مقالات

ما وراء محنة الديمقراطية في موريتانيا

خالد السرجاني|البيان الاماراتية

يأتي الانقلاب العسكري الأخير في موريتانيا ليجهض تجربة ديمقراطية واعدة كانت ستعد نقلة نوعية في مسيرة التحول الديمقراطي في الوطن العربي، خاصة وأنها كان يمكن لها أن تزيل الالتباس الذي ساد لدى دوائر التحليل الغربية حول علاقة العرب بالديمقراطية التعددية لأن هناك دولا افريقية غير عربية استطاعت أن تجري عملية التحول الديمقراطي وتصبح ديمقراطيات تعددية مستقرة وغابت عنها الانقلابات العسكرية بصورة تامة في الوقت الذي استعصى هذا الأمر على الدول العربية.

والأزمة الحقيقة التي أجهضت التجربة الديمقراطية في موريتانيا على الرغم من التفاؤل الذي ساد الأوساط العربية والغربية منذ أن أجريت الانتخابات الرئاسية التي أعادت الجيش إلى ثكناته هي أن فرقاء العملية السياسية الموريتانية لم يتفقوا ويجمعوا على قواعد للعبة السياسية يلتزم بها الجميع بما يحول دون إجهاض التجربة على النحو الذي حدث في الانقلاب الأخير، حيث تعامل الرئيس المنتخب وفق تفويض شعبي مع التطورات وكأنه ليست هناك مؤسسات أخرى موازية وقوية تستطيع أن تجهض التجربة، وقد اصطدم الرئيس بالمؤسسة العسكرية القوية في موريتانيا من دون أن يضع في حسابه أنها يمكنها الانقلاب عليه.

فقد طفا على واجهة الأحداث في موريتانيا صراع بين الرئيس الموريتاني سيدي ولد الشيخ عبد الله واثنين من الجنرالات المقربين إليه. وطبقا للمعلومات التي تم تداولها في نواكشوط عمل قائد الأمن الرئاسي الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وقائد أركان الجيش الجنرال محمد ولد الغزواني على الإطاحة بالحكومة من خلال برلمانيين من الحزب الحاكم يعملون على التحالف مع برلمانيي المعارضة لحجب الثقة عن الحكومة.

وقال البرلمانيون المنشقون عن الحزب الحاكم إنهم يعارضون وجود بعض الوجوه البارزة في نظام الرئيس السابق معاوية ولد الطايع ضمن أعضاء الحكومة التي شكلت مؤخرا.

حيث تمثل عودة سياسيي فترة ولد الطايع إلى الواجهة إحراجا للجنرالات الذين انقلبوا على ولد الطايع عام 2005 ويصفون نظامه بالفساد، وفى النهاية وجد العسكريون أنهم من الأفضل أن ينقلبوا بأنفسهم على الرئيس بدلا من الاستعانة بالبرلمانيين الذين كانت تقف عوائق شديدة في طريق إطاحتهم بالرئيس.

والمشكلة في موريتانيا هي أن هناك عوامل عديدة تتداخل في العملية السياسية، وعلى من يحكم فيها أن يضع كل ذلك في حسبانه حتى يمكنه أن يدير مقاليد الدولة في سلام، وعلى رأس هذه العوامل ما يسمى بالصراع بين السودان والبيضان في موريتانيا، وهو صراع تتداخل فيه عوامل عديدة فرعية، وهو أحد الأسباب الرئيسية في الاتهامات التي توجه دائما لموريتانيا من المنظمات الحقوقية والإنسانية حول استمرار تجارة الرقيق بها.

أما العامل الثاني فهو دور المؤسسة العسكرية في العملية السياسية والعلاقة بين النخبة السياسية والنخبة العسكرية، فإذا كانت هذه العلاقة محددة بصورة دقيقة لم تكن موريتانيا قد شهدت أزمتها السياسية الأخيرة، وهناك حتى في بعض الديمقراطيات العريقة قواعد عرفية أحيانا ودستورية في أحيان أخرى تضع ضوابط حول مدى حرية رئيس الجمهورية أي رأس السلطة التنفيذية في التدخل في شؤون المؤسسة العسكرية وإمكانيات إقالة القيادات الكبرى في الجيش.

بل وفى بعض الدول التي شهدت الموجة الثالثة من عملية التحول إلى الديمقراطية، خاصة دول أميركا اللاتينية والوسطى تم الاتفاق على قواعد لهذا الأمر بعضا بشكل دائم والبعض الآخر بشكل مؤقت حتى يتحقق الاستقرار للتجربة الديمقراطية الوليدة، وكانت هذه الاتفاقيات من الأسباب الرئيسية لاختفاء ظاهرة الانقلابات العسكرية عن هذه الدول بصورة تامة.

وكان على الحكم المدني الموريتاني أن يضع في اعتباره خصوصية المؤسسة العسكرية الموريتانية وقوتها قبل أن يدخل في صدام معها تنتهي بإقالة رئيسي الأركان والحرس الجمهوري، على الأقل حتى تستقر التجربة الديمقراطية.

ولكن يبدو أن الرئيس وهو يتخذ قرار الصدام تصور أن القوى الخارجية المهتمة بالتجربة الديمقراطية الموريتانية سوف ترفض الانقلاب العسكري إذا ما تم عليه وانه بالتالي في موقع قوة مع انه كان عليه أن يستفيد من تجربتين تغاضت فيهما القوى الدولية عن انقلابات عسكرية على حكومات مدنية تمت في موريتانيا نفسها وفى باكستان قبلها.

وهو الأمر الذي دفع احد المراقبين إلى القول ان انقلاب موريتانيا يسهل هضمه من قبل القوى الدولية المعنية بشؤون المنطقة. فاستقرار موريتانيا أصبح مطلباً إقليميا ودولياً، إما بدافع تسخير الجهود كافة في الحرب على الإرهاب الذي باتت منطقة الساحل جنوب الصحراء مصدراً حقيقياً لمخاطره المتنامية، وإما بدافع المحافظة على التوازن القائم، وهو الأمر الذي سيجبر هذه القوى على هضم الانقلاب.

نفس الأمر دفع المراقبين إلى القول ان الانقلاب الأخير لم يكن ينجح إلا لأن نظام الرئيس ولد الشيخ عبدالله استنفد شرعيته ديموقراطياً، ليس لأنه انقلب على المسار الديموقراطي، ولكن لأن الرهان على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في ظرف وجيز كان أكبر من قدرات نظام الحكم.

من هنا فان التفكير في مستقبل موريتانيا لا يجب أن يقتصر فقط على موعد إجراء الانتخابات الديمقراطية وعودة الحكم المدني، ولكن لابد وان يشمل التفكير الامر الأكثر أهمية وهو البحث عن الضمانات الحقيقية التي يجب تطبيقها من اجل عدم تكرار نفس التجربة وعودة الانقلابات إلى موريتانيا، وهنا يجب الاستفادة من تجارب ناجحة لدول في العالم الثالث للمؤسسة العسكرية وضع مركزي في عمليتها السياسية. هذا هو الطريق الوحيد لتطبيق تجربة ديمقراطية ناجحة في موريتانيا.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button