مقالات

تقنيات الاعلام تقيم الحجة!!/ المرابط ولد محمد لخديم

أنباء انفو – منذ أقدم العصور و الأنسان يسعى دائماً إلى حفظ صور حياته فبدأ بالرسم في الكهوف ثم الرسم على الجدران مثل المصريون القدماء ثم بالوسائل الأخرى كالشمع….
حتى توصل العالم العراقي الحسن بن الهيثم إلى اختراع الكاميرا البدائية في كتابه المناظر بين عامى (1015-1020) 

 والتى كانت عبارة عن صندوق كبير به فتحة صغيرة تدخل اليها الصورة وتتثبت معكوسة على الجدران…وكان قد أشار اليها أرسطو 330 ق.م…  
   وفى عام (1660م طور العالم الإيرلندي روبيرت بويل ) هو و مساعده الكاميرا البدائية و  أدخلوا لها الأضواء. وفي عام(1685م أبتكر العالم الألمانى جوهان تزان ) نظام الصورة وترتيب لون أى صورة وبنى كاميرا كبيرة من الخشب .
    وبين عامى (1820م _1830م أبتكر العالم لويس داجير ) طريقة في التصوير الفوتوغرافي التى عرفت بالداجيروتايب والتى كانت تصور على النحاس .
   وفى عام (1835م أبتكر العالم الفرنسى وليم فوكس تالبوت ) نظام فوتوغرافى جديد سمى بالكالوتايب والتى كانت على الورق ….
   وكانت أول صورة فوتوغرافية حقيقية التقطت كانت عام 1826م على يد العالم الفرنسي جوزيف نيبس….
   عندما أستخدم الدوار الخشب ليحفظ الفيلم وقد صنعت هذه الكاميرا في باريس على يد الأخوان تشارلز و فينسينت شيفالير , وقد أستخدم جوزيف نيبس فكرة العالم الألمانى جوهان هينريتش الذى أبتكرها عام 1724م وهى تعريض الفضة مع الطباشير إلى الظلام ومن ثم الضوء المفاجئ فتتثبت الصورة ….
    وفى عام (1850م أخترع العالم الألمانى فريدريك سكوت ) فكرة ظهور الصورة على الزجاج والتى تسمى كولوديون.    في منتصف القرن 19 تطورت الكاميرا على يد علماء كثيرون منهم العالم الفرنسي أندريا أدولف… ولم تتوقف عملية التطوير إلى يومنا هذا . هؤلاء العلماء الذين سطرهم التاريخ كرواد في تطوير التصوير وإثراء العالم بالكاميرات المختلفة الاستخدام….
       ولفظة كاميرا  المتداولة الآن في اللغات الأوربية  هي باللاتينية: 
(قاميرا أُبسقورا  camera obscura) و( القمرة) أصلها من اللغة العربية وتعني الغرفة المظلمة  وأول من استخدم هذا للفظ هو ابن الهيثم أثناء دراسته لعلم البصريات….    
   و كاميرات التصوير صنعت في البداية من صندوق كبير يستخدم فيه الفلاش الدخاني
ثم كان التطور الى كاميرا ذات لون ثنائي اسود وابيض و من بعد الى الكاميرا الملونه و اخيرا الى الكاميرا الرقميه التي تعرض الان في الاسواق….
  وظهرت أول كاميرا للتصوير الفوري اسود وأبيض من شركة ( بولا رويد) وأول كاميرا فورية بأوراق ملونه عام 1963م وهي الكاميرات ذات التركيز البؤري الذاتي…
   وما زالت ثورة التصوير قائمة للآن تستمد قواعدها من التطور التكنولوجي القائم في العالم أجمع، وقد تعدى التصوير مفهومه التقليدي المنحصر في التحميض والطباعة الى التصوير الرقمي أو التجريدي الذي ظهر مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين وتطورت طريقة التصوير الملون الآني في ظهور أول كاميرا ذاتية “أوتوماتيكية” بالكامل في عام 1973م . .
  وأخيراً ظهرت الكاميرات الرقمية في عام 199م الى يوم الناس هذا..مما يعني أن الصورة أصبحت واقعا في حياة الناس اليومية لا غنى عنها… 
 

  وقد سجلت الهواتف المزودة (بكاميرا) أرقاما قياسية في مدى الانتشار، وذلك بعد تجاوز مبيعات أجهزة الهواتف المحمولة المليارات وهذا ان دل على شيء انما يدول على الانتشار الواسع للهواتف الذكية حول العالم ويقدر الخبراء أن 5مليار من البشرية تستخدم الهواتف من أصل سبعة مليار نسمة أي أن البشر أصبحت الصورة عنده واقع معاش بقض النظر عن استخداماتها المختلفة:التلفزيون السينما.والانترنت..الخ
   بعد هذه العجالة وتعريفنا للصورة والكاميرا يجدر بنا أن نتساءل كبشر عاقل خلق في هذه الدنيا ليعمل كيف نستفيد من هذه الآلات التى سخرت لنا.؟!
تقول العلوم الحديثة أن كلما نلفظ من كلام يحفظ في سجل كامل. وتفسير ذالك أن أحدنا عندما يحرك لسانه ليتكلم, يحرك بالتالي موجات من الهواء تسمى (آكوستيك), كالتي توجد في الماء الساكن عندما نرمي فيه بقطعة من الحجر…
ولقد ثبت بالبرهان القطعي أن هذه الموجات تبقى كما هي في «الأثير»إلى الأبد, بعد حدوثها للمرة الأولى, ومن الممكن سماعها مرة أخرى,مع أنها لا تزال تتحرك في الفضاء منذ زمن بعيد. ولقد سلم العلماء بإمكان إيجاد آلة لالتقاط أصوات الزمن الغابر قياسا على التقاط المذياع الأصوات التي تذيعها محطات الإرسال.
غير أن المسالة الكبرى التي واجهوها في هذا الصدد, ليست في التقاط الأصوات القديمة, وإنما التمييز بين الأصوات الهائلة الكثيرة حثي يتمكنوا من سماع كل صوت على حدة…
وقد تغلبوا على هذا الإشكال في الإذاعة فملايين المحطات في العالم تذيع برامج كثيرة ليل نهار, وتمر موجات هذه البرامج في الفضاء, بسرعة 186000 ميل في الثانية.
وكان من المعقول جدا عندما نفتح المذياع أن نسمع خليطا من الأصوات لا نفهم منه شيئا, ولكن هذا لا يحدث, لأن جميع محطات الإذاعة ترسل برامجها كما هو معروف على موجات طويلة.. و قصيرة..ومتوسطة…وهكذا
وبهذا يثبت عندنا قطعا أن كل ما ينطق به الإنسان يسجل وهو محاسب عليه.
إن مناقشتنا لجانب المسألة إنما يؤكد وجود ملائكة يسجلون كل ما ننطق به من كلام مصداقا لقوله تعالى مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ .سورة ق الآية: 18.
وليس القول وحده هو الذي يسجل فعملنا أيضا يسجل على صفحات الكون .
     فالعلم الحديث يؤكد أن جميع أعمالنا- سواء با شرناها في الضوء, أم في الظلام, فرادى أم مع الناس – كل هذه الأعمال موجودة في الفضاء في حالة الصور, ومن الممكن في أية لحظة تجميع هذه الصور, حتى نعرف كل ما جاء به  إنسان من أعمال الخير و الشر طيلة حياته, فقد أثبتت البحوث العلمية أن كل شيء  -حدث في الظلام  أو في النور,  جامدا كان أو متحركا-  تصدر عنه «حرارة»بصفة دائمة, في كل مكان, وفي كل حال, وهذه الحرارة تعكس الأشكال وأبعادها تماما, كالأصوات التي تكون عكسا كاملا للموجات التي يحركها اللسان. وقد تم اختراع آلات دقيقة لتصوير الموجات الحرارية التي تخرج من أي كائن, وبالتالي تعطي هذه الآلة صورة فوتوغرافية كاملة للكائن حينما خرجت منه الموجات الحرارية كما هو مشاهد الآن في التلفزيون والتقنيات الرقمية عالية الجودة ويمكن استرجاع هذه الصور مرة أخرى…
  ومشكلة هذه الآلات كسابقتها, أنها لا تستطيع تصوير الموجات الحرارية إلا خلال ساعات قليلة من وقوع الحادث. أما الموجات القديمة فلا تستطيع هذه الآلات تصويرها, لضعفها وتستعمل في هذه الآلة( أشعة افرارد) التي تصور في الظلام والضوء على حد السواء.
     ومعنى هذا أن حياة كل منا تصور على مستوى عالمي, كما تسجل آلات التصوير الأوتوماتيكية جميع تحركات الممثلين السينمائيين..أو عن طريق أجهزة التصوير التي ركبتها دول لتجسس على أشخاص في أدق تفاصيل حياتهم وقد أخبرني أحد الخبراء في هذا المجال أن أمريكا وبريطانيا ينفردان بالتصنت على جميع مكالمات العالم.. وفي آخر إحصاء لخطوط الهواتف بلغت خمسة مليارات خط هاتف في جميع أنحاء العالم وهذا الرقم قابل لزيادة باستمرار.. والغريب أن هذه الدول هي التي كانت تتخذ من حرية الإنسان والعالم الحر عنوانا براقا تتستر ورائه, وتناسى هؤلاء أو غاب عنهم أن هذا  الستار شفاف وقد فضحته أجهزتهم يقول الشاعر:
        ثوب الرياء يشف عن ما تحته         فإذا التحفت به فانك عاري 
  ومن هذا نصل إلى أن جميع تحركاتنا تسجل على شاشة الكون ولا يمكننا منعها أو الهروب منها, سوا أكنا في النور أو في الظلام. فحياتنا كالقصة التي تصور في الاستديو, ثم نشاهدها على الشاشة بعد حقب طويلة من الزمن, وعلى بعد كبير من مكان التسجيل, ولكنك تشعر كأنك موجود في مكان الأحداث, وهكذا  شأن كل ما يقترفه الإنسان, وشأن الأحداث التي يعيشها فان فيلما كاملا لتلك الأحداث نعيشه واقعا منذ الولادة وحتى الموت ويمكن عرضه في أي وقت…
ومن هذا المنطلق فانه ما منعمل هام إلا وله حساب يضبط دخله وخرجه، وربحه وخسارته. إلا حياة الإنسان فهي وحدها التي تسير على نحو مبهم لا يُدرى فيه ارتفاع أو انخفاض.
   هل يفكر أكثرنا أو أقلنا، في إمساك دفتر يسجل فيه ما يفعل وما يترك من حسن أو سوء؟ ويعرف منه بين الحين والحين رصيده من الخير والشر؟ وحظوظه من الربح والخسارة؟!
   لو أننا نخبط في الدنيا خبط عشواء، ونتصرف على ما يحلو لنا، دون معقب أو حسيب، لجاز علا تفريط وحمق أن نبعثر حياتنا كما يبعثر السفيه ماله، وأن نذهل عن الماضي وما ضم من تجارب وأن نقتحم المستقبل متهيبين خطأ أو خطيئة!!
فكيف ولله حفظه يدونون مثقال الذرة، ويعدون لنا قوائم بحساب طويل[وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)  سورة الكهف آية: 49.
أما يجب أن نستكشف نحن هذا الإحصاء الذي يخصنا وحدنا؟!
أما ينبغي أن نكون على بصيرة بمقدار ما نفعل من خطأ وصواب؟
الحق أن هذا الانطلاق في أعماق الحياة دون اكتراث بما كان ويكون، أو الاكتفاء بنظرة خاطفة لبعض الأعمال البارزة أو الأعراض المخوفة، الحق أن ذلك نذير شؤم.
وقد عده القرآن الكريم من الأوصاف البهيمية التي يعرف بها لمنافقون الذين لا كياسة لديهم ولا يقين‏‏أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ‏‏  سورة التوبة آية 126
وعلماء التربية في الإسلام متفقون على ضرورة محاسبة المرء لنفسه تمشيا مع طبيعة الإسلام، وإنفاذا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم” الترمذي.
وقوله: “الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله” المنذري.
وقد كتب هؤلاء العلماء فصولا مطولة في المراقبة والمحاسبة يمكن الرجوع إليها.
ويرى ابن المقفع أن يسجل الإنسان ما يصدر عنه جاعلا الصفحة اليمنى للحسنات واليسرى للسيئات.
وإن كان “رديل كارنيحي” يذهب إلى تدوين السيئات فحسب على أساس أن المرء يعنيه تلافي أخطائه، والنجاة مستقبلا مما وقع فيه آنفا.
قال: في أحد أدراج مكتبي ملف خاص مكتوب عليه ” حماقات ارتكبتها”!!
وأنا أعد هذا الملف سجلا وافيا للأخطاء التي وقعت فيها، وبعض هذه الأخطاء أمليته، والبعض الآخر خجلت من إملائه فكتبته بنفسي.
ولو أنني كتب أمينا مع نفسي لكان الأرجح أن يمتلئ مكتبي بأمثال هذه الملفات المليئة بالأخطاء والحماقات!!
وعندما استخرج سجل أخطائي، وأعيد قراءة الانتقادات التي وجهتها لنفسي، أحس أنني قادر على مواجهة أقسى وأعصى المشكلات مستعينا بعبر الماضي الذي دونته لقد اعتدت أن ألقي على الناس تبعة ما أواجه من مشكلات لكن بعد أن تقدمت في السن وازدادت حكمتي -فيما أخال- أدركت أنني وحدي المسؤول عن ما أصابني من سوء، وفي ظني أن كثيرا من الناس يصلون إلى هذه النتيجة نفسها عند ما يدرسون أنفسهم.
ولقد قال نابليون في منفاه بجزيرة القديسة “هيلانة”: لا أحد سواي سؤول عن هزيمتي. لقد كنت أنا أعظم عدو لنفسي!!)).
ولتفسير أكثر لمسألة: ” المحاسبة” نجد أنه اليوم لم تعد هناك حجة لمن كانوا يوما يعملون في الخفاء, ولا يلتفتون للتحذيرات الشرعية. وذلك عندما أصبح المسجل والكاميرا جزء من حياتنا اليومية. أي أن أقوالنا وأفعالنا تسجل على شاشة الكون ولا يمكننا التهرب منها سواء كانت حسنات أو سيئات فهي كالقصة التي تصور في الاستيديو ثم نشاهدها على شاشة السينما أو التلفزيون بعد حقبة من الزمن، وعلى بعد من مكان التسجيل ولكنك تشعر كأنك موجود في مكان الأحداث وكأننا أمام كاميرات تعمل ليلا ونهارا بدون كلل فحاسب نفسك عزيزي القارئ قبل فوات الأوان وعند محاسبة المرء نفسه سيتعرف إليها جيدا ومن عرف نفسه عرف ربه، ويهذب أخلاقه وسلوكه، حيث يرتقي إحساسه بالآخرين، وتصبح تصرفاته أكثر نعومة وأناقة…..
والعلاقة الوحيدة الصحيحة بين الناس ورب الناس هي إسلام الوجه له, وإحسان الاستمداد منه, والاعتماد عليه, واعتبار الدنيا مهادا للآخرة وجهادا لكسبها.
   والإسلام حسب الحديث الصحيح هو:شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ”   و الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره “. والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يــراك” رواه البخاري.
    عندما نعيد قراءة هذا الحديث النبوي الشريف مرة أخري  بتمعن , وتفكر في معانيه لا بد أن يستوقفنا سؤال جبريل عليه السلام عن الإحسان .. وجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم (الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
    ولنقرب المعنى قليلا فأنت عزيزي القارئ تستوقفك إشارات المرور مرات عديدة فهي تنهيك بأضوائها الخضراء والحمراء  ليس لتعوق السير أو تعطل الناس، بل هو لضمان السلامة، وضبط الحركة، وتنظيم الوجهة والله عز وجل لم يدع عباده ينطلقون في الحياة وفق أهوائهم فإن هذا لو وقع لن يملأ الدنيا إلا فسادا وعطلا وأذىالَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ*وَالَّذِينَ ءامنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْسورة محمد الآية: 32- 33، لذلك ترفق الله بخلقه، وأنزل عليهم وحيه ليعلمهم من جهل، وينقذهم من حيرة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” ثلاثة لا يكلهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر”، مسلم.
  فالعدوان على الأعراض فاحشة فإذا أصابت هذه الفاحشة امرأة الجار كانت أعظم، فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الزاني بحليلة جاره لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه، ويقول له أدخل النار مع الداخلين” بن أبي الدنيا.
  إن من أبغض الناس إلى الله، امرءا يظهر بين الخلق بالصلاح والخشوع فإذا أمكنته رذيلة وهو منفرد لم يتورع عن الإيغال فيها.
   عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال تهامة، بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا”. قال ثوبان يا رسول الله، صفهم لنا جلهم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم.
   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أما هم فإخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها”. ابن ماجه.
   والعقوبات المعجلة أو المؤجلة سياط لابد منها لقمع الغرائز الشرسة في الحياة الإنسانية والإجرام الفردي والدولي لا تعني في رده الخطب والنصائح، بل لابد من حسم الشر بالشر ولابد من التخويف بالأذى القريب أو البعيد لفطام الناس عن شتى الأهواء الخبيثة إن الإسلام يريد أن تستقيم أجهزتك النفسية أولا، فإذا توفرت لها صلاحيتها المنشودة بصدق اليقين وسلامة الوجهة، فكل عمل تتعرض له في الحياة يتحول من تلقاء نفسه إلى طاعة. ولن تصل إلى هذا إلا إذا كنت دائما تحاسب نفسك بنفسك.
    والوازع الذي يمنع من ارتكاب الجرائم ليس هو الدين في حد ذاته, فانه لايقدم لنا تشريعا فحسب, وانما يخبرنا أن صاحب هذا التشريع يشاهد كل أعمالنا من خير وشر كما تقدم آنفا..فنياتنا وأقوالنا وحركاتنا بأكملها تسجل بواسطة أجهزة هذا المشروع, ولسوف نقف بعد الممات أمامه,ولن نستطيع أن نفرض ستارا على أدق أعمالنا.
    وهذا الخطاب يعيشه انسان اليوم واقعا بحيث أصبحت تقنيات الصوت والصورة ضرورة  لا غنى عنها في حياته اليومية فمن منا يمكنه ان يستغني عن هاتفه أو جهاز الكوبيوتر!!!
ولو أننا استطعنا الهروب من عقاب محكمة الدنيا, فلن نتمكن بالتأكيد من أن نفلت من عقاب صاحب التشريع السماوي). 
وهذه الآلات وثقت لنا بالصوت والصورة أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم  فأنظر مثلا مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك  والوات ساب ومايكتب ويسجل فيها مما يندى له الجبين وتقشعر له الأبدان!!! بمعنى أن ما يطبع تلك الكتابات والمكالمات هو غلبة الهوى، الذي جاءت الشرائع لتخرج المكلف من دواعيه إلى الدينونة لله في كل الأمور، وإسلام الوجهة إليه بالكلية، قال ابن عاصم:
القصد بالتكليف صرف الخلق         عن دعوات النفس نحو الحق
   فالتقدم الجارف لـ”التقنيات الرائدة” يمارس سحراً رهيباً على الأجيال الجديدة. وإنَّا لنشهد تمجيداً للفتوحات المادية وللسرعة…  وهذا ما نتج عنه تحولا نوعيا خطيرا تمثل في بروز مشاكل متعلقة بالحياة الخاصة، مشاكل حول الحياة الشخصية المستقلة مست بالأساس الطبقة المتوسطة والعمالية، ويتعلق الأمر بتطوير ظاهرة جديدة داخل الحياة الشخصية، إنها فردنه الوجود الإنساني. حسب تعبير ادخارمور مضيفا أن خاصية الثقافة الجماهيرية تتمثل في كونها ستوفر للفئات الاجتماعية الصاعدة (طبقة متوسطة)، شباب، نساء، صورا إدراكية وقيما ونماذج سلوك جديدة أبطالها: الشخصيات السينمائية، ونجوم الموضة، ومقولاتها: المغامرة، والحرية الفردية، وغاياتها: الحياة والسعادة، والمتعة…الخ). وهذه الصور ونماذج السلوك أضحت من مكونات تفكير شبابنا و يمكن أن نلخص هذا الطرح  في معادلة أحد طرفيها البطن والفرج والآخر العقل والقلب وتكون المعادلة على الشكل التالي:
العقل+القلب = البطن+الفرج.
وعليه يتحدد تعقلنا للأشياء حسب تفعيل طرفي المعادلة بالنسبة للطرف الآخر. وتفسير ذالك أن الإنسان فيه غرائز دنيا تشده إلى تحت؟ وخصائص كريمة تدفعه إلى فوق؟ فإذا كانت هذه الخصائص أشد قوة ذهبت بالإنسان صعدا إلى آفاق الحق والخير والجمال. وإذا كانت مساوية لغريمتها ذهب السالب في الموجب وبقى المرء موضعه. وإذا كانت أضعف منها أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فلم تراه إلى مبطلا شريرا دميم الروح. والذي أقصده أن تحصيل الكمال تحتاج إلى معاناة علمية وخلقية…فالكريم لن يكون كريما إلا إذا قهر نوازع الشح. والشجاع لا يكون شجاعا، إلا إذا هزم بواعث الخوف…
    ليس سرا أننا مازلنا نعيش حياة  ” لفريگ”  الذي تسعه “أطناب الخيمة” في وجداننا وان اختلفت الخيام شكليا من الشعر والوبر الى الاسمنت.. ونسينا أو تناسينا أننا في الوقت نفسه لبنة من مكونات القرية الكونية العالمية وأن ما يحدث في تلك الأمم المتحضرة أو المتوحشة يؤثر فينا شئنا أم أبينا..وأن هذه الهواتف الذكية التى لا يخلوا منها بيتا هي ديدانه…
ولقد تجسدت هذه الصور في مجتمعنا البدوي الذي يهرب من التفكير سواء بانغماسه في الملذات ، أو تكييفه لهذه العادات الوافدة مع عقله الجمعي. ويبدوا أنه دائما في مكالماته ومشاركاته ينشط دائما طرف المعادلة السلبي: البطن+الفرج بدلا من العقل+القلب…..                          
   وتأسيسا على ما أسلفنا فان أجهزة الكون تقوم بتسجيل لكل أعمال الإنسان, فكل ما يدور في أذهاننا يحفظ إلى الأبد, وكل ما ننطق به  من كلمات يسجل بدقة فائقة, فنحن نعيش أمام كاميرات تشتغل دائما, ولا تفرق بين الليل والنهار مثل هاتفك الذكي الذي يضبط كل ما تقوم به بدقة تامة علمت ذالك أم جهلته.
   وعليه فان العلوم لم تترك لنا أي خيار ولم يبقى أمامنا إلا أن نسلم بأن قضية كل منا سوف تقدم أمام محكمة إلهية وبأن هذه المحكمة هي التي قامت بإعداد هذا النظام العظيم لتحضير الشهادات التي لا يمكن تزويرها.
  ونرتل بكل خوف وإجلال قوله تعالى ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾  الكهف الآية:49
وقوله جل وعلا  (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)(14)
   في تفسير ا بن كثير الدمشقي يقول تعالى بعد ذكر الزمان وذكر ما يقع فيه من أعمال بني آدم : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) وطائره : هو ما طار عنه من عمله ، كما قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد : من خير وشر ، يلزم به ويجازى عليه ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [ الزلزلة : 5 ، 6 ] ، وقال تعالى : ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) [ ق : 17 ، 18 ] ، [ ص: 51 ] وقال تعالى : ( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ) [ الانفطار : 10 – 14 ] ، قال : ( إنما تجزون ما كنتم تعملون ) [ الطور : 16 ] وقال : ( من يعمل سوءا يجز به ) [ النساء : 123 ] .

والمقصود أن عمل ابن آدم محفوظ عليه ، قليله وكثيره ، ويكتب عليه ليلا ونهارا ، صباحا ومساء .
ويتصل بهذا التفسير  قوله تعالى(وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ۚ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) (الجاثية

قوله : كل أمة تدعى إلى كتابها ) يعني : كتاب أعمالها ، كقوله : ( ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء ) [ الزمر : 69 ] ; ولهذا قال : ( اليوم تجزون ما كنتم تعملون ) أي : تجازون بأعمالكم خيرها وشرها ، كقوله تعالى : ( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ) [ القيامة : 13 – 15 ] .

ثم قال : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ) أي : يستحضر جميع أعمالكم من غير زيادة ولا نقص ، كقوله تعالى : ( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) [ الكهف : 49 ] .

وقوله : (انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )) أي : إنا كنا نأمر الحفظة أن تكتب أعمالكم عليكم .
  وقوله [ تعالى ] ( ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ) أي : نجمع له عمله كله في كتاب يعطاه يوم القيامة ، إما بيمينه إن كان سعيدا ، أو بشماله إن كان شقيا ) منشورا ) أي : مفتوحا يقرؤه هو وغيره ، فيه جميع عمله من أول عمره إلى آخره ( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ) [ القيامة : 13 – 15 ] ؛ ولهذا قال تعالى : اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) أي : إنك تعلم أنك لم تظلم ولم يكتب عليك غير ما عملت ؛ لأنك ذكرت جميع ما كان منك ، ولا ينسى أحد شيئا مما كان منه ، وكل أحد يقرأ كتابه من كاتب وأمي .
    فأنت أمام عدسات تعمل ليلا ونهارا بدون كلل فحاسب نفسك عزيزي القارئ قبل فوات الأوان وعند محاسبة المرء نفسه سيتعرف إليها جيدا ومن عرف نفسه عرف ربه، ويهذب أخلاقه وسلوكه، حيث يرتقي إحساسه بالآخرين، وتصبح تصرفاته أكثر نعومة وأناقة….
  ولهذا فإن الإسلام يؤكد دائما على تمدين الإنسان قبل تشييد العمران لأن الإنسان غير المتمدن لا يعجز عن استثمار الإمكانات الحضارية وحسب وإنما يعجز عن المحافظة على الموجود منها.
   والإسلام علم الناس ألا يرفعوا أصواتهم، وأن يغضوا من أبصارهم، وألا يلجوا البيوت دون استئذان، وأن يتفسحوا في المجالس، كما علمهم الرفق والصفح والإيثار،
  وفي الصلاة والتي هي موقف روحي خاص يتعلم المسلمون الدقة والنظام والالتزام بحركات الإمام… وليس كما هو مشاهد اليوم إذ أصبحت طقوس تؤدي في أزمنة معينة بدون أدنى تفكير مما أفقدها لروحها المدنية والروحية..
  ويبدوا أن المواصفات السابقة الخارجة عن مأأقره الشرع  يصدق عليها  ما لخصه ابن خلدون, ففي تحليلاته للحضارة بيّن العوامل الموضوعية التي يكون انتشارها في المجتمع إيذانا بقرب أفولها مثل الترف والتفنن فيه، الأمر الذي يؤدي إلى تلون” النفس من تلك العوائد بألوان كثيرة لا تستقيم حالها مع دينها ودنياها: أما دينها فلاستحكام صيغة العوائد التي يعسر نزعها، وأما دنياها فلكثرة الحاجات والمؤنات التي تطالب بها العوائد ويعجز الكسب عن الوفاء بها..” ثم يتحدث ابن خلدون بعد ذلك عن تفكك ما يسمى في العلوم الاجتماعية الحديثة بنسق القيم الثقافية واهترائه فيقول: “فلذلك يكثر منهم الفسق والشر والسفسفة والتحيل على تحصيل المعاش من وجهه ومن غير وجهه وبالتعبير السوسيولوجي الحديث: “بطرق مشروعة وغير مشروعة” وتنصرف النفس إلى الفكر في ذلك والغوص عليه واستجمام الحيلة فنجدهم أجرياء على الكذب والمغامرة والغش والخلابة والسرقة والفجور في الإيمان والريا في البياعات…. ثم تجدهم أبصر بطرق الفسق ومذاهبه والجهارة به وبدواعيه وإطراح الحشمة في الخوض فيه، حتى بين الأقارب وذوي المحارم الذين تقتضي البداوة الحياء منهم في الإقذاع بذلك”…
كل ذلك يحتم نهاية الحضارة، وهنا يتطابق القانون العمراني الخلدوني مع إرشاد القرآن وتعليمه بهذا الصدد ويستنتج ابن خلدون هذا التجانس الكامل فيقول: “وإذا كثر ذلك في المدنية أو الأمة تأذن الله بخرابها وانقراضها وهو معنى قوله تعالى
﴿ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا﴾ الإسراء الآية: 16.
   والانقراض هنا هو زوال الحكم كما حصل للمورسكيين عندما تفننوا في الترف  فطردوا وزال حكمهم الى يوم الناس هذا  فهل نحن مقبلون على مقولة ابن خلدون؟ أم أننا سنحاسب أنفسنا بعدما أقامت تقنيات الاعلام الحجة علينا؟!

الهوامش
تفسير  ابن كثير , دار طيبة,  1422هـ / 2002م  
*محمد الغزالي:ركائز الإيمان بيت العقل والنقل, دار لقلم دمشق, ط,4 ,1420ها 1999 *محمد الغزالي : جدد حياتك, دار القلم: دمشق , الطبعة 15، 2003 م
*محمد الغزالي : جدد حياتك, دار القلم: دمشق , الطبعة 15، 2003 م
* وحيد الدين خان: الإسلام يتحدى، ترجمة، ظفر الإسلام خان، (مدخل علمي إلى الإيمان)، مراجعة وتقديم، الدكتور عبد الصبور شاهين، الطبعة الثانية، المختار الإسلامي 1964 م.
*عبد الكريم بكار: تجديد الوعي, دار القلم, الطبعة الأولى, 1421 ها ـ 2000 م
* دين الفطرة:استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية,المرابط ولد محمد لخديم,تصدير الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد أباه, رئيس جامعة شنقيط العصرية والشيخ الدكتور أمين العثماني عضو اللجنة العلمية والتنفيذية للأكاديمية الهندية بدلهي الهند, تقديم:الأستاذ الدكتور:أحمدو ولد محمد محمود,رئيس قسم الفيزياء بكلية العلوم والتقنيات جامعة أنواكشوط,والمفكر الاسلامي,سمير الحفناوي جمهورية مصر العربية, ط, دار المعراج,دمشق/بيروت سنة 2014م.
*التجديد: مجلة علمية فصلية محكمة, تصدر عن الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا العدد الأول,


مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button