إنذار ودعوة.. كي لا تحنث موريتانيا mohsiab@yahoo.fr
محمد سيدي ولد عبد الرحمن*
أصدر الجنرال محمد أمره باستدعاء الموريتانيين لانتخاب رئيس للجمهورية في يوم 6 يونيو 2009، ولأن الرئيس المنتظر انتخابه سيتقدم وجوبا، قبل تسلم مهامه، لتأدية اليمين عملا بالمادة 29 جديدة من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية فإنني أنذر من يترشح للرئاسة في هذه الظروف إلى أنه يوشك أن يحنث كما أن أي مواطن يصوت لأي مترشح في الإنتخابات المزمعة ربما أعان صاحبه على حنث قد ينعكس سلبا على عدالة كل مواطني الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وربما على سلامتهم ولنا في قسامة قريش عبرة، حين أقسم ثمانية وأربعون منهم أمام أبي طالب وما حال الحول ومنهم عين تطرف.
من الثابت، أيها المواطنون، أن المادة 29 جديدة من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية تنص على ما يلي:
يتسلم الرئيس المنتخب مهامه فور انقضاء مدة رئاسة سلفه.
يؤدي رئيس الجمهورية قبل تسلمه مهامه، اليمين على النحو التالي:
“أقسم بالله العلي العظيم أن أؤدي وظائفي بإخلاص وعلى الوجه الأكمل، وأن أزاولها مع مراعاة احترام الدستور وقوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية وأن أسهر على مصلحة الشعب الموريتاني وأن أحافظ على استقلال البلاد وسيادتها وعلى وحدة الوطن وحوزته الترابية” .
كما أن الفقرة الأولى من المادة 26 جديدة من نفس الدستور تنص على أنه:
ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس (5) سنوات عن طريق الإقتراع العام المباشر .
ولأنه لا مناكرة في أن السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله أدي اليمين الدستورية بتاريخ 19 ابريل 2007 واستلم بذلك مهامه رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية لفترة رئاسية لن تنقضي قبل 18 ابريل 2012، فإن من واجب الرئيس المنتظر إن تقيد باليمين، وعزم حقا على مزاولة مهامه مع مراعاة احترام الدستور، أن ينتظر انقضاء مدة رئاسة سلفه عملا بالمادة 29 من الدستور أعلاه، وإذا لم يتريث الرئيس المنتظر حتى 18 ابريل 2012 فإنه يحنث فتكون لذلك انعكاسات سلبية على عدالة كل مواطني الجمهورية وتصبح الأيمان في هذه الدولة من قبيل أيمان مواطنتنا “فنيدة” التي ربما اشتق الناطقون باللهجة الحسانية اسمها من الفند وهو في كلام العرب الكذب.
المواطنون الطيبون الذين كان بعضهم يتهيب أيمان القضاء والإستحقاق، ويكره تأديتها ولو صادقا، سيتجاسر بعضهم ويجرؤ عليها كذبا، مما قد يجر إلى تعطيل المادة 346 من قانون العقوبات أو التوسع في تطبيق نصها:
“يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر وبغرامة من 5000 أوقية إلى 100.000 أوقية كل من وجهت إليه اليمين أو ردت عليه في المواد المدنية وحلفها كذبا.
ويمكن بالإضافة إلى ذلك أن يحرم من الحقوق المنصوص عليها في المادة 36 من هذا القانون لمدة خمس سنوات على الأقل إلى عشر سنوات على الأكثر ابتداء من تاريخ انتهاء عقوبته، ويمنع من الإقامة لمدة مساوية.”
ولا يخفى أن من دواعي حنث الرئيس في اليمين أن تكون الإنتخابات الرئاسية متزامنة مع استفتاء دستوري، ذلك أن المترشح الذي هو رئيس جمهورية محتمل يجب أن يعرف التزاماته ويعزم على مراعاة دستور محدد، لا أن يبدو وكأنه في منافسة مع القانون الأساسي أو أنه يسعى إلى صياغة دستور مطابق لهواه.
إن اليمين عهد بشري قديم والتزام مؤكد يجب الوفاء به وعندما يرى الشعب ويسمع رئيسه يقسم، دون اكتراث بما يترتب على يمينه و”الرعية على قلب الأمير”، فإن ذلك يكون مدعاة لفشو الكذب وانهيار النظام العام لما يترتب عليه من فساد وقدح في مصداقية مواطني دولة يحتاج رؤساؤها ومرؤوسوها لترميم عدالتهم المهزوزة لا إلى خلخلتها أكثر فأكثر.
وعليه فإنني، من هذا المنبر، أنذر الساعين للسلطة الحريصين على تقلدها بوجوب التشكك والتفكير فيما يمكن أن يترتب على أيمانهم: صحيح أن أولياء الأمر قد لا يعدمون بعض التأويلات البعيدة التي ربما استندوا عليها إلى حين ولربما اعتبر بعض فقهاء بلاد السيبة أيمان ولي الأمر أمام مواطنيه لغوا لا مؤاخذة فيها.. كما قد يذهب بعض الحقوقيين إلى تبني كون الرئيس المقصود في المادة 29 من الدستور هو رئيس مجلس الشيوخ (الذي لا فترة له).. وما إلى ذلك من تحايل على الإلتزامات الشرعية، لن يعدم من ينكره في الدنيا و”ستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون”.
لذلك، وكي لا تحنث موريتانيا، فإنني أدعو الجنرال محمد ولد عبد العزيز إلى أن يراجع نفسه ويغلب مصلحته ومصلحة قومه فإذا شرع لنفسه أو لأحد خاصته الرئاسة إثر الإنتخابات المزمعة وأقسم بجامع الأيمان دون اعتبار لما يترتب على يمينه فإن ذلك سينعكس عليه وعليهما وعليهم جميعا، عاجلا أم آجلا، لن يكون الإنقلاب الأخير بل كما قال السيد مسعود ولد بلخير، لن يستتب الأمر حتى ينقلب عسكري آخر على النظام و”الجزاء من جنس العمل”.. والأدهى، أيها الضابط، أنه أثناء فترة الحكم الوشيكة ستظل الدولة الموريتانية راحلة لا قرار لها بعد ما لاح ويلوح من معارضة وعقوبات ومقاطعة نحن في غنى عنها.. ولن تكون لنا، نحن معارضو الإنقلاب لأسباب مبدئية، حجة نقارع بها الإنقلاب الموالي.
وكي لا تحنث موريتانيا، أدعو السيد أحمد ولد داداه، الذي نقل البعض سماعه مؤخرا وهو يكرر مخافتا، بأن الرجوع إلى الحق حق، أدعوه إلى أن يذعن لتلك الفضيلة ويصدع بها وإلى القبول المبدئي بعودة الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الذي، مهما قيل، يعتبر الرئيس الشرعي الوحيد للجمهورية الإسلامية الموريتانية.. أدعوك يا سيد أحمد، وظني حسن بدينك ومروءتك، إلى أن تعي بأن رئاسة موريتانيا في عصمة (أو شبهة قوية لعصمة).. وما كان لمثلك أن يقبل الدخول في عصم ربما أدت به إلى الحنث أمام الله ثم الناس.
وكي لا تحنث موريتانيا، أدعو السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، إلى القبول بالعودة لمنصبه رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية للإشراف على انتخابات رئاسية تضمن لنا إشرافا دوليا ودعما خارجيا، تجتاز به الدولة المرحلة الصعبة، وتستعيد به مصداقيتها المفقودة.. ألتمس منك، سيدي الرئيس، القبول بالتنازل الطوعي عن باقي فترة رئاستك خدمة للدولة والشعب وسيكون ذلك في ميزان حسناتك بإذن الله.
وكي لا تحنث موريتانيا فتفشل وتذهب ريحها، أدعو أولياء الأمر والمواطنين إلى الإعتصام بحبل الله والوفاء بالعقود والعهود وفي مقدمتها الدستور الذي رضيه الشعب.. أدعوكم أيها المواطنون إلى أن تعلموا بأن “الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل”، وأحثكم على الإبتعاد عن الأيمان الكاذبة والوقوف في وجه سيادتها وأذكركم بقول الله تعالى:” إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ” وأذكركم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “اليمين الفاجرة تذر الديار بلاقع”، وقد أعذر من أنذر.
* محام mohsiab@yahoo.fr