سيدي الرئيس.. بعد القصر المنيف قبر مخيف !! / محمد سالم بن دودو
لقد حز في نفسي تناقل وسائل الإعلام المحلية لتدشين سلطاتنا الإدارية حملة إغلاقات ومضايقات واسعة لمحاظرنا القرآنية ومعاهدنا الشرعية التي هي حاضنة ديننا وعز دنيانا، فرأيت من واجبي البدار بإنكار ذلك والتنبيه على خطورته.
لكن الله شاء لي أن أتأخر يومين فجأني بعدهما نبأ وفاة ابنكم الغالي ورفيقه الكريم المغفور لهما بإذن الله،
فانتابني من مشاعر الحزن والأسى والتعاطف مع الأسرتين العزيزتين ما انتاب سائر أفراد جسدنا الواحد.. فقررت أن أعلق الكتابة عدة أسابيع لعل جرح قلب الوالد المكلوم يندمل، وأملا في انقشاع تلك الزوبعة الآثمة التي استهدفت وجودنا الحضاري من أسه المكين.
لكن بيانات دق الإسفين وتصريحات التوتير المتتالية في اليومين الأخيرين أجبرتني على تعجيل الكتابة إليكم، وإن كنت أعلم أن النفس رغم تسليمها بالقضاء والقدر، قد لا تكون استعادت من صفائها ما يكفي للاستماع إلى من يغرد خارج السرب، ولاسيما إن اتسم بقدر كبير من الصراحة والوضوح وتسمية الأشياء بأسمائها، بعيدا عن التوريات والمجاملات..
سيدي الرئيس..
أعلم أنه لا أحد يدرك مثلما تدرك سيادتك أن أصحاب تلك البيانات والتصريحات لو اجتمعوا على قلب أمثل رجل فيهم ولسانه وهمته.. ما أقنعوا مخطئا واحدا بالعدول عن خطئه، أحرى أن يثنوا جمهورا عريضا محقا عن مبادئه وقناعاته..
وأوقن أنه لا أحد يعلم مثلما تعلم حجم الفواتير والامتيازات التي يطمحون إليها مقابل تلك البيانات والتصريحات..
وأعرف أنه لا أحد رأى مثل رأيت بأم عينك من سرعة تنكرهم لأرباب نعمهم وسلاطة ألسنتهم عليهم فور انقطاع أطمعاهم فيهم..
سيدي الرئيس..
مهما كانت الحقيقة مرة فإنها تظل خيرا من الوهم المريح!! ما يزين لك هؤلاء إلا ما زينوا لمعاوية من قبلك، ولن يغنوا عنك في دنياك ولا في أخراك إلا ما أغنوا عنه!!
فلماذا تخدع نفسك بنفسك؟! ولماذا تكل إلى ظلك ما يعجز عنه شخصك؟! وتسند إلى صداك ما يقصر دونه صوتك؟!
سيدي الرئيس..
لم ينصحك من أغراك باستهداف المحاظر والمعاهد والمراكز والجمعيات الدعوية والخيرية.. وأوهمك أن ذلك هو الوسيلة المثلى لصرف الناخبين عن الالتفاف حول حزب تواصل، فما يروج لك أولئك إلا كما روج الشيطان لإخوة يوسف: ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ﴾.
ولا يغرنك شعار تجفيف المنابع فما هو إلا كما حكى الله من قول المنافقين: ﴿لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا﴾، وقد رد عليهم جل جلاله بقوله: ﴿وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ﴾.
ولا يخدعك منهج تقليم الأظافر، فما هو إلا تطبيق ساذج لنظرية فرعون القهرية: ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ﴾، وقد كان رد المؤمنين عليها صارما صادما: ﴿لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا، فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ﴾.
ولا تعول على أساليب التشهير والتحقير، فقد جربها أيضا، حين قال: ﴿إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَذِرُونَ﴾، ثم كانت نتيجتها كارثية عليه: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾، ولقد رأيت شواهد كل ذلك من حولك ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ، وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾.
سيدي الرئيس..
لم يصدقك أولئك المستشارون وخبراء التأزيم حين أقنعوك بأن إغلاق المحاظر القرآنية والجمعيات الخيرية، ومضايقة المعاهد الشرعية والمراكز الإسلامية هو أقسى نكاية في حزب تواصل!! كيف صدقتهم في أن تواصل أقرب منك إلى هذه المؤسسات، وأولى منك بحمايتها والدفاع عنها؟! وأنه أقدر منك على جني ثمارها السياسية؟! ألست أنت الرئيس الشرعي المنتخب من جماهير الشعب، وقائد الأغلبية السياسية العظمى فيه؟!
ألا تعتبر هذه الإجراءات التعسفية الظالمة نكاية في شخصك أولا، وفي نظامك ثانيا، وفي شعبك ثالثا؟! قبل أن تكون نكاية في حزب معارض لم يحرز ما أحرز من مكاسب انتخابية محدودة إلا في غياب أحزاب معارضة أخرى هي أقدم منه تأسيسا، وأكبر منه ثقلا انتخابيا؟!
سيدي الرئيس..
لقد أنعم الله عليك بالملك وابتلاك به؛ فاشكر النعمة، واجتهد في اجتياز البلوى.. وقل كلما رأيت فيما أنت فيه من عز وتمكين كما قال النبي الملك سليمان بن داود عليهما السلام: ﴿هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ، وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾.
واصدق البيعة مع ربك واسع لحظك من قوله: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ، وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾.
واحذر أن يصيبك أو يصيب بلدك نصيب من قوله: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.
وحذار ثم حذار أن ينسيك القصر المنيف في القبر المخيف!! فإنك لابد واقف بين يدي من أعطاك الملك ومكنك في الأرض عاجلا أو آجلا، فيسألك وهو أعلم عما قدمت لدينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فأعدَّ الجواب بأفعالك اليوم، لتشهد لأقوالك غدا.
وختاما أجدد لكم –سيادة الرئيس- التذكير بما أكدته لكم في أكثر من لقاء، من أنه لا مسوغ للقلق من جماهير حملة المشروع الإسلامي (سلفيين، وإخوانيين، وتبليغيين، ومستقلين)، فكلهم يرون لكم بيعة في أعناقهم بالسمع والطاعة في المعروف والنصح في السر والعلن، وإن لم يتنازلوا عن حقوقهم المدنية والسياسية الكاملة، وخصوصا في التصويت لكم أو لغيركم ولغير حزبكم ومرشحيكم، أو التزام الحياد؛ حسب ما يرونه أنفع لمشروعهم في خدمة الإسلام والمسلمين، فلا يليق بكم محاسبتهم على مواقفهم السياسية المشروعة، أو اعتبار انتماءاتهم الحزبية بثا للفتنة وخروجا على السلطة، وتحيزا ضد الوطن.
ثم أذكركم –وأنتم أدرى- بأنه إذا كانت تجارب ما يسمى بالربيع العربي غير قابلة للاستنساخ في بلادنا، فإن استنساخ تجارب الأنظمة القمعية الاستبدادية أيضا لم يعد ممكنا فيها.
وقبل هذا وذاك؛ فإن العافية أرحم بنا، ولا خير في سياسة لي الأذرع بين الحاكم والمحكومين، فالتوتير يفضي إلى التدمير، والضغط يولد الانفجار.