مقالات

من أجل فشل الانقلاب بقلم/ محمد ولد محمد عيسى ولد باباه

لا يمكن تقدير حجم الصدمة التي يعيشها شعبنا جراء ما يجري اليوم. فهناك نظام ديمقراطي بناه الموريتانيون عبر فترة انتقالية مثالية أشرف عليها المجتمع الدولي، وتم انتخاب أول رئيس مدني في تاريخ البلاد بشفافية شهد بها مرشحو المعارضة قبل غيرهم، فضلا عن شهادة المجتمع الدولي الذي مول هذه الانتخابات وأشرف على كل صغيرة وكبيرة فيها.

وبعد أن تمكن نظام الرئيس الشرعي المنتخب وخلال خمسة عشر شهرا فقط من فتح الملفات العويصة التي استعصت معالجتها على كل الأنظمة السابقة ومن بينها ملف المهجرين والرق، وحصوله على مكافأة المجتمع الدولي للتجربة الموريتانية بعد أن قدم المانحون 2.1 مليار دولار في اجتماع باريس بزيادة ملحوظة عن المبلغ الذي طلبته الحكومة وهو 1.5 مليار أوقية، وبعد أن أصبحت التجربة الديمقراطية الموريتانية نموذجا للتحول السلمي والتبادل على السلطة في العالمين العربي والإفريقي.

بعد ذلك وغير ذلك من الانجازات التي تحققت في وقت قياسي.

ها هو اليوم الجنرال محمد ولد عبد العزيز يأتي وبـ”جرة دبابة” ليلغي في لحظة كل ذلك، ويعيدنا من جديد إلى عصر ظلام الانقلابات العسكرية.

ولماذا. بكل بساطة لأنه جنرال أقيل من منصبه.. إذ لا شيء آخر يبرر هذا الانقلاب على الإطلاق.

لقد أدخل الجنرال المتمرد المقال موريتانيا في وحل المشاكل ومن جميع أبوبها الجهنمية.

ولا بد في هذه اللحظات الحرجة من وقفة حازمة إزاء هذا العسكري الذي يجدد الدماء “العسكرية” غير الشريفة التي تنقلب على الأحكام المدنية والديمقراطية، وإلا فإن علينا كشعب العيش داخل دبابة عسكرية لا نرى النور إلا من فتاحات صغيرة جدا.

إن الموريتانيات والموريتانيين اليوم مطالبون بوقفة حازمة في وجه هذا الجنرال الأرعن الذي انقلب على الدستور وعلى المؤسسات المنتخبة، وحول دولة ديمقراطية في أقل من ربع ساعة إلى ديكتاتورية مفضوحة بل وقاحة.

ما الذي سنقوله لشبابنا الذي أمضى السنوات يكافح من أجل الديمقراطية والحرية والتبادل السلمي على السلطة.

وكيف ستتصدى النخبة السياسية لهذا الانقلاب الفج المتغطرس الذي ألغى كل القيم التي ثبتها الموريتانيون عبر صناديق الاقتراع.

إنه يدعي أن الانقلاب لصالح الديمقراطية، أي أنه يقرر بالنيابة عن الشعب الموريتاني الذي لم يمض على قراره بانتخاب رئيس مدني شرعي سوى خمسة عشر شهرا.

هذه المهزلة لا بد أن تتوقف. وعلى النساء والشباب الموريتاني والنخبة السياسية في هذا البلد غير المحظوظ إن كانت تريد إنقاذ هذا البلد العزيز أن تعمل على فشل هذا الانقلاب وبكل الطرق السلمية الممكنة.

إن الجبهة الوطنية المناوئة للانقلاب التي ولدت بساعة واحدة بعد هذا الانقلاب المشؤوم هي أمل مشروع سياسي موحد لجميع الموريتانيين وقادر على إلغاء عنجهية هذا الجنرال المتمرد الذي يعيدنا إلى ما وراء التاريخ.

وعلى جميع الموريتانيين الانخراط في مشروع مقاومة الانقلاب، فقدر هذا البلد لا يمكن أن يظل من انقلاب عسكري إلى آخر.

سيكون على المقاومين تحمل الكثير من العناء، الجهد والعرق، لكن الطريق الصحيح بدأ يتضح، فقد أعلنت الولايات المتخذة الأمريكية وفرنسا وأوروبا قاطبة والدول الإفريقية رفضها لهذا الانقلاب ودعت لتراجع الانقلابيين وإرجاع الرئيس الشرعي للسلطة.

كما اتضح من الخريطة السياسية أن الجنرال معزول سياسيا إذ لم يحظ بتأييد غير :فرقة الطبالين البرلمانيين” الجاهزة لتأييد الشيطان مقابل منافع مادية تسافح بها كل قيم الإنسانية والأخلاق العامة.

إن علينا التعويل على أصدقائنا في أمريكا وأوروبا والاتحاد الإفريقي، علينا إقناعهم بأن نجاح هذا الانقلاب سيجعل كل الانقلابيين النائمين في القارة الإفريقية المتعبة بأحلام الجنرالات والعقداء، يستيقظون ويقلبون السلطة في كل البلدان.

لقد تعبت هذه القارة من “النجوم” التي لا تشرق إلا على أكتاف أصحابها وبزاتهم المرقطة.

وعلينا تنظيم عمل مقاوم، مظاهرات مستمرة في كل مدينة وقرية، وعلينا اتباع سياسة إعلامية لكشف حقيقة هؤلاء الانقلابيين ومحاصرتهم حتى يردوا السلطة التي اختطفوها بكل تلك الوقاحة.

وعلينا كموريتانيين العمل ونحن نتذكر اللجان العسكرية المتعددة وعملها الفاشل طيلة العقود الماضية من عمر الدولة.

كما أن علينا إقناع الضباط الشرفاء في الجيش الوطني ومؤسسة الأمن بأن لا يقبلوا سيطرة قلة من الجنرالات على المشروع الوطني الكبير، وقلب الطاولة في كل مرة على أي مشروع سياسي وتنموي جاد.

ويجب تذكر أن الزمن لا يعمل لصالح أي أحد، فإن لم يتم إفشال هذا الانقلاب في الأيام والأسابيع القليلة القادمة، فسيجد الانقلابيون من يتبناهم في هذا العالم الفسيح. ومن يدري لعله نظام أحمدي نجاد المريض، أو كوريا الشمالية، أو أي مجموعة أشرار في هذا العالم.

إننا بصراحة نتعرض لتصفية حسابات من طرف الدول العربية والإفريقية الرجعية التي آلمها التحول الديمقراطي النموذجي الذي شهدته البلاد يوم 19 إبريل 2007.

إن هذه التجربة لم ترق لأحكام ديكتاتورية في العالمين العربي والإفريقي، وقررت تلك الأنظمة بطريقة ما القضاء على هذه التجربة، وليس هناك أسهل على تلك الأنظمة المتخشبة من القضاء على الأحلام في أرض الكوابيس.

إن الألم الذي يشعر به شعبنا حاليا يجب أن يكون وقودا إضافيا لشحن التصميم على عودة النظام الشرعي المنتخب وإرسال حفنة الانقلابيين إلى مزبلة التاريخ.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button