مقالات

القوميون الموريتانيون و”غسل العار”

من ينظر للساحة السياسية الموريتانية يدرك بجلاء أن التيار القومي في موريتانيا مات رحمه الله، ولكن الغريب أن أحدا من هؤلاء “المؤمنين” لم يقرأ الفاتحة على روح التيار، ولم يكلف نفسه حتى عناء نعيه، كما أن الغريب أن تبقى “جثث” هذا التيار تتحرك دون أن تثير ولو ما يثيره عالم الأشباح في مخيلة البعض.

انتهت الحركة الناصرية وانتهى البعثيون وانتهى القوميون العرب حتى داخل الأدبيات الصحفية لم يعد للقوميين حضور ولو من باب إثارة الماضي.

الناصريون الذين امتلكوا قبل عقد من الزمن ما يوصف في دوائر الأمن بأوسع قاعدة شعبية، واختلقوا حراكا هناك أو حراك هنا آل مصيرهم إلى “سماسرة” قلائل على مائدة مسعود ولد بلخير يتاجرون به ويتاجر بهم.

لا يوجد في البرلمان منهم غير الخليل ولد الطيب الذي وصل هذا المنصب بأصوات مجاملين لا غير.

أما البعثيون الذين تفاخروا قبل عقد من الزمن أيضا بأنهم يملكون أربعة آلاف “إطار”، فلا يبدو للمتابع للساحة، إلا أن هذه الأربعة آلاف إطار هي إطارات ابلاستيكية مهترئة لا تصلح لحمل عربة أي حمار أحرى دفع “آلية” ذات شأن.

وعليكم نسيان حكاية اختراق الأمن والجيش بأجنحة عسكرية نائمة مثل الأساطير عن “جناح خالد2″ و”جناح القعقاع” وغيرها من مسميات ذات وقع موسيقي جميل.

بعد “الطليعة” و”النهوض”، جاء “الصواب” ليثبت أنه حزب من الدرجة “الصفرية” يوفر مكانا لمجموعة من العاطلين عن العمل يقتلون وقت الفراغ الممل بالاستماع لمحاضرات عبد السلام ولد حرمة، الأستاذ الجامعي المتخصص في الغناء التراثي المكرور.

لم يستطع التيار القومي بشقيه “الناصري والبعثي” حتى أن يستفيد من أسلوب الحركات الأيديولوجية الأخرى في عملية التحول التي مارستها خلال السنوات العشرة الأخيرة.

فقد استطاع الإسلاميون واليساريون أن يبنوا أولا حركة فاعلة على شبكة الانترنيت، هذه الحركة الافتراضية أعطت نتائج عجيبة إذ أصبح التياران يتمتعان بإعلام قوي يلجأ إليه الكل ليستفيد أو لينجو.

بعد ذلك استغل الإسلاميون واليساريون، على قلتهم، البناء الإعلامي الشامخ ليحصلوا على جمهور محدود ولكن على مردود مادي سخي من الداخل والخارج الذي بات يتصور أن الإسلاميين الموريتانيين بالفعل تمكنوا من تحويل المجتمع الموريتاني إلى “مجتمع طالباني”، وأن اليساريين تمكنوا من تحويل مجتمع بدوي متخلف إلى “مجتمع شيوعي” منفتح.

لم ينتبه القوميون إلى مصدر المال الذي يشكل أكسجين أي حراك سياسي وحتى انتخابي.

استغل الشيوعيون نظرية المصلحة فتزوجوا سرا وعلانية بكل الحكومات الفاسدة التي تعاقبت على حكم البلاد، وشكلوا من ذلك “رأس المال” الضروري للاستمرار في البقاء السياسي.

أكل الشيوعيون كل خزائن البلد على مدى خمسين عاما، بذروا أموال المواطنين الفقراء، وأشاعوا ثقافة الارتزاق والتصفيق، والانحلال الخلقي، وسياسة فرق تسد، ومع ذلك خرجوا “أبطالا” يرفعون شعارات الحرية والديمقراطية والدفاع عن الوطن والحق في الحياة الكريمة، وقادوا النقابات والأحزاب واستولوا حتى على الحوزات الصوفية.

أما الإسلاميون فقد أكلوا أموال الشعب الموريتاني أيضا وإن كانت هذه المرة الأموال القادمة من “الخارج” على شكل هبات وصدقات وزكاة لبناء المساجد وحفر الآبار وإعالة اليتامى والأرامل.

لكن القوميين الموريتانيين الفاشلين بدرجة مذهلة، لم يستطيعوا التكيف مع أي نظام ولا حتى مع حركة المجتمع والاقتراب منه بقدر يسمح لهم باستعطافه عند الضرورة.

لقد تغاضى هؤلاء عن نظم التسيير السيئة فيما كان منافسوهم على رأس من يستمتع بالفساد ويتغنى بمحاربته.

وإذا كان القوميون قد وجدوا في رحيل نظام البعث في العراق وامتناع “الأخ” القذافي عن تخريج الصدقات على أساس الهوية، معطنا لتثبيط الهمة، فلم يملكوا الجرأة أو على الأصح الإرادة للتكيف مع الظروف والواقع والاعتماد على أساليب الاستغلال الأمثل للفرص وما يتيحه الداخل من تمويل عبر تحالفات رصينة ومدروسة وذات أبعاد وطنية.

ليس هناك اليوم أي جهد دون إعلام، ولا أي نجاح، بل إن الإعلام في هذا العصر هو كل شيء، ومن فقد مساحة في الإعلام فكأنما فقد حقه في الحياة.

إن الإعلام هو الوسط الطبيعي الجديد للحياة في زمن “الغوغلة”، نسبة إلى محرك البحث “غوغل”، وذلك لأي مشروع أيا كانت طبيعته.

عنوان الفشل الأبرز للقوميين الموريتانيين هو هذا ال”الموت الإعلامي” الخطير.. رغم سهولة وانعدام تكلفة وسائل الإعلام الحديثة إذ لا يسيـّـر القومين لا جريدة ولا موقع ألكتروني ولا حتى مدونة يخدمون بها هذا البلد وشعبه وأهدافه الفوقية.

فأين يا ترى تلك الأقلام الساخنة لغويا على الأقل.. ولماذا تكسرت بهذه السهولة…؟ رغم أن مستكتبي الأطراف المنافسة لم يستطيعوا خلق قلم واحد محترم، بل لا تتجاوز حصيلتهم مجموعة من راصفي الكلمات المتقاطعة، أو مجموعة من هواة “نسخ ولصق”، أو مجموعة متخصصة في الإعلام “الشائعاتي” الفاجر.

هذا الغياب ترك الساحة المحلية لتيار إسلامي بات منبطحا وخافض الرأس بحياء للأطروحات الخطيرة عندما مثلا ننظر إلى موقف بعض منظري التيار من حقوق الأقلية الزنجية في فر ض تدريس اللغة الاستعمارية الفرنسية. وعندما “مثلا آخر” ذهب الإسلاميون الموريتانيون للدخول في حكومة مطبعة مع العدو الصهيوني.

لماذا ينجر الإسلاميون الموريتانيون إلى هذه المواقف؟ لأنهم يسعون لانتزاع جمهور انتخابي من صف الطابور الخامس. ولأنهم لا يخافون رادعا محليا أو منافسا سيحرجم على الأقل أمام الرأي العام.

كما ترك هذا الغياب المجال مفتوحا أمام “الإعلام المخنث” الذي ابتدعه تلامذة بدر الدين المنضويين تحت تنظيم “ضمير ومقاومة” (اليسار الجنسي)، والذين يقيمون الدنيا ويقعدونها إذا تطاير الغبار على بظر بغي لكنهم لا يعزون الشعب الموريتاني في وفاة الشيخين عدود وبداه.

إن المقال السنوي لمحمد يحظيه ولد أبريد الليل لا يغسل هذا العار، كما أن طفشات أطفال النسخة المحلية من اللجان الثورية لا تصل حتى لمستوى القراءة المسلية.

أما الأساتذة الجامعيون والكتاب والشعراء الذين يحفظون الود للخليل ولد الطيب، فالظاهر أنهم أصبحوا أفضل في كتابة “التوصيات” والعيش كالطفيليات الخاملة على هامش المجتمع وحركة الحياة السياسية والإعلامية.

لماذا لا يقاتل القوميون على احتلال الوظائف، وعلى نيل حصتهم من التعيينات في الدولة، تلك البقرة الحلوب؟ ومن خلال ذلك يرفعون نسبة التوظيف في صفوفهم وفي صفوف المتعاطفين معهم ومن يخدمون مشروعهم؟ وقبل ذلك يخدمون البلد. ولا يتركونه لحفاري القبور.

وما هو الثمن الذي يقبضه القوميون من دعم الأنظمة؟ وهذا النظام “السريالي” بالذات. الذي دعموه، أو ربما اختلقوه.

هل تم الاكتفاء بمنصب شكلي كرئيس مجلس إدارة لا يجتمع إلا سنويا..؟..

ولماذا هذه القطيعة “الاستوائية” مع نخبة وحتى مواطني الأقلية الزنجية في البلاد؟.. لا يريد منهم أحد أن يأكلوا “الكوره”، لكن يريد منهم الاقتراب من مجموعة وطنية حتى لا تبقى فريسة للذئاب الحضارية.

ولماذا لا يستغل القوميون الموريتانيون هذه العروبة العفوية أو الفطرية في نفوس مواطنيهم؟.

ولماذا..؟. ولماذا..؟ لست أدري.

– بن ولد

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button