مقالات

– شارع المختار ولد داداه ..و مشروع أحمد ..و شعرة معاوية ..و شعار ولد عبد العزيز

بقلم : سيدي علي بلعمش
belamch@maktoob.com

حين أطاح العقيد المصطفى ولد محمد السالك بالمختار ولد داداه في انقلاب 1978 كان مقر السفارة الفرنسية أكبر من مدينة نواكشوط العاصمة و كانت جميع أنشطة المدينة التجارية و الإدارية تدار من شارع الجنرال ديغول و شارع بومبيدو و كـان حـي ( ك ) جزيرة من فرنسا ما بعد البحار يكفي الموريتاني أن يمر من شوارعها ليقول إنه زار باريس و كان أستاذ الإعدادية الفرنسي يتقاضى راتبا أكبر من راتـب وزير مـحلـي لأن أسياد السيـد الرئـيس و أصهـاره و ضـيـوفه الكـرام كانـوا أهم أركان مشروعه الوطني النـير!؟
كان ولد داداه هـدية من السماء لإمبراطورية مهزومة ترفض التنازل عن كبريائها :
لقد تطلب بحث فرنسا عن الرجل المناسب لها في موريتانيا بعد رحيلها الصوري، عددا هائلا من التقارير الاستخباراتية و تحاليل خبراء بسيكولوجيا الشعوب و ملاحظات ضباط الميدان.
و حين اتفقت كل هذه الجهات على نموذجية المختار ولد داداه ـ على معايير لسنا بحاجة إلى ذكر وفائها لفرنسا على حساب موريتانيا ـ بدأت عملية صناعة الرجل و تم فجأة وضعه على الواجهة و تحريك الأشياء من حوله في اتجاه الهدف..
و من المفارقات اللافتة للانتباه أن الفرنسيين لم يستطيعوا فرض الرجل في مدينة مولده و عاصمة فتوى الخيانة الأولى التي حولت جريمة المستعمر إلى فتح عظيم.
ـ كان على الفرنسيين لتسويق المختار ولد داداه أن يذهبوا بعيدا إلى مدينة شنقيط التي تجهل قصته :
كان المختار ولد داداه يحمل كل صفات الرجل المطلوب لتمثيل فرنسا في موريتانيا بعد رحيل أساطيل إمبراطوريتها من إفريقيا : درويش غامض الشخصية ، مستعد لكل شيء ، بارع الحيلة ، بارد الطبع ، مائع التفكير و يتمتع بما تحتاجه المؤامرة من دهاء و استعداد و براعة في التمثيل.
و ينسى الكثيرون أن موريتانيا تقع بين عاصمة المستعمر في إفريقيا (داكار) و عاصمة الرفض الأسطوري (الجزائر) و أنه كان يطمع و يخاف أن تتحول إلى بعد لإحدى الجهتين.
و قد يكون الجيش الفرنسي تلقى ضربات أوجع في أماكن أخرى لكنه يكذب من يقول إنه تلقى لرفض داخلي مشحون بالكراهية و الاشمئزاز و الاحتقار أكثر من موريتانيا مما جعل كتاباتهم عن هذا البلد الصغير تضاهي ما كتبوه عن القارة أجمع.
و لم و لن ينسى المستعمر أن النخب الإسلامية التي نهلت من “المحاظر” الموريتانية هي كانت رأس حربة المقاومة في دول المنطقة بشكل عام و الجوار على وجه الخصوص.
ـ في الوقت الذي كانت فيه المنطقة من الماء إلى الماء تتفرس في وجه المستعمر بشلال من دماء أبنائها، جاءت تلك الفتوى المهادنة بل الداعية إلى قبول أمر واقع كان إذلاله أمر من كل ما تذرع به صاحبها من حفاظ على أرواح نسي أن الكرامة أهم مقومات وجودها، حتى لو كان التاريخ لم يعرف متهما أعزلا من المبررات.
ـ و في الوقت الذي كانت فيه موريتانيا تتطلع إلى شمس الانعتاق بعد ما قدمه أبناؤها من تضحيات جسام على أكثر من صعيد (على قدر حجمهم و إمكانياتهم طبعا) فكر المستعمر في البحث (في موطن تلك الفتوى و بين الجيل الثاني من أتباعها) عن من يتولى مهمة تجنب الجيش الفرنسي الاصطدام بأبناء البلد و يضمن استمرار استنزافها لخيراته ، فكان المختار ولد داداه.
يقال إنه “بقدر ما يكبر الإنسان يصغر الوطن”
ـ كنت تجد من يعرف المختار ولد داداه و لا يعرف موريتانيا
ـ و كان رقيب من الحرس من قبيلته في إحدى الولايات أهم من الوالي و الحاكم ،
ـ كان جميع وزرائه و سفرائه أبناء أمراء (رغم أنه لم يكن أميرا) لكنها رشاوى للأقوياء حاول من خلالها التحكم في الضعفاء.
ـ كانت إدارته محتكرة بين الفرنسيين و السنغاليين من السكرتير إلى المدير.
ـ كان كل من لا ينتسب لحزب الشعب مجرم مع الترصد و سبق الإسرار تدوسه أحذية الجنود و تتعاطاه السجون بلا محاكمات.
ـ كان التجريم بالقرابة و الجهة و الانتماء قاعدة للتحقيق .
ـ ربما لم يعرف التاريخ سجناء رأي تحت سن الرشد في غير دولة ولد داداه .
ـ و ما عرفه “الرأي الآخر” من قمع و نتف أظافر و تعذيب و احتقار في عهد هذا الطاغية لا ينساه غير متواطئ كان حتما جزءا من تلك الجريمة.
ـ حول ولد داداه الدولة إلى أضحوكة : ولد حيماسؤ يصرخ “نصر” عند ظهره في مجلس الوزراء .. ولد خيار (عمدة انواكشوط المبجل) يقول لهم في الاجتماعات الرسمية ” يعيش ولد داداه ، أعيش أنا و البقية تقول يعيش لأنفسها .. ولد برو يصدر القرارات بتحويل نفسه لأنه يرفض أن يكون حاكم مدينة من الأنبياء .. الوالي محمد الغالي ولد البو يرفض لجان التفتيش “لأن الخادم هي من تسأل عن أمور الأكل و الشرب (الدك)”
و كان ولد داداه يترجم لماري تريز و يضحكان من سخافة شعبه؟
ـ شوارع مدينة (ر) و مدينة (ج) و مدينة (3) التي لا يمكن أن تتعاقب فيها سيارتان هي كانت تخطيط عبقري زمانه في عاصمة فتية ينقصها كل شيء إلا المساحات الخالية.
ـ المدرسة 1 ، المدرسة 5 و 7 و 8 و 9 … ثانوية البنين ، ثانوية البنات، المقاطعة الأولى و الثانية و الخامسة و السادسة : لا أحد و لا شيء في تاريخ هذا البلد يستحق أن يطلق اسمه على أي شيء فيه في نهج ولد داداه.
ـ أتعرفون لماذا يرفض ولد داداه أن يطلق اسم رمز موريتاني على حي أو شارع أو مدرسة أو أي منشأة وطنية أخرى؟ لقد أراد هذا الدرويش أن يقول لنا “أنا الرمز الوحيد عبر التاريخ في هذا البلد” و نحن نقول له نعم أنت الرمز الأكبر في هذا الوطن لكن للخيانة يا للأسف .
ـ أتعرفون لماذا تم اختيار منطقة مهجورة على حدود إمارتين لتشييد العاصمة الموريتانية؟ لأن دولة ولد داداه المنبوذة المشكلة من السنغاليين و الفرنسيين لم تكن هناك أي مدينة في البلد يمكن أن تستضيفها فتم الاتفاق على نواكشوط ليصبح المواطن في هذا البلد تابعا لعاصمة لم يسمع باسمها من قبل و دولة لم يسمع باسمها من قبل (موريتانيا) التي استخرجها كابولاني من التاريخ الروماني للمنطقة و استعملها في تقريره المشهور لأول مرة.
من هنا بدأ انفصام شخصية البلد و تأسست العلاقة العدوانية بين المواطن و أرضه فدالت دولة ولد داداه.
ـ من أهم عوائق النمو الاقتصادي في موريتانيا أمس و اليوم و غدا (إذا لم تتخذ إجراءات تصحيحية علمية بالغة الجدية ) هو كانت هذه العملة ( الوطنية المأساة) التي جاءت بقرار ارتجالي شديد الجهل بأبجديات الاقتصاد : فلا العقول الموريتانية قادرة على حماية هذه العملة .. و لا الاقتصاد الموريتاني المعتمد على مبيعات الصيد و الحديد كان بحاجة إلى دفع أتعاب عملة في انهيار مستمر بسبب تزوير العصابات و المصارف و الحكومات ..
و لا أجهزتنا الأمنية المتخلفة و المرتشية من القمة إلى القاعدة قادرة على مواجهة احتراف العصابات المنظمة..
و لا العقول الاقتصادية الموريتانية المنهمكة في استنزاف خيرات البلد قادرة على فهم حالة عملتنا الصحية أو المرضية على الأصح لعدة عوامل أهمها تخلف هذه العقول و طغيان ارتباك المؤشرات و غياب أي مرجعية.
كل هذه الأمور و غيرها كثير جعلت البلد يعيش خارج زمن الدورة الاقتصادية العالمية. و قد كان من أهم عوامل إفلاس الخطوط الجوية الموريتانية رفض خطوط الطيران العالمية التعامل بكوبوناتها نتيجة للقيمة المجانية للعملة الوطنية التي لم يستطع العالم أن يفهم من أين تستمدها؟
ـ و يصدق الكثيرون اليوم أن تشافيز موريتانيا ثار على فرنسا و وجه لها ضربة أليمة بتأميم “ميفيرما”
حين فهم الفرنسيون أن قيمة الحديد ستصبح أقل من ثمن نقله طلبوا من ولد داداه أن يرد الجميل لفرنسا فاشتراها منهم أغلى ثمن بفي خيانة كانت تحتاج قناع تأميم لثورة نسوا أن لا أحد يفهم أسبابها و نسوا أيضا أنه مشهد رومانسي في مأساة حقيقة فضحتها دموع التماسيح؟
ـ كل ما تعيشه موريتانيا اليوم من نهب و فساد و استباحة مطلقة أسس لها أسوأ جهاز عرفه البلد على امتداد تاريخه اسمه “حزب الشعب” كأن فدراليو هذا الحزب (العصابة) أقسموا بغليظ إيمانهم أن لا يتركوا أي شيء في هذا البلد إلا و خربوه .
و من حزب الشعب إلى مؤيدي انقلاب 6 أغسطس مرورا بهياكل تهذيب الجماهير و الحزب الجمهوري ظلت لعنة حزب الشعب تطارد هذا البلد الطيب المغلوب على أمره و ظل أصحابه ينتقلون من بطانة سوء إلى أخرى لكل من حكموا هذا البلد من طغاة معتوهين.
و قد خان ولد داداه شعبه و أمته و خان دينه في حرب الصحراء ليقول لنا من باريس في كتاب من الأباطيل و بأعصاب باردة : “أخطائي الثلاثة” ؟؟
دماء عشرات الآلاف من المسلمين الأبرياء (من الطرفين) هي مجرد خطأ بسيط يرويه ولد داداه باعتزاز للاستئناس بالتاريخ؟

هذه مجرد ديباجة شديدة التلخيص لقصة رجل عبث بأغلى ما في هذا البلد بأعصاب باردة فسامحناه و تجاوزنا كل أخطائه فاعتقد ذووه أننا لم نفهم :
حين قاد المختار ولد داداه موريتانيا لم يكن في شعبها من يحتاج الدولة (ثروة حيوانية طاغية و زراعة مطرية جيدة و تجارة تبادلية تضمن استمرارية الحياة و شعب دون المليون نسمة.
كان على الدولة أن تبني نفسها فقط و كانت ثرواتها السمكية و المعدنية و الزراعية الهائلة تكفي لإنجاز المهمة في وقت قياسي. و كانت التحديات الأكبر أمام ولد داداه تتمثل في: ـ إنشاء جيش و قد تركت فرنسا التي احتلت البلد عسكريا في بداية القرن عن طريق أبنائه، بنية تحتية هامة و خبرات عسكرية كافية ..
ـ التعليم ، و كان من أهم آليات السيطرة على المنطقة في النهج الاستعماري لهذا تبرعت فرنسا بالتكفل به و بجعله تعليما نوعيا يضمن خلق نخبة عالية التكوين لا بد أن تجد فيها فرنسا من يصلحون لما تفكر فيه. و قد كان ولد داداه من بين من تلقوا هذا التعليم ، لا من أسسوه كما يعتقد البعض. و ربما يجهل الكثيرون اليوم أن أحداث 1966 كانت بسبب إضافة ساعتين من اللغة العربية للمنهج التعليمي الموريتاني؟
ما عدا هذا لم يميز زمن ولد داداه غير التعذيب المبرح و استنقاص حق المواطن و احتقار الدولة و استباحة الممتلكات العامة و تفشي ظاهرة المحسوبية و تسيد الرشوة و شيوع الوساطة .
هذه الأمراض التي تستعصي اليوم على كل الحلول تأسست كلها في زمن الداداهية المشؤوم و انتشر سرطانها على امتداد كل جسم الدولة في زمن معاوية الأكثر شؤما.
و في المرتين اليتيمتين التي يصل فيها رجل وفي لهذا البلد الطيب إلى دفة الحكم (العقيد المصطفة و لد محمد السالك و السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله) كانت صفارات الإنذار تدوي في صفوف العصابات المخربة التي حكمت البلاد منذ فجر “الاستغلال” بجناحيها المدني و العسكري حتى يتم إسقاط ذلك الحكم بالأكاذيب و الأباطيل و المؤامرات الدنيئة و وصلت بلادنا إلى درجة من الانحطاط لم يسبق لها مثيل سمحت بتحكم رجل معتوه مثل معاوية في رقاب الناس مدة عشرين سنة و انتهت إلى وصول عصابة بدائية الأساليب و المنطق (ولد عبد العزيز ، محسن ، ولد عبد القهار و شلتهم) إلى دفة الحكم في أبهى لحطة من تاريخ البشرية؟
فلماذا لا يشيد ولد عبد العزيز تمثالا من ذهب لمؤسس الخراب الذي أوصله للحكم ؟
و لماذا لا يطلق اسم ولد داداه على جميع شوارع انواكشوط التي تأسست بخيانة و شيدت كل عمارة فيها بخيانة و حيكت كل الخيانات الوطنية في شوارعها الوسخة؟

سيدي علي بلعمش

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button