– زيارة ولد عبد العزيزللطينطان وخطة التحايل على مساعداته
بقلم : الشيخ أحمد ولد سيدي – الولايات المتحدة
لقد شعرت بالخجل من نفسى و من إخوتى مواطنى الطينطان و كيفه و هم يحتفلون بقدوم زعيم انقلابيين مغتصب لسلطة أمتهم. بل إن مصدر السآمة و الحزن أننى ظللت يوم أمس أشعر بشىء من الفخر لما سمعت أن منتخبى الطينطان الذين هم ممثلوه سيقاطعون الاحتفال بقدوم مرتكب جرم فى حق الشعب ومن كان عليه أن يستحي و يستتر بجرمه بدل التظاهر و التباهى بالذنب كما كان على مؤيدييه أن ينبذوه ويتبرأوا منه حتى لا تشيع الفاحشة، و لان الدولة تقوم على العدل و الاخلاق و لا تقوم على الظلم و الانحلال الاخلاقي:
إنما الأمم الاخلاق مابقيت فأنهم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ولقد علمت أن عمدة البلدية كان من بين المحتفليين او الحاضريين، مشرعى الخطيئة. ولست أجد له مبررا خصوصا أن حزبه معارض للانقلاب ولان المواطنيين انما انتخبوه لانتمائه إليه. ولذك أرجو أن تتخذ ادارة حزبه إجراءات عاجلة لتأديبه كما فعل حزب “التحالف” مع أعضائه الذين لم يصوتوا لمرشحه فى انواذيبو فى الانتخابات البرلمانية السابقة، كما أدعو مواطنى الطينطان و خصوصا إولئك الذين انتخبوا هذا العمدة إلى إدانة هذا السلوك المشين وحجب الثقة عن صاحبه ليكون عبرة لغيره من قاطعى العهد\العقد الانتخابي.
لقد فوجئت كغيرى من ابناء مدينتي الطينطان و كيفه باختيار زعيم الانقلابيين للمدينتين دون غيرهما من مدن الوطن. ولم يكن عسيرا على أي موريتاني أن يدرك أن إلغاء الانقلابي ولد عبد العزيزلبدإ حفلاته الكرنفالية و ألاعيبه البهلوانية الدجالية من مدينة النعمة كان لاسباب أمنية، وربما أراد بها الانقلابي كذلك إخفاء التشابه بين أساليبه الدعائية وتلك التى اتبع أستاذه. و لم يكن عسيرا كذلك أن يدرك المرء أن زيارة كيفه كانت لاسباب لوجستية إذ لا مطار بمدينة الطينطان، وأخرى دعائية لأن الجنرال المقال يريد أن يتباهى و يمن على مواطنى كيفه بأنه اشترى لهم جهاز كشف طبي (اسكانر) بثمن يقدر بحوالي مئتي مليون أوقية، أو ما يعادل اقل من مئة ألف دولارو هو مبلغ زهيد قد لايكفى لشراء منزل من منازل أحد مؤيدي الانقلاب المشتهرين بالفساد و استباحة المال العام، و الذين لا يتوقع أن تشملهم التحقيقات الانتقائية التى تقوم بها السلطات الانقلابية بحجة محاربة الفساد، وهي محاربة أختصرت حتى الآن على مؤيدى جبهة الدفاع عن الديمقراطية دون ان تشمل و لو كبش فداء من موالاة الانقلابيين.
ولعل مما يجيز وصف احتفالات الانقلابيين بالكرنفالية كون جمهور المشاركيين فيها من البساطة بدرجة تجعله لايدرك الغرض منها الذى هو توفير التبرير الشعبى للانقلاب على الشرعية لا حب مشاركة الجماهير أفراحها أو اجلال تراثها… وهذا تقليد درجت عليه الملوك و السلاطين و النخب المسيطرة لتوظيفه سياسيا (الاعتراف و إضفاء الشرعية). كما أن مما يجيز وصف أساليب الانقلابيين بالألاعيب البهلوانية و الدجالية كونها زائفة و مكشوفة، ولكن للعقلاء وذوى القلوب السليمة فقط.
ولعل وجه الشبه بين زعيم الانقلابيين والمخدوعيين ولد عبد العزيز و زعيم الضاليين المضلليين الدجال سحر العيون والتضليل و التمظهر بالقوة و القدرة الزائفتين و ادعاؤهما. وإلا فكيف انطلى على مؤيدييه ما استنكره أغلبية الشعب الموريتاني وغيرهم من ذوى الضمائر الحية و أنه متمرد على أمرإمامه الذى اختاروه فى انتخاباب اعترف بها هو و لم يشكك فيها لحظة واحدة. كيف انطلى عليهم أن ولد عبد العزيز عصى شرعا أوامر إمامه الذى تجب عليه طاعته عندما تعلق الامر بإقالته، وما فعلها لو لم يملك القوة العسكرية التى أمنه عليها فخان امانته؟ قد تجادلنى وتقول إن مؤيدييه هم نفسهم من أيدوا جميع الحكام السابقيين مستخدميين نفس الحجج الواهية والاساليب غيىرالنزيهة. ولكن قلى بربك كيف انطلى عليهم أنه ماض فى المكابرة و العناد و توفير الظروف و الاسباب الكافية لفرض عزلة و حصار دوليين عليهم لا قبل لهم بهما مقابل استمراره فى السلطة؟ كيف تحول زعيم الانقلابيين من متمرد عاص إلى بطل فذ و قائد وطنى مخلص نزيه؟ أيمكن أن يحصل ذلك فى مجتمع له كرامة أو أخلاق، مجتمع يحترم نفسه؟ أسفى على شعبى إذا صدق أن “الشعوب تستحق حكامها”! أهذا ما نستحق؟
مالذى جرى لشعبنا الصحراوي الاخلاقي الابي؟ كيف انطلى علي مؤييدى الانقلاب أن الاموال التى تنفق لجمع التأييد للانقلاب تنفق لوجه غير شرعي، وقد أريد بها تشريع الخيانة وستسفر عن ترسيخ الدكتاتورية واستمرار آفة الانقلاباب العسكرية فى المنطقة بأسرها كما سبق وأن حصل فى غينيا بساو، هذا إضافة إلى أنها تبذير و تبديد للصاقة غير مبرر، وغير شرعى و لا دستورى خاصة وأنه، بصد النظر عن ما إذا كانت الاموال المبذرة مسروقة ام لا، لم تصدر أوامر من جهة شرعية بصرفها. ففى أي شرع يحق للانقلابيين صرف المال العام و التصرف فيه و هل يجرؤ أحدهم أن يظن أن جهود الانقلابيين و مؤيدييهم المبذولة و أموالهم المصروفة بذلت أو صرفت لوجه الله و ابتغاء مرضاته او فى سبيل الوطن الذى افسدوا عليه فرحته وفخره بتفرد ديمقراطيته وتخلصه من عهد الانقلابات واستخدام القوة و الخداع والترغيب و الترهيب للوصول إلى السلطة.
و السؤال الذى يطرح نفسه هنا هو لماذا الطينطان أولا؟
قد يكون السبب أن مدينة الطينطان أكثر أمنا بحيث يستبعد أن تكون مسرحا لانقلاب على الانقلابيين مشرعى الانقلابات و سيئى العلاقة مع الجيش. وقد يكون السبب كون الطينطان سرة الولايات الجنوبية ومركزا تجاريا استراتيجيا متميزا ومصدر تموين لمناطق كثيرة من الجارة مالى. وربما يكون السبب أن الطينطان من اوئل المدن الجنوبية التى اظهرت انسلاخها عن تأييد نظام ولد الطايع وسدنته. وقد يكون السبب كونها أحد أبرز المناطق الجنوبية التى يعتقد انها واقعة تحت سيطرة انصار حزب تواصل. كل هذا وغيره ممكن.
لقد كانت كارثة الطينطان أحد امتحانات حكم الرئيس المنقلب عليه وقد رآى البعض أن إدارة تلك الازمة و استمرار المحنة، رغم ما حصلت عليه الدولة من مساعدات ربما تكفى لبناء مدن بحالها، قد افرزا إحدى نقاط ضعف النظام السابق و فشله. وواضح أن هذا الرأي لا يجانب الحقيقة. ومهما يكن فقد أكد النظام المنقلب على أن العشرين مليونا التى تبرعت بها المملكة العربية السعودية مشكورة لبناء مدينة عصرية على انقاض المدينة التى ابتلعتها فيضانات 2006 ما تزال موجودة (فى البنوك). ولهذا فإنه من الأرجح إذن أن تكون نية زعيم الانقلابيين هي الالتفاف على ذلك المبلغ وإظهار نقاط ضعف الرئيس الذى انقلب عليه وإظهار قدرة الاول على الانجاز فى مجالات فشل الأخير.
وللمرء أن يستغرب اننى أبدو كما لو كنت استنكر أو لا أحمد خصلة الانجاز فى مجالات الفشل فقط لان المنجز زيد أو عمر، و هنا أود ان اذكر أن مثل هذا السلوك أو التكتيك السياسى محمدة لو كان صادرا من رئيس شرعي مختار أو منتخب، أما ان يصدر من لص مغتصب للسلطة، عاص لاوامر الرئيس الشرعي للبلاد، ومبدد لاحلام شعبه، و مسىء إلى سمعته متظاهر متباه بجرمه أو فاحشته أو خيانته فلى أن أرفضه لان القصد منه تبرير الجرم وصرف الذهن عنه و إضفاء الشرعية عليه. و لست من يفوت عليه ذلك. كما أن للمرء أن يستغرب اتهام زعيم الانقلابيين بالتخطيط للالتفاف على المساعدة السعودية و حاجته لان يزور الطينطان ليستتب له ذلك دون عناء. فمن يسبطيع منعه إن أراد ذلك.
وردى على ذلك اننى اتصلت على أهلى فى الطينطان و اخبرونى أن زعيم الانقلابيين سيزورهم و أنهم رجعوا كغيرهم إلى أحد منازلهم فى احد أطراف المدينة القديمة وأن لديهم الكهرباء وأن الشاحنات توصل إليهم الماء الشروب وأن اهل المدينة القديمة عائدون إليها خصوصا و أن الدولة سمحت لهم بذلك أو لم تمنعهم بل إنه شائع لديهم أن الدولة ستبنى لهم معابر لتسهيل التنقل من المدينةو إليها إذا حاصرتها المياه مرة أخرى، و حتى لايخسر المواطنون ممتلكاتهم التى ماتزال المياه تغمرها، و انها ستحضر شفاطات لسحب المياه خارج المدينة. كما حاولوا ربط انخفاض الاسعار به و بسياساته. فسألتهم بسرعة وبى شىء من الضجر، و بعد أن أوضحت لهم أن إنخفاض الاسعار إنما هو عائد لانخفاض دولي لاسعار النفط (النقل) و لا علاقة له بزعيم الانقلابيين و لا سياساته، قائلا: و ماذا أعدت لكم الدولة فى حال ما إذا غمرت الفياضانات المدينة مرة أخرى؟ وهل ستعيد إليكم المعابر و الجسور ما ستدمر أم انها ستمنع تشردكم و انتشار الامراض بينكم فلا تتكرر المحنة؟ و هل ماتزال الدولة تنوى بناء المدينة الجديدة التى جمعت لها المساعدات من كل حدب و صوب؟
اتضح لى لحظتها أن الدولة تخطط لصرف بعض المساعدة على المعابر وشفط المياه و ربما على تخطيط أولي للمدينة الجديدة التى هي الآن قطعة أرض رملية جرداء مسحتها البولدزورات لتكون بقرة حلوبا تستدر بها المساعدات الدولية و ربما تخطط حكومة االانقلابيين فى الاستمرار فى ذلك. و إلا فلماذا سمحت للمواطنيين بالعودة إلى المدينة القديمة التى ماتزال كما كانت خطرا على حياتهم ولا تصلح ان تسكنها الحيوانات فما بالك بالبشر. وقد كانت تلك الوضعية السبب فى تشرد سكانها و الحصول على المساعدات الدولية ومنع حكومة الرئيس المنقلب عليه المواطنيين من العودة إليها. فمالذى طرأ؟
إنه من باب المنطق أن يبدأ لانقلابيون فى التفكير فى مصادرمالية للصرف على موظفى الدولة ولاجتناب غضب الشعب الذى ستجوعه سياساته حيث العزلة والحصار والاختناق السياسي والتدهور الامني و الاخلاقى فالاقتصادي و الاجتماعي، أعنى العودة إلى مربع التسعينات، خصوصا و ان مورتانيا كما يحذر الاقتصاديون لا نمكن أن تقوم لها قائمة بدون المساعدة الدولية التى تمثل ما تقارب 70% من مصادرها الاقتصادية. وإنه من باب السذاجة الجهل السياسين وقلة الخبرة و قصر النظرو انعدام المشورة و النصوحة من ذوى الحكمة ورجاحة العقل أن يراهن زعيم الانقلابيين على أن حكام الدول العربية ستمول حكمه و تعوضه عن خسارة الحصار. لماذا!؟
إنها مراهنة واهية حقا لسبب بسيط و هو أنهم لم يتحمسوا أبدا للتجربة الديمقراطية الموريتانية بل إنها كانت محرجة لهم، كما أن نجاحها يعنى نهاية أحكامهم الدكتاتورية أو يوذن، ولانهم لا يستطيعون مخالفة أسيادهم و حماتهم من شعوبهم، الحكام الغربيون. هذا فضلا عن أن لديهم من المشاكل ما يكفييهم وهم اصلا لا يفون بتعهدم إن علنوا عن مساعدة. وليسأل الانقلابي (الجنرال السابق|المقال) ولد عبد العزيزالفلسطيين عن ذلك. وعليه فان زيارة زعيم الانقلابيين للطينطان خارج هذا الإطار. إنها لا محالة حلقة من تخطيط مكشوف للتحايل على المساعدة و المتاجرة بالمحنة وربما أسوأ. و ماذا تنتظر من انقلابيين؟!
الشيخ أحمد ولد سيدى
ناشط سياسي مقيم بالولايات المتحدة
وأحد أبناء مدينة الطينطان
cahmeds@yahoo.fr
بوسطن- 3 دسمبر 2008