مقالات

محمد كريشان :أزمة الحكم الجديد في موريتانيا *

إعلان باريس أمس الأول عدم اعترافها بالحكومة الموريتانية التي شكلها المجلس العسكري الحاكم في موريتانيا موقف لا يمكن إلا أن يزيد في عزلة حكام نواكشوط الجدد الين وصلوا السلطة في السادس من الشهر الماضي إثر انقلاب عسكري أطاح بحكم الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، ففرنسا الشريك التجاري الأول للبلاد و الذي أدان الانقلاب بعد أربعة أيام من حدوثه، مما اعتبر وقتها أمرا مثيرا لبعض التساؤلات و الشكوك، تبدو اليوم حريصة على مزيد تصليب رفضها لما حدث في موريتانيا مما يجعلها تدريجيا القاطرة التي تقود الموقف الدولي برمته في هذا الشأن. باريس التي اعتبرت تشكيل العسكريين لحكومة مدنية ضمت مؤيديهم من الأحزاب و المستقلين ‘أمرا يفتقر إلى الشرعية (…) على غرار مجموع القرارات التي اتخذها المسؤولون العسكريون الذين استولوا على السلطة، و خصوصا الإطاحة برئيس الجمهورية’ و طالبت ب ‘العودة إلى النظام الدستوري’ و’الإفراج الفوري’ عن الرئيس المخلوع و الخاضع حاليا للإقامة الجبرية في نواكشوط، تبدو اليوم متحكمة بدرجة كبيرة في إيقاع المواقف الدولية الخاصة بالوضع المستجد في موريتانيا بعد أن لعبت دورا بارزا في إدانة مجلس الأمن الدولي في 19 أب/أغسطس للانقلاب و مطالبته بعودة المؤسسات الشرعية.
في الأيام الأولى للانقلاب ساد اعتقاد لدى كثير من الموريتانيين بأن المجموعة الدولية، و فرنسا أولها، ستهضم تدريجيا ما حصل و أن الإدانات الواردة من أكثر من عاصمة لن تلبث أن تفتر و تلين كما حدث بعد انقلاب 3 أغسطس 2005 على حكم معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، بل إن حاكم البلاد الجديد الجنرال محمد ولد عبد العزيز لم يتردد في أول لقاء تلفزيوني له، بعد ما اعتبره ‘حركة تصحيحية’ اضطر إلى الإقدام عليها، في التقليل من أهمية هذه الإدانات بل و ألمح إلى نوع من التفهم يحظى به من دول الجوار العربي و الإفريقي و هو ما لم يترجم، إلى حد الآن على الأقل، في مواقف أو مبادرات يمكن النظر إليها من هذه الزاوية إن لم يكن العكس هو ما حصل من دولة مثل الجزائر مثلا. و مع أن هيئات مثل الجامعة العربية لم تتخذ موقفا حازما مما حدث في موريتانيا و ذهبت إلى حد اعتبار أمينها العام عمرو موسى في مقابلة صحفية بأن ما جرى لم يكن انقلابا بالمعنى المتعارف عليه عادة، و مع أن الاتحاد الإفريقي لم يفعل أكثر من تجميد عضوية موريتانيا انسجاما مع مقررات له سابقة تقضي برفض الاعتراف بأي انتقال غير ديمقراطي للسلطة في إحدى دوله، فإن ذلك يفترض ألا يفهم منه حكام موريتانيا الجدد على أنه تقاعس يبرر لهم المضي في خططهم غير آبهين ففرنسا التي أوقفت مساعداتها إلى موريتانيا باستثناء الإنسانية و كذلك الولايات المتحدة التي جمدت تعاونها العسكري هي التي يفترض أن تأخذ في الاعتبار أكثر من غيرها إلى جانب إسبانيا المستعمرة السابقة، فضلا عن أن مهمة ‘محاربة الإرهاب’ في تلك المنطقة من إفريقيا التي يعول عليها،على ما يبدو، حكام موريتانيا الجدد لجذب التأييد الدولي لهم و الأمريكي تحديدا قد لا تكون تعويلا في محله بالنظر فقط لتجربة باكستان الأخيرة و حكم برفيز مشرف ليس أكثر. الحوار الوطني الذي يسعى إليه الموريتانيون حاليا هو السبيل الوحيد للعثور عن حل ما للخروج من الأزمة الحالية ففرنسا و الولايات المتحدة و بعد أن يفرغان من ملفات أكثر إلحاحا أمامهما الآن سيلتفتان أكثر إلى دول مثل موريتانيا و من الأفضل أن يسعى المجلس الأعلى للدولة إلى العثــور على مخرج له من الورطــة التي وقع فيها قبل هذا الموعد.

*القدس العربي

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button