حكومة “الجيل الثالث” في موريتانيا ” تحليل “
شكل الأسبوع السياسي في موريتانيا مجالاً واسعاً للأخذ والرد في موضوع أولى حكومات عزيز بعد انتخابه، إذ فاجأت التشكيلة الوزارية الجديدة التي يترأسها مولاي ولد الأغظف الشارع والمراقبين والقوى السياسية على حد سواء نظرا لتركيبة هذه الحكومة ونوعية الشخصيات المشاركة فيها، الأمر الذي خلط أوراقا كثيرة في بلد لا تترك فيه “العواصف” فرصة لاستقرار الأوراق.
الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز فاجأ الجميع بحكومة لم تكن في الحسبان بأي حال من الأحوال، فخرجت عن المقاييس التقليدية في حكومات البلد، وخرجت عن اتجاه التوقعات من حيث الوقائع التالية:
1- إنها لم تتضمن وزيرين من قبيلة واحدة عكس الحكومات السابقة التي كانت بعض القبائل تحظى فيها بعدة وزارات وهو ما كانت تشكو منه القبائل الأخرى الطامحة للنفوذ في أجهزة الدولة.
2- إنها حكومة لم تتضمن أي وجه أيديولوجي معروف، لا ناصري، ولا بعثي، ولا إسلامي، ولا يساري، وهذه الحركات كانت تقيس مسافتها من النظام بعدد وزرائها في الحكومة.
3- إنها حكومة ضمت لأول مرة في تاريخ البلاد 6 وزيرات بينهن أول وزيرة خارجية عربية.
4- إنها حكومة ليس للرأي العام والشارع بالخصوص أي مأخذ متعلق بالتسيير على أي من أعضائها.
5- إنها حكومة ضمت رئيس وزراء وعشرة وزراء في حكومة الانقلاب، فيما كان متوقعا أن يعصف عزيز بجميع الطواقم السابقة. وقرأت هذه الملاحظة هنا على أنها وفاء من الرئيس للذين لم يرتكبوا أخطاء في التسيير. فيما اعتبرتها المعارضة رمزا لاستمرار الانقلاب، وتنبأت بفشلها في التغيير.
6- إنها حكومة ضمت تمثيلا ضعيفاً ل “الحراطين” (العرب السمر) والذين مثلوا ب 3 وزراء فقط، بينما يشكلون نسبة كبيرة من سكان البلاد، ويعتبرون الشريحة الأكثر فقراً من بين جميع مكونات المجتمع العربي الموريتاني.
7- إنها حكومة ضمت لأول مرة 7 وزراء من الأقلية الإفريقية التي تمثل 16% من سكان البلاد، وقرأ هذا الإجراء على أنه مكافأة من عزيز لقيادات الحركة الإفريقية الموريتانية على قبولها وسعيها معه لتسوية ملف الإرث الإنساني المتعلق بقتل واضطهاد أفارقة البلاد إبان عهد ولد الطايع، وهو الملف الذي باشر عزيز تسويته فور قيامه ب “حركة التصحيح” (الانقلاب) في الثامن من أغسطس/آب 2008.
فعزيز بهذه الخطوة يسعى لسحب ملف “المزايدات” الخارجية والداخلية عن الملف العرقي في البلاد والذي طالما شكل فرصة لمغادرة البطالة السياسية من طرف عشرات الشخصيات والمنظمات والقوى في الداخل والخارج.
8- إن تشكيلتها جاءت من طواقم حملة عزيز في الانتخابات الماضية واعتبرت “حكومة مكافآت” بينما حرمت المعارضة من هذه الحكومة حتى المعارضة التي اعترفت بنتائج الانتخابات، ولوحت باستعدادها للدخول في الحكومة.
ومع ذلك فإن التشكيلة الحكومية الحالية لا يعتبر أعضاؤها من وزن انتخابي مهم، بل إن كثيراً منهم يصنف ضمن المغضوب عليهم من طرف القاعدة الانتخابية في قبائلهم أو مقاطعاتهم أو ولاياتهم.
وهنا لا يعدو المستمع في صالونات نواكشوط أن يسمع أكثر من الهمس حول عدم رضى القوى التي تمثل الناخبين عن هذه الحكومة التي نظروا إليها على أنها لا تمثل القاعدة الانتخابية والمؤثرين فيها، فيما يرد المقربون من أسوار القصر الرئاسي بأن الانتخابات الماضية كانت نهاية لما يعرف ب “كبار الناخبين”. وأن فوز عزيز يرجع الفضل فيه للناخبين البسطاء والفقراء الذين تحرروا من “الرق الانتخابي” الذي ظل يمارس على المواطنين من طرف الوجهاء طيلة العقدين الماضيين.
وتبين قراءة دقيقة للشخصيات التي شكلت الحكومة الجديدة أنها حكومة من “الجيل الثالث” أي الجيل الذي كان مهمشا طيلة الأنظمة السابقة ولم يحتل وظائف الدرجة الأولى، ويعتقد المحللون أن لجوء عزيز لهذا الجيل، الذي يفتقد الشعبية القبلية والجهوية والعقائدية وحتى الخبرة الكافية للتعاطي مع الميدان سياسيا، وهي أمور مهمة لصورة النظام والدفاع عنه، إنما جاء ضمن التزاماته بمحاربة الفساد ورموز الأنظمة السابقة التي خربت البلد طيلة خمسة عقود، فعزيز يبحث عن رجال ثوريين في الإصلاح وليسوا بالتأكيد من الوجوه التي سيطرت على المشهد في الماضي، وكان قد أشار لذلك عدة مرات بعيد الانقلاب وأثناء الحملة الانتخابية عندما أكد سعيه لتجديد الطبقة السياسية في البلد وهاجم بشدة “الذين يرفضون التقاعد قبل الموت”.
على أن رهان عزيز بحسب ما تسرب ليس في ترضية “المؤلفة قلوبهم”، بل فيما سينجزه لآلاف الفقراء الذين كانوا سنده الوحيد في معركتي “الانقلاب” و”الانتخاب”. ويبدو ذلك أقرب لرأي الشارع الذي بات يترقب مضمون الحكومات وليس شكلها.
على أن هناك طبقة واسعة مرتاحة لتشكيلة الحكومة الجديدة لكسرها الحواجز السياسية والاجتماعية التي عانت منها تلك الطبقة التي ظل صوتها مطمورا خلف ضجيج رجال القبائل والطوائف.
المعارضة في انتظار التشاور
ينتظر قادة المعارضة الموريتانية استدعاءهم من طرف ولد عبد العزيز للتشاور، ويقضي القانون باستشارة الرئيس للمعارضة واطلاعها على مستجدات الوضع وبحث الأمور العامة في البلاد.
هذا التشاور الملزم قانونيا تمثل في مظهر شكلي خلال فترة حكم الرئيس السابق ولد الشيخ عبد الله لبعض القوى المعارضة، لكنه أنتج شراكة سياسية وقتها مع أطياف أخرى في المعارضة التي كادت تتحول إلى صف النظام بعد أن تقلصت إلى أربعة أحزاب فقط.
أما الذي يشغل بال الشارع وقادة المعارضة فهو الأسلوب الذي سيتبعه الرئيس الجديد في مشاوراته مع المعارضة، هل ستكون مشاورات من باب “الواجب القانوني” و”الأخلاق السياسية العامة” و”الديكور الديمقراطي”، أم سيبحث الرجل عن شراكة سياسية من خلالها يكسب المزيد من القوى التي تحمي ظهره، وخاصة الحلف الذي يقوده رئيس البرلمان مسعود ولد بلخير، وحزب “تواصل” الإسلامي. وهما الفصيلان اللذان أثبتا من خلال تشكيلهما للجبهة المناوئة للانقلاب أنهما قادران على تقديم الكثير.
الصورة التي أعطاها عزيز حتى الآن هي أنه طوى صفحة العداوات السياسية ما قبل الانتخاب وأنه سيكون رجل حوار وانفتاح على الجميع.
غير أن المراقبين يرجحون أن مهمة ولد عبد العزيز في هذا الاتجاه ستكون شاقة أو مستحيلة على مستوى بعض فصائل المعارضة خاصة تلك التي يقودها كل من زعيم المعارضة أحمد ولد داداه والعقيد أعلي ولد فال، فالرجلان ذهبا في خطابهما بعد الانتخابات إلى حدود القطيعة والمطالب التعجيزية.
وحسب معلومات “الخليج” فإن أحزاب “الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية” أعدت مقترحات لمواصلة الحوار بين الأطراف التي شاركت في حوار دكار، وينتظر أن يجتمع قادة الجبهة لبحث هذه المقترحات وطرحها للساحة في وقت لاحق.
الحزب الحاكم الجديد
قبيل الانتخابات الماضية تم تشكيل “حزب الاتحاد من أجل الجمهورية” (حاج) ويضم أغلبية نواب البرلمان وعمد البلديات ووجهاء المجتمع، ويومها وصف محمد ولد عبد العزيز الحزب بأنه أكثر أحزاب البلاد ال 76 حزبا تشبثا وتبنياً للإصلاح.
وترأس عزيز بنفسه الحزب قبل أن يستقيل بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية لأن الدستور يمنع تولي رئيس الجمهورية لأي منصب قيادي في حزب سياسي. لكن عزيز في خطاب استقالته من الحزب لم يترك مجالا للمترددين، وأكد أن الحزب سيكون حزبا جماهيريا ديمقراطيا ودعا الموريتانيين للانتساب للحزب الجديد.
تلك التصريحات صبت في مخاوف أحزاب الأغلبية والمعارضة على حد سواء، فقادة هذه الأحزاب يعرفون مدى جاذبية “حزب الدولة” للقواعد الشعبية والقوى السياسية والاجتماعية التي كانت موزعة على الخارطة الحزبية ما قبل ميلاد حزب “حاج” خاصة في وجه انتخابات جزئية لمجلس الشيوخ مؤكدة، وحديث قوي عن اللجوء لانتخابات نيابية وبلدية، الأمر الذي سيخرج الكثيرين من البرلمان والبلديات ما لم ينتسبوا للحزب الحاكم الجديد.
وقد بدأت المخاوف تتحقق بسرعة قياسية بعد إعلان حزب اتحاد الوسط الديمقراطي حل نفسه والاندماج في حزب “حاج” وتلته دفعتان من قيادات حزب “الفضيلة”، ولا يستبعد المراقبون اقتصار بعض الأحزاب على مجرد “اللافتة” في ظل النزوح المبرمج لمنتسبي تلك الأحزاب.
ويتوقع أن تخسر المعارضة الموريتانية الكثير من القوى التي التحقت بها بين رئاسيات 2007 و،2009 مع ظهور كل المؤشرات على الرئيس محمد ولد عبد العزيز عاقد العزم على بناء حزب قوي قادر على حماية النظام انتخابيا وسياسيا.
وفي سبيل ذلك يبدو أن عزيز مستعد لإشعال “حرائق سياسية” هنا أوهناك مع أحزاب الأغلبية والمعارضة على حد سواء، وليس ذلك غريبا على رجل يقال إن “الكبريت في جيبه وتاريخه مع النار طويل”.
الخليج – مختار السالم