مقالات

امرأة تقاوم انقلابات العسكر بالغناء/ محمد صادق دياب

امرأة تقاوم انقلابات العسكر بالغناء!

الشرق الاوسط

في منتصف التسعينات قمت برحلة صحافية إلى موريتانيا، إبان حكم الرئيس معاوية ولد الطايع، أجريت خلالها حوارات مع عدد من الشخصيات الموريتانية البارزة، ومن هذه الشخصيات الفنانة، والنائبة البرلمانية ـ بعد ذلك ـ المعلومة بنت الميداح، وكنت التقيت بها في منزل الزميل الصحافي عبد الله ولد محمدي، وكان من المفترض أن تغني في تلك الليلة لضيوف «ولد محمدي»، وضيوفها من الإعلاميين، لكن اهتمامها بالشأن السياسي الموريتاني دفعها إلى تحويل تلك الليلة إلى ليلة سياسية بامتياز بدلا من أن تكون فنية، والموريتاني سياسي بالفطرة: الفنان، سائق التاكسي، نادل المطعم، موظف الاستقبال بالفندق، عامل المتجر، بائع التحف، مفتش الجمارك، وكل من له عينان ورأس يهتم هناك بالسياسة كما يفعل غيره من الناس، لكن اهتمام بنت الميداح يتجاوز اهتمام الآخرين والأخريات، فهي مسيسة من رأسها إلى أخمص قدميها في بلد للمرأة فيه مكانها ومكانتها، وطمحت فيه ـ أي المرأة الموريتانية ـ إلى الوصول إلى كرسي الرئاسة في انتخابات 2003، حينما رفعت المرشحة عيشة بنت جدان شعارها الانتخابي «جربتم الرئيس فجربوا الرئيسة»، وخلال عقدين من الزمان أوجدت المعلومة بنت الميداح للأغنية السياسة جمهورا و«سميعة»، ونافست بها الأغنية العاطفية التقليدية، التي تتحدث عن هجر الحبيب، وتستجدي وصاله، وهي على هذا النحو رائدة الأغنية السياسية ليس في موريتانيا فحسب، بل في العالم العربي بأكمله، فعبر الأغنية السياسية كانت تقاوم الانقلابات في بلادها، ومصادرة خيارات الشعب، وتعتبرها حالة مرفوضة، وتقف بالأغنية السياسية ـ كما تقول ـ في وجه الخديعة التي تعاني منها الطبقات الضعيفة وشرائح الشعب الفقيرة التي تنخدع مع كل تغيير سياسي لتجد أنه في النهاية لا يلامس أحلامها.

الأهم في كل ما صرحت به المعلومة بنت الميداح لصحيفة «الشرق الأوسط» إعلان اعتزالها الأغنية السياسية، فهل يئست هذه المرأة الثائرة المتمردة من تعديل مزاج العسكر الانقلابي في بلادها بالغناء فرغبت أن تقول كلمتها الأخيرة عبر أغنية مطلعها: «إن الشعب جرب حكم الجيش المحض، وحكم الجيش المقنَّع برموز مدنية، وإنه الآن أصبح بحاجة إلى حكم مدني يعيد إلى البلاد هيبتها وإصلاحها»؟ لعلها.

m.diyab@asharqalawsat.com

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button