مقالات

الديموقراطية والإرهاب

بقلم : عبد الله اسكندر ـ الحياة

عندما يدعم نواب منتخبون، في نظام جمهوري ديموقراطي، انقلابا عسكريا أطاح رئيسا منتخبا، يجدر التساؤل عن معنى الديموقراطية وشروطها وآلياتها. ما حصل في موريتانيا ليس حالاً استثنائية في العالم العربي. لقد سبق ان اطاح ضباط نظما قائمة. وفرضوا حكمهم الذي اوجدوا له صيغا تختلف من بلد الى آخر. لكنها كلها تتشارك في إبقاء كلمة الفصل في قضايا البلاد للمؤسسة العسكرية. خصوصاً عبر الأحكام العرفية التي هي في جوهرها الغاء للدستور ودولة القانون والشرعية الانتخابية.
وفي كل الحالات، موريتانيا حالياً وقبلها بلدان أخرى، يقدم الضباط حجة انهاء الفوضى وارساء الاستقرار لتبرير فعلتهم واستمرارها. وما بدا من رد عربي على الانقلاب الموريتاني الأخير، خصوصاً مهمة موفد الجامعة العربية الى نواكشوط، يظهر قلة الحساسية ازاء مسألة الشرعية الانتخابية. وهي قلة حساسية ظهرت في مناسبات سابقة، لكن تبريرها الدائم هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير. لكنها في الواقع تعبير عن عدم الرغبة في لفت النظر الى الذات، ما دامت هذه الذات عرضة للتساؤل عن الفعلة ذاتها. ومَن بيته من زجاج لا يرشق الآخرين بالحجارة.
وتبدو الديموقراطية، في هذا المعنى، مجرد تسمية لتبرير الاستمرار في الحكم، وليس آلية لتنظيمه وخضوعه للمحاسبة. فالنظم العربية الانقلابية أو وريثة الانقلابيين مضطرة، على رغم استنادها الى قوة المؤسسة العسكرية، الى البحث عن قاعدة شعبية لا تجدها الا عبر توزيع مغانم الحكم. ولذلك تتشارك هذه النظم بالفساد المنظّم الذي يبتلع موارد الدولة ويحول دون أي خطة تنموية جديدة من جهة. ويحول من جهة ثانية، بفعل القوانين الاستثنائية، دون بروز قوى بديلة. فتبقى المعارضات السلمية في حال رثة، وعاجزة عن اي تأثير في مسار الحكم والقرار. لتعيش البلاد في حال فقر مادي، بغض النظر عن مواردها، وفي فقر سياسي وانسداد الأفق امام من لم يدخلوا الحلقة الزبونية، سواء من متعاطي السياسة (نواب ووزراء وكبار الضباط والموظفين) أو من متعاطي الاعمال الذين لا تروج اعمالهم الا بفعل الحماية الرسمية وليس بفعل المنافسة والانتاجية.
هذا الواقع الذي يعاقب المعارضات العلنية السلمية يشجع في ذاته المعارضات السرية العنيفة. وهنا يدخل البلد في دوامة الحاجة الى الحفاظ على الاستقرار من خلال مواجهات الارهاب الذي تمارسه هذه المعارضات التي هي في معظمها اصولية.

وقد يسعى النظام، عبر اجهزته، الى غض الطرف عن بعض هذه المعارضات لتبرير تشديد قبضته على الدولة والمجتمع وحصر مفاعيل السيرورة الانتخابية. كما ان بعض المعارضات، خصوصا الاسلامية، تتعامل مع العنف والارهاب على نحو ملتبس وعلى حافة الهاوية، من خلال تصور يقوم على ان النظام سيحتاج اليها ويدخلها في جنته، سواء لأنها بديل سلمي او لقدرتها على التأثير في لجم العنف.
وفي كل هذه الحالات لم تنجح اي من الوصفات التوليفية في التوفيق بين مواجهة الارهاب وبين تعميق الممارسة الديموقراطية. لأن الغرض من هذه «الديموقراطية» هو تبرير استمرار النظام، وتاليا الغرق في مشكلاته المتزايدة، وليس وسيلة لمعالجة الأزمات المتراكمة، اقتصاديا ومعيشيا وسياسيا.

مواضيع مشابهة

تعليق

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button