترف صراحة بفضيحة “أكرا”، والتي ظلت موالاته تنفي صحتها. وكان من قبل هذا المؤتمر قد اعترف في لقاء الشعب بالنعمة بأن ما حدث في فجر السادس من أغسطس 2008 كان انقلابا عسكريا، وذلك في وقت كانت تصر فيه موالاته بأن ما حدث في ذلك اليوم ليس انقلابا، وإنما هو حركة تصحيحية فريدة من نوعها.
6 ـ لم يعد الرئيس يُحَمِّل المشاكل التي يعاني منها البلد للأنظمة السابقة فقط، كما كان يفعل من سابقا، ولكنه أصبح اليوم أكثر ميلا لتحميل تلك المشاكل للمواطن العادي، ولميل هذا المواطن إلى التقري الفوضوي. الرئيس قال في مؤتمره الصحفي بأن الدولة لا يمكن أن توفر الماء لكل مواطن أو لكل مجموعة قليلة من المواطنين تقرر أن تؤسس قرية خاصة بها . قد يكون من المهم أن أذكر هنا بأن الرئيس كان قد شيد تجمعين قروين، وهما: تجمع “ترمسه” بالحوض الغربي، وتجمع “بورات” بكوركول، وكلاهما يعاني اليوم من عطش شديد، فمشكلة العطش لا تقتصر في عهده على التجمعات القروية المبعثرة. وستبقى مدينة “كيفه”، والتي تعاني من عطش شديد، والتي هي واحدة من أكبر مدن البلاد، أقوى دليل على عجز الدولة عن توفير الاحتياجات الأساسية في المدن الكبرى. ومن المؤسف أن مشكلة العطش في مدينة “كيفه” ستسمر لسنوات. فكلما تم انجازه حتى الآن لمواجهة العطش في هذه المدينة الكبرى هو مجموعة من الدراسات بعضها لم يكتمل حتى الآن.
7 ـ أكد الرئيس في مؤتمره الصحفي أن رفع المواطنين ل”جركانات الصفر” ليس دليلا على العطش. ويبقى السؤال : ما هي الطريقة الأنسب التي على المواطنين أن يتبعوها للتعبير عن عطشهم؟ الرئيس تحدث بسخرية لا تليق عن مواطنة قال بأنها لم تتركه بصراخها يسمع شيئا في واحدة من محطات زيارته لولاية كوركول. ويبقى تجمع “بورات” الذي يعد من انجازات هذا العهد هو أول تجمع قروي يبدع في استخدام “جركانات الصفر” للتعبير عن العطش، وذلك بعد أن كتب سكان هذا التجمع كلمة ماء ب”جركانات الصفر” في واحدة من احتجاجاتهم المطالبة بتوفير الماء.
8 ـ من النادر جدا أن ينظم الرئيس مؤتمرا صحفيا إلا وسئل عن مشكلة الصحفي “ماموني ولد مختار” ، ومع ذلك فإن هذه المشكلة التي تتعلق بشخص واحد، مما يسهل حلها، لم تجد إلى اليوم أي حل. فلماذا لم يقدم الرئيس أدلة على أن هذا الصحفي لم يظلم، وبأن فصله كان مبررا، أو يعطي أوامره بضرورة رفع الظلم عن هذا الصحفي، وإعادته إلى وظيفته التي فصل منها بشكل تعسفي؟
9 ـ خلال كلمته الافتتاحية للمؤتمر، فإن الرئيس لم يذكر “تيرس الزمور” في ثلاث مناسبات كان عليه أن يذكرها فيها. لقد تجاهلها عندما شكر سكان الولايات التي زارها بعد مؤتمره الصحفي الأول. ولقد تجاهلها ثانيا عندما بدأ يعدد كل الولايات التي زارها بدءا بالحوض الشرقي وانتهاء بكوركول. ولقد تجاهلها ثالثا عندما تحدث عن خصوصية كل ولاية من الولايات التي كان قد زارها، ولذلك فقد كانت ملاحظة الصحفي “موسى صمبا سي” ملاحظة في محلها.
10 ـ لقد انتقد الرئيس خلال مؤتمره الصحفي هجرة السكان إلى العاصمة نواكشوط، وتناسى الرئيس بأنه هو من كان قد شجع على ذلك، بعدما ظل، ولفترة من الزمن بعد انقلابه، يكرر بمناسبة أو بغير مناسبة بأن القطع الأرضية ستوزع في العاصمة، وبأن كل مواطن سيحصل على قطعة أرضية، الشيء الذي جعل الكثير من سكان الداخل يشدون الرحال إلى العاصمة طلبا لقطعة أرضية، من المؤكد بأنها لن تعوض لهم ما أنفقوا في من مال للسفر وللإقامة في العاصمة. ولعلكم تذكرون بأن تذاكر النقل كانت قد شهدت ارتفاعا كبيرا في تلك الفترة. ستظل العاصمة في حالة تمدد واتساع مستمر إذا لم تحدد لها حدود جغرافية ثابتة، وذلك لم يعد بالأمر الصعب إذا ما وجدت الإرادة الصادقة. فاليوم، ونظرا للتطور الحاصل في التصوير الفضائي، فإنه قد أصبح من السهل جدا أن تؤخذ صورة فضائية للعاصمة تمكن السلطات من اكتشاف كل لبنة يتم وضعها في أي مكان من العاصمة بعد التقاط تلك الصورة.
11 ـ تعمد الرئيس أن يتجاهل سؤالا للصحفي “موسى صمبا سي” يتعلق بالتناقض الحاصل بين خطاب الرئيس المشجع للوحدة الوطنية وبين تصرفاته المناقضة لذلك الخطاب، خصوصا عندما يتعلق الأمر باستقبالات الرئيس لشخصيات بصفتها القبلية أو العرقية أو الشرائحية، هذا فضلا عن استقبالاته المتكررة لأصحاب الخطابات المتطرفة، ومن كل الأعراق.
وكأمثلة محددة، ففي يوم 27 ـ 04 ـ 2014 نشرت الوكالة الموريتانية للأنباء خبرا مقززا تحت عنوان ” رئيس الجمهورية يلتقي رئيس وأعضاء تكتل الولوف في موريتانيا”. وفي يوم 27 ـ 01 ـ 2015 نشرت نفس الوكالة الرسمية خبرا آخر تحت عنوان ” رئيس الجمهورية يستقبل ممثلي مجموعة الصوننكي الموريتانية”. لقد أصبح لكل مكونة في موريتانيا ممثلا رسميا لها، يستقبله الرئيس في القصر، ويناقش معه مشاكل وهموم تلك المكونة..يضاف إلى ذلك استقبالات الرئيس المتكررة لكل أصحاب الخطابات المتطرفة: رئيس حركة “إيرا”، رئيس مشروع حزب “نو”، رئيس “لا تلمس جنسيتي”، رئيس حركة “أفلام”.
12 ـ برر الرئيس في مؤتمره الصحفي عدم تصريحه بممتلكاته بحجة غريبة، وهي أنه كان قد استدعى رئيس المحكمة العليا إلى القصر، وأن هذا الأخير قد قال له بأن تصريح الرئيس بممتلكاته ليس بالأمر الضروري!!
تقول المادة الثانية من القانون رقم 054-2007 الصادر بتاريخ 18 سبتمبر 2007 المتعلق بالشفافية المالية للحياة العمومية : “يقوم رئيس الجمهورية بعد تنصيبه وعند نهاية مأموريته بالتصريح بممتلكاته وممتلكات أطفاله القصر. وينشر هذين التصريحين”.
ألم يكن الأولى بالرئيس، وانسجاما مع شعار الحرب على الفساد، أن يعلن عن ممتلكاته، حتى ولو لم يكن القانون رقم 054-2007 قد تم سنه؟
13 ـ اعترف الرئيس بتسجيلات “أكرا”، وقال بأن العملية تتعلق بفبركة وبتحايل قام بها “ضابط” عرافي. وتحدث الرئيس وكأن عدم استفادته من هذه العملية يكفي لتبرئته، ولطي هذا الملف.
14 ـ كرر الرئيس نفس حججه السابقة لتبرير عدم خفض أسعار المحروقات، ولكن يبقى السؤال : لماذا يرفض النظام القائم أن يتنازل عن الأرباح الضخمة التي يجنيها من فارق سعر المحروقات في حين كان النظام “المفسد” السابق يتكبد خسائر كبيرة بسبب دعم المحروقات حتى يوفرها للمستهلك بسعر مقبول؟
لقد وصل سعر برميل النفط إلى 147 دولارا في الأيام التي سبقت انقلاب السادس من أغسطس، ومع ذلك فقد كانت الأسعار المحلية على النحو التالي: 290 أوقية للتر البنزين و 250 أوقية للتر المازوت. أما اليوم فإنه وفي الوقت الذي لا يتجاوز فيه سعر البرميل 60 دولارا في الأسواق العالمية، فإن الأسعار المحلية عندنا قد وصلت إلى 384 للمازوت و436 للتر البنزين.
15 ـ مرة أخرى تحدث الرئيس عن تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة، ولعل الطريف في الأمر أن الكهرباء قد انقطعت في أول يوم تطلع شمسه بعد المؤتمر الصحفي للرئيس. ولقد انقطعت عنا في “توجنين” لما يزيد على خمس ساعات متواصلة، وهو ما تسبب في تأخير نشر هذا المقال.
16 ـ لم يأت خلال المؤتمر الصحفي أي ذكر للأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وموريتانيا، ونتمنى أن يكون ذلك بشارة خير على أن هذه الأزمة قد تم تجاوزها.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل