مقالات

حديث السبت: من الحمامات إلى الكويت إلى سينكانتين فالا فيي …؟

“الحكيم يحاكم نفسه حول أسباب أخطائه والغبي يحاكم الآخرين” مثل صيني
ـ1ـ
في يوم واحد : من الحمامات إلى الكويت إلى سينكانتين فالا فيي … مالذي تعنيه كل هذه الدماء المراقة تزامنيا في الجمعة الثانية من شهر رمضان؟ في الساعات واللحظات التي يُـفتَرض أنها تُكرّس بامتياز عند المسلمين أن الانسان حياةَ وكرامةَ يمثّلُ في الأرض ذروة المحرّم أي المقدّس؟ مالذي يمكن تشخيصه في هذه العدمية الأخلاقية والأيديولوجية التي تجتاح اجزاء واسعة من العالم الاسلامي؟ مالذي تكشف عنه هذه العدوانية الشرسة التي تجرف فئات غير قليلة في أوربا من ذوي الأصول العربية والأفريقية؟ هل هي فعلا محصلة الصراعات المذهبية والطائفية لدى المسلمين ؟ أم هي نتيجة التوظيف المعاصر، يمينا ويسارا، للدين واللادين أو بعبارة أصحّ للإنتماءات الطائفية في الصراعات السياسية؟ أم هي انعكاس لفشل مشروع التحديث الجزئي كما حملتْه الدول القطرية الموروثة عن الاستعمار؟ أم هي أساسا فرانكشتاين خرج من مخبر الجرائم الجيوستراتيجية وهزاتها العـــمْدية كتدمير أفعانستان في أواخر الألفية الماضية الذي أنجب الطالبان والقاعدة أو تدمير العراق في بداية الألفية الحالية الذي أنجب ما عُرف بتنظيم داعش وما في معناه؟
ـ2ـ
تبدو دول المنطقة في حزازاتها الصغيرة والعابرة مستعدة لتوريط العالم الاسلامي في حروب طائفية مدمّرة لكل الأطراف. والأخطر أنّ هذه الدول لأسباب دعائية تحاول أن تفرضَ وتعـمّم إعلاميا سرْدياتٍ خرافية سيكون عسيرا تجاوزُها بعد تغّـير خريطة الصراعات. كثير من الذين أدانوا جرائم الأمس هم بداهة متورطون فيها. كيف يمكن الاستماع بجدية لإدانات تصدر عن أنظمة وتنظيمات تدعم وتمول بمبالغ فلكية امبراطريات إعلامية موغلة في التحريض الطائفي الديني واللاديني؟ أصبحتْ سوق التحريض الطائفي هي السوق الاعلامية العظمى في الدول العربية والمشرقية منها بشكل خاص. بقوة الضخّ الاعلامي صار هنالك “شخصان” لا تاريخيان في مواجهة ثتائية عدمية وسرمدية اسمهما “السني” و”الشيعي”. السني الفَرَضي ليس له من همّ سوى تبرير جرائم الأمويين، أي جرائم عائلة مالكة استمرتْ سلطتُها تسعة عقود وامّحتْ منذ ثلاثة عشر قرنا في المشرق (وفي الأندلس منذ عشرة قرون). أما الشيعي الفَـرَضي فهو مهوس بتصفية الحسابات الوهمية مع بعض الصحابة بخصوص حروب أيضا دارت قبل ثلاثة عشر قرنا. إنها حالة مرضية من العسير فهمها عبر معطياتها المباشرة.
ـ3ـ
من الناحية التاريخية لا يتمتع هذا التمايز(سنة/شيعة) المكرّس إعلاميا بوجاهة فعلية. فيكفي تصفّح أمهات الكتب الاسلامية لمعرفة إلى أي درجة يتداخل فيها ما هو “سني” بما هو “شيعي”. لقد تغيرَ مفهوم مفردتي شيعة وسنة عشرات المرات عبر التاريخ وعبر الجغرافيا. ودون الدخول في معطيات لا يتحمّلها السياق يكفي فحصُ ما تعنيه حاليا مفردة سنة في الزوايا الدينية التقليدية في دول المغرب وما تعنيه في المدارس الدينية في منطقة الشام لإدراك مدى ضخامة الفجوة الدلالية (التي تحاول بعض التيارات ردْمها بقوة الضخّ الرقمي). واستطرادا، الدولة العباسية، التي كانت الأكثر تأثيرا في التاريخ الاسلامي الكلاسيكي من المنظور السياسي، كانت محصلةَ أول ثورة “شيعية” ناجحة ضدّ الأمويين (الأخيرون لم يحكموا إلا أقلّ من قرن بينما العباسيون حكموا بصيغة أو بأخرى خمسة قرون). وأغلب الأدبيات الفاعلة في التاريخ الاسلامي نشأتْ تحتَ السلطة العباسية بدءا بما عُـرف بعصر التدوين. وكما أن مفردة شيعة أخذتْ جزءا كبيرا من حمولاتها الإيديولوجية المتنافسة في الفترة العباسية فنفس الشيء يصدق على مفردة سنة التي كان احتكار دلالتها أحد المجالات التي تخاصمت فيه مجموعات كثيرة متصارعة. ومعروف أن التاريخ الاسلامي شهد ظهور مئاتِ الفرق الاسلامية وليس فقط سنة وشيعة. وتبعا لذلك من السهل إدراك أن كل فرقة تعتبر نفسها فرقة سنية (بما فيها تلك صُـنّـفتْ كشيعة). كما أن كلّ فرقة تعتبر نفسها متشيعة لأهل البيت وتعتبر أن طريقتها في التشيع هي الأمثل (بدءا بتلك التي صُــنّفتْ سنية). والنخب ـ إنْ جاز التعبير ـ الحديثة يُفترض أن دورها فيما يتعلق بهذا التاريخ المركب هو مراجعتُه النقدية الرصينة في الأماكن العلمية المناسبة وليس تحويله إلى مادة للمزايدات الاعلامية والدعائية النارية، ليس تفخيخَه واختزاله في تنميطات كاريكاترية، ليس تسطيحَه وتحويلَه إلى ثتائيات مغلقة فتاكة غايتها البديهية تهييج الحشود المفجوعة والمحبطة. غايتُها خلق وعي مزيف بالواقع والتاريخ معا لتغيير وجهة غضب الحشود واستثماره في الحسابات الصغيرة والجاهلة للعصبيات الدولتية النتنة القائمة.
ـ4ـ
هل اختفتْ كل المقاربات العقلانية في الساحة العربية والاسلامية أو خفتتْ وبحتْ ولم يعد هنالك إلا المتحدثون باسم الطائفة والقبيلة والعرق والشريحة والجهة أو المتحدوثون باسم ألأوتوقراطيات البوليسية وهمجيتها؟ لم يعد هنالك إلا مشايخ الاستبداد والتطرف، مشايخ تبرير السادية الرسمية أو سادية الشارع؟ لم يعد هنالك إلا “مشايخ” التهييج الشعبوي في الفضائيات أو”يساريو/ليبراليو” الأنظمة الدموية وافتتاحياتهم العدمية؟ ألا يكفي قتلا وسحلا وتدميرا ونحن غداة ثاني جمعة من شهر رمضان المعظّم ؟ وحدهم الاسلاموفوبيون اليوم يشعرون بالفرح العارم.
* مدير مركز الدراسات والأبحاث العليا في بروكسيل

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button