مقالات

موريتانيا تغرق فمن يغيث – خطوة الانقاذ الأولى/ مصطفى أعبيد الرحمن/ ألمانيا/m.abeiderrahmane@for-mauritania.org

بينما كانت الأحلام تساور الشعب الموريتاني ببناء نظام ديمقراطي حقيقي على أنقاض أنظمة شمولية كانت قائمة، نظام ديمقراطي يسود فيه القانون ويتساوى فيه المواطنون وتتكافؤ فيه الفرص، وبينما أيضا كان أبناء هذا الشعب المشتتين في بقاع العالم المختلفة يفتخرون بالتحول الديمقراطي الحاصل في بلدهم ويسعون جاهدين للملمة آخر أوراقهم ومغادرة بلاد الغربة بسرعة والعودة إلى وطن سيكون رحيما بهم لامحالة ويحقق لهم أحلامهم في جو من العدالة والحرية والمساواة وبينما أيضا العالم العربي بأسره الذي أثقلت كاهله الديكتاتوريات المتعاقبة ولاتزال ينظر إلى تجربة موريتانيا الوليدة بكثير من الاستبشار حتى بات بعضهم يتمنى لو كان موريتانيا، بينما الكل غائص في أحلامه إذا به فجأة يقف على أسوأ خبر سمعه في حياته، إنه استلاء مجموعة من العسكريين على السلطة وإنهاء النظام الديمقراطي ومعه آمال كل أولئك. مجموعة من الجهلة لاتملك أي مؤهلات سوى البطش والتكبر والتفنن في اختلاس المال العام شاء الله أن يكون بأيديها بعض السلاح في حين غفلة من أهل البلد.

وهكذا بين عشية وضحاها تحولت موريتانيا من بلد ينظر إليه كمثال في العالم للتحول السلمي للديمقراطية إلى بلد تسود فيه شريعة الغاب ويتردى في دركات التخلف والدكتاتورية. من بلد كانت الآمال فيه معقودة إلى بلد يصارع أهله من أجل النجاة من بطش طغمة عسكرية قد أغلظت الكلام واستلت البنادق. من بلد كان يتجه إلى نظام جمهوري يمكن أن يصل فيه كل فرد بمجهوده إلى القمة إلى بلد يسبح بحمد جنرال مقال طائش متعطش للسلطة ولو كلفه ذلك إزهاق الأرواح حسب ما يقول.

واليوم وبعد أن أصبح البلد رهينة في يد تلك المجموعة بقيادة الجنرال المعزول محمد ولد عبد العزيز تفعل به ما تشاء تحول كل شيئ إلى سواد وبات الاعتداء على الناس في أموالهم وأعراضهم وأنفسهم سمة غالبة. وفي هذا اليوم(19 أبريل) خرجت نسوة من أشراف هذا البلد للتعبير عن رفضهن لهذا الوضع الخطير فأرسلت مجموعة الانقلابيين الفاشلة فرقة من شرطتهم ومن حثالة البشر لاتقيم للدين ولا للأخلاق وزنا لتعتدي عليهن بالضرب والركل وتتركهن ما بين جريحة مغمى عليها وأخرى عارية من الثياب. والعجب أن كل هذا يحدث في بلاد الشناقطة أهل المروءة والكرم.

إن ما دعانا لكتابة هذا المقال هو هذا التردي الخطير للوضع في البلد حتى بات كالغريق الذي مايلبث أن يهلك. ونقدم هنا ما نحسب أنه هو الخطوة الأولى لإنقاذ موريتانيا والتي لايمكن حسب تصورنا أن يتحقق أي نجاح يذكر دون الأخذ بها أولا. والكلام هنا سيكون موجها إلى أشراف هذا البلد الذي يتعرضون للظلم والبطش وتضرب نساؤهم وتصادر آراؤهم. ويأتي في مقدمة هؤلاء كل المنضوين تحت لواء منسقية القوى الديمقراطية وحزب تكتل القوى الديمقراطية ومن يشاطرهما العمل على إفشال انقلاب السادس من أغسطس على الشرعية وخيار الشعب وإعادة النظام الدستوري للبلد، وسنسميهم هنا بالقوى الحية في البلد.

على هؤلاء جميعا أن يضعوا خلافاتهم جانبا وأن يتحدوا في صف واحد لمواجهة المشروع الانقلابي الرجعي بمشروع تحرري تكون فيه الكلمة للشعب وللشعب فقط. على الإسلاميين واليساريين والقوميين وما بين ذلك أن يعلموا أن موريتانيا يسود فيها نظام دكتاتوري لن تحقق لأحد منهم مصالحه مهما كانت وأن لامناص من ترك الخلاف والعداوة جانبا ثم العمل سوية لإرساء نظام ديمقراطي حقيقي يتوجه بعده كل إلى الشعب ببرنامجه الإصلاحي الذي يراه مناسبا.

إن الخطوة الأولى التي يجب أن يتم اتخاذها في طريق إنقاذ موريتانيا هي أن نوصل الحقيقة كاملة إلى الشعب الموريتاني ليتحرك بعد ذلك عن وعي وليحدد خياره عن وعي. والعالم اليوم يفرض علينا استغلال وسائل الإعلام للقيام بذلك والتي تصل إلى الفرد الموريتاني في كل مكان. وإذا نظرنا إلى ماهو متوفر منها في البلد نجد أنه محتكر من قبل الزمرة الانقلابية ومستغل من قبلها أسوأ استغلال. فالتلفزيون والإذاعة واللذين هما مصدر الأنباء لدى أكثر من 90 في المائة من الشعب موجهان من قبل الانقلابيين لخدمة أجندتهم المفسدة والفاسدة وترويج مشروعهم الخطير على أمن واستقرار البلد.

إن على القوى الحية في البلد أن تؤسس مؤسسة إعلامية يكون مقرها في فرنسا وتتألف أساسا من تلفزيون وإذاعة يستقبل بثهما على سائر التراب الوطني. ويجب أن يكون عقد التأسيس واضحا ومحددا لكل أهداف المؤسسة ووسائلها حسما للخلاف وأن تكون إدارة المؤسسة بالتناوب بين الأطراف المشاركة فيها. وإذا كانت هناك إرادة صادقة فإن هذه المؤسسة يمكن أن تطلق أولى ساعات بثها في أقل من شهر من الآن.

وبالنسبة للطاقم العامل في هذه المؤسسة فيمكن اختياره بالتساوي بين كل الأطراف ويجب أن يكون مرتكزا على المقيمين في فرنسا حيث أن المؤسسة ستواجه بقمع كبيرمن الانقلابيين في الداخل.

ومن خلال هذه المؤسسة سيتمكن الشعب الموريتاني من فهم ما يدور حوله وتصله الصورة الحقيقية للوضع الذي يعيشه وحينها وعندما يدعى إلى مسيرة أو مظاهرة للدفاع عن حقوقه وعن خياره سيخرج عن قناعة وبمئات الآلاف غير آبه بشرطة الانقلابيين الهمجية وما لديها من حثالات البشر والفاشلين في الحياة والحاقدين على الناس. وحينما يدعى للدفاع عن قوته ومحاسبة المفسدين الحقيقيين وسرقة المال العام من أمثال الانقلابيين وشرطتهم الهمجية وغيرهم ستكون له القدرة على ذلك بلا شك.

أما إذا اختارت القوى الحية الآن في موريتانيا عدم تلبية خطوة الإنقاذ الأولى هذه واكتفت بعقد مهرجان هنا ووقفة احتجاجية هناك ولا شك أن في كل خير، فإن ذلك لن يفيد أبدا حيث أن سيطرة الانقلابيين الإعلامية تفسد كل ذلك وتترك الشعب معزولا عن قادة الرأي فيه وعن أبناءه المخلصين له وعن جميع قواه الحية.

وفي هذه الحالة فإننا نوجه النداء هنا إلى رجال الأعمال المخلصين في البلد وخاصة أولئك منهم الذي ليست لديهم مصالح كبيرة في البلد يخشون عليها. فهؤلاء بإمكانهم تبني مشروع من هذا القبيل وتقديم خدمة جليلة إلى شعبهم وإلى بلدهم.

ويمكن أيضا للجاليات الموريتانية المقيمة في الخارج أن تكون هي صاحبة المبادرة وأن تتداعى من أجل مصلحة بلدها وأن تتفق في مابينها لتأسيس هذه المؤسسة التي نحسب أنها ستكون فاتحة خير على موريتانيا كما أنها ستكون مثلا يحتذى في باقي الدول التي لاتزال تئن تحت وطأة الأنظمة الشمولية والدكتاتورية في عالمنا العربي والإسلامي. وهنا يمكن أيضا للجاليات في الخارج التعاون مع نظيرتاها من الدول الأخرى التي ستكون لها أيضا مصلحة في إنجاح هذا المشروع.

وهنا يبقى السؤال المطروح ما هي التكاليف التي ستغطي مشروعا كهذا وحتى لايبقى كلامنا فقط مجرد كلام فإننا نقدم هنا بعض المعلومات الأولية التي تخص الموضوع في ما يتعلق بتكاليف البث. أما تكاليف الطاقم البشري فيمكن تحديدها عندما تكون هناك إرادة جدية لتنفيذه ونحسب أن هناك الكثيرين من أبناء الموريتانيا المخلصين سيتطوعون لصالح بلدهم ومن أجل إنقاذه.

وقبل الحديث عن تكاليف البث فإن هناك عدة خيارات أولية لتحقيق المشروع.

أولا: تلفزيون وراديو

يمكن أن يكون هناك تلفزيون يبث بالصوت والصورة عبر أحد الأقمار الإصطناعية التي تغطي موريتانيا مثل عرب7 وبدر4. ثم يبث الصوت بعد ذلك فقط(راديو) عبر الأمواج قصيرة المدى ليتم التقاطه على سائر التراب الوطني.

ثانيا: راديو فقط

يمكن أن يكون هناك راديو (فقط الصوت) يبث عبر الأمواج قصيرة المدى ويتم التقاطها أيضا على سائر التراب الوطني وهنا يستحسن أيضا أن يتم البث عبر أحد الأقمار الإصطناعية حتى يمكن إلتقاطه عن طريق التلفزيون لأن الكثير من الموريتانيين خاصة المقيمين منهم في المدن الكبيرة نادرا ما يستخدمون أجهزة الراديو.

تكاليف البث:

حسب معلومات تم الحصول عليها من إحدى الشركات الفرنسية العاملة في المجال فإن التكاليف يمكن حصرها تقريبا كما يلي:

إذاعة تبث عبر بدر4 ستكلف سنويا ما بين 25 ألف إلى 35 ألف يورو.

تلفزيون يبث عبر بدر4 أو عرب7 سيكلف حوالي 365 ألف دولار في حالة إبرام عقد لمدة سنة واحدة و345 ألف دولار في حال إبرام عقد يمتد لثلاث سنوات.

وإذا ما خفضت ساعات البث إلى ثلاث أو أربع ساعات في اليوم فإن التكاليف ستنخفض أيضا بشكل كبير جدا.

وقبل أن نختم فإنه لابد من التدليل على أهمية الدور الإعلامي والذي لاشك أن الكل يدرك مدى تأثيره في عالم اليوم ومن أجل تأكيد ذلك فإننا سنورد هنا بعض الأمثلة التي يمكن أن نقدمها للشعب الموريتاني لتكون الصورة واضحة لديه فيما يتعلق بالطغمة الانقلابية والتي يقودها الجنرال المعزول محمد ولد عبد العزيز الذي ما فتئ يتشدق بمحاربة الفساد وبالسعي للاصلاح.

مثال1: برلمانيو الانقلابيين ينهبون 24 مليون في أقل من ساعة

وقد حصل ذلل عندما طالب برلمانيو الانقلابيين يوم 23-10-2008 خزينة الدولة بدفع مبلغ 24 مليون أوقية كمتاعب عن جلسة تحقيق دامت أقل من ساعة عقدوها مع حرم رئيس الجمهورية.

إذا قدمت هذه المعلومة للشعب الموريتاني، هل سينطلي عليه بعد ذلك المفسد من المصلح؟؟

مثال2: الجنرال المعزول يستقبل لصا دوليا معروفا في القصر الرئاسي

حصل ذلك عندما قدم اللص الدولي المعروف والإفواري الجنسية “مصطفى توري” منصف أكتوبر 2008 نفسه للانقلابيين على أنه رئيس مرصد دولي لحقوق الإنسان فاستقبله الجنرال وتم دفع مبلغ 50 ألف يورو(أكثر من 16 مليون أوقية) له من أجل إضفاء الشرعية على الانقلاب الفاشل. وقد اختفى مباشرة بعذ ذلك وترك الانقلابيين ينتظرونه في مؤتمر صحفي.

إذا قدمت هذه المعلومة للشعب الموريتاني، هل سينطلي عليه بعد ذلك المفسد من المصلح؟؟

مثال3: الانقلابيون يصرفون مئات الملايين من الأوقية لتلميع أفرادهم

حدث ذلك عندما أقدمت الطغمة الانقلابية على الترويج لأفرادها في كبريات الصحف الفرنسية حين دفعت مبلغ 500 ألف يورو لصحيفة لبوينت يوم 22 يناير 2009، وبعد ذلك بأيام قليلة 100 ألف يورو لصحيفة لفيغارو. كل هذا يقع والشعب الموريتاني بالكاد يجد قوت يومه.

إذا قدمت هذه المعلومة للشعب الموريتاني، أتراه سيبقى ساكتا مستكينا لجلاديه؟؟

مثال4: شرطة الانقلابيين تعتدي على قادة الرأي والرموز السياسية في البلد ومنتخبي الشعب

حدث ذلك في مسيرة الجبهة المنظمة بتاريخ 02-04-2009 حيث قامت شرطة الانقلابيين بالاعتداء على رئيس البرلمان وبعض النواب المنتخبين من قبل الشعب وبعض قادة الأحزاب الهامين في البلد. وقد أصيب بعض هؤلاء بجروح.

إذا قدمت هذه المعلومة للشعب الموريتاني، أتراه سيبقى ساكتا أم أن المروءة ستتحرك فيه وسينتصر للحق؟؟

مثال5: شرطة الانقلابيين تعتدي على نساء وبرلمانيات بالضرب الشديد

حدث ذلك في وقفة احتجاجية نظمتها نسوة الجبهة والتكتل أمام مقر الأمم المتحدة في العاصمة نواكشوط يوم 19 أبريل 2009. وفي سابقة خطيرة تدل على تدني مستوى أخلاق الانقلابيين وهمجيتهم وانعدام المروءة لديهم أمروا شرطتهم بضرب النساء والاعتداء عليهن وأرسلوا لذلك مجموعة من أقل الناس أخلاقا وأكثرهم نذالة.

إذا قدمت هذه المعلومة للشعب الموريتاني، أتراه سيبقى ساكتا أم أن المروءة ستتحرك فيه وسينتصر للحق؟؟

تلك كانت مجرد أمثلة قليلة من كثير لو تم تقديمه للشعب المرويتاني على حقيقته لكان قد انتفض منذ زمن وأنهى المشكلة وأخذ زمامه بيده ولما تجرأ الجنرال المعزول على مخاطبته له وادعاءه أنه جاء لمحاربة الفساد ومن أجل الإصلاح.

m.abeiderrahmane@for-mauritania.org

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button