مقالات

أول خطوة نحو إصلاح جاد/ بقلم: محمد ولد أحبلاله /مفتش تعليم أساسي

أقدم الرئيس المنتخب محمد ولد عبد العزيز في أولى حكوماته على تخصيص وزارة خاصة بالتعليم الأساسي، وهذه الخطوة كانت مطلبا لموظفي وعمال هذا القطاع منذ فترة طويلة، والعارف بكواليس التعليم الأساسي يدرك تماما أن هذا القطاع يعيش وضعا مزريا على جميع المستويات وأن إصلاحه يمثل تحديا لأي مسؤول يتولاه وأي حكومة ترسم سياسته.
لكن المؤكد أكثر أن إصلاح التعليم الأساسي في موريتانيا هو إصلاح المجتمع المستقبلي لهذا البلد، وليس المستقبل البعيد، بل القريب جدا فعقد واحد من الزمن كفيل بنقل التلميذ إلى رجل تنموي ومصلح اجتماعي أو عالة على المجتمع إن لم يكن أدهى من ذلك عبر طريق الانحراف.
وهنا أجدد الثناء على قرار الرئيس محمد ولد عبد العزيز بتخصيص وزارة لهذا القطاع الحيوي الهام، وأقدم ورقة سبق وأن وضعت من خلالها تصورا مبسطا لإصلاح جاد في تعليمنا الأساسي، وهذا نصها:

لا يختلف اثنان على أن إصلاح التعليم هو المحور الأساسي لأي تنمية مستقبلية لأي بلد، وأن هذا القطاع في بلدنا يتخبط في مشاكل جمة، تلك المشاكل التي كانت سببا في تدهور جميع المستويات بشكل لم يسبق له مثيل، وأصبحت مصدر أزمة حقيقية في هذا القطاع.
وبما أن التعليم الأساسي هو اللبنة الأساسية الأولى للتعليم بصفة عامة، وبما أنه يستهدف تأسيس وبناء عقل ووجدان العنصر البشري القادر على تحقيق طموح الأمة حسب مفهومها للتنمية الشاملة، وبما أنه يستهدف الطفل، والطفل كما هو معروف صفحة بيضاء يكتب عليها المربون ما يريدون، وبالشكل الذي يريدون، لذلك لا بد أن يكونوا واعين لما يكتبون، وقادرين على الابتعاد به عن مجال المزايدات والعبث..
أما المراحل الأخرى فلا شك في أهميتها، لأن المتعلم فيها قد وصل إلى درجة من النضج النسبي قد تساعده على فهم وإدراك حقيقة الأشياء، ومن هنا يتضح الداء المزمن والسرطان القاتل الذي عانى منه هذا القطاع، ألا وهو عدم اهتمام القائمين على الوزارة بالتعليم الأساسي وتهميشه، وهذا يتمثل فيما يلي:
1- تغييب النصوص القانونية التي تنظم عمل الإدارة.
2- تغييب أطر التعليم الأساسي من مراكز التخطيط واتخاذ القرار في الوزارة، وخاصة ما يتعلق منها بالتعليم الأساسي.
3- انعدام تمثيل التعليم الأساسي في مدرستي تكوين المعلمين الذي كان من اللازم أن يكون الإشراف عليهما من اختصاص أطر التعليم الأساسي، نظرا لطبيعة وأهداف التكوين التربوية والمهنية، مما أدى إلى تخريج دفعات كبيرة من المعلمين الغير مؤهلين تربويا.
4- تغييب سلم التدرج في الوظيفة بحيث يكون النجاح في الوظائف الدنيا شرطا في تقلد الوظائف العليا، وذلك باعتبار معايير موضوعية، إذ بكل بساطة نلاحظ أن جميع القرارات التي كانت تصدر عن وزارة التعليم الأساسي والثانوي قرارات مربكة ومتناقضة في أغلب الأحيان، بل وغير مقنعة فنيا ولا تربويا، خطط تكتب وتمحى، تقرر وتلغى، ينفق عليها بسخاء و بالتالي يبقى الطفل دائما هو الضحية.!
ونظرا إلى ضرورة إصلاح هذا القطاع الذي يعتبر إصلاحه الآن أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، وإضافة كذلك على دعواتنا المتكررة وصيحاتنا المتواصلة والتي تؤكد على ضرورة منح العناية والاهتمام به باعتباره شريان الحياة بالنسبة لمستقبل أجيالنا، إذ بدونه لا يمكن أن نبني جيلا صالحا وقادرا على تحمل مسئولياته تجاه دولته وأمته، ولأنه بدون التأطير الجيد والتكوين المتميز لا يمكن لأجيالنا الناشئة أن تقوم ببناء الدولة وتشييدها، وبالتالي ترقيتها وازدهارها.
فهذا هو الأمل الذي طالما راودنا، ولطالما تاقت أنفسنا إلى أن نراه مجسدا على أرض الواقع، إذ بدون فصل التعليم الأساسي عن التعليم الثانوي لا يمكن لنا أن نقدم أي خطوة إلى الأمام، بل إن الأمر سيظل متفاقما ومتزايدا، كما كان عليه الحال.
ومن هذا المنطلق فإننا نثمن القرار الأخير القاضي بفصل التعليم الأساسي عن التعليم الثانوي، نظرا إلى أن إنشاء وزارة خاصة بالتعليم الأساسي لا مناص منه لكون هذا الأخير يمثل نسبة 84.3% من حجم أعمال الوزارة سابقا.
إن هذا الفصل ليمثل الدعامة الأساسية والحقيقية لبناء أسس عمل تعليمي حقيقي وجاد يتحمل فيه كل قطاع مسئولية قطاعه بشكل لا لبس فيه وغير قابل لأن يتهرب أصحابه من المسئولية فيه، بعيدا عن تصادم الصلاحيات وما تجره من خصومات لا تخدم روح العمل، كما كان عليه الحال في الوزارة التي ظلت تهمل جانبا مهما، وهو جانب التكوين والتخصص الذين يعتبرا حجر الزاوية في العملية التربوية (حيث يتم إسناد المناصب للأشخاص حسب علاقاتهم، لا حسب كفاءاتهم، وهذا هو ما أوصل تعليمنا إلى هذه المرحلة المخجلة).
ومثالا على ذلك فإن فصول الاعداديات والثانويات لدينا مكتظة بالمعلمين كأساتذة، وأروقة الوزارة وشبابيك توزيع الرواتب والإدارات الجهوية مكتظة هي الأخرى بالأساتذة كرؤساء مصالح ورؤساء أقسام، وحتى مفتشي تعليم أساسي، بل ووظائف أخرى تمارس مهام مجهولة لا يمكن أن تحدد ولو بالمجهر، بينما تعاني المدارس من عجز حاد في المدرسين.
ولهذا فإننا نطالب بتفعيل النصوص القانونية الموجودة ودعمها بنصوص أخرى صريحة وواضحة في تحديد الصلاحيات، إضافة إلى اعتماد مبدأ المكافأة والعقوبة ومراجعة العلاوات، ومراعاة التخصص تكريسا لمبدأ “جعل الرجل المناسب في المكان المناسب”، خاصة وأن محاربة الفساد والمفسدين كانت من أهم بنود برنامج الرئيس المنتخب السيد محمد ولد عبد العزيز، إن لم تكن هي الأساس الأول لهذا البرنامج والقاعدة الأولى التي لعب على وتيرتها طيلة الفترة الماضية وتعهد أمام المواطنين في أكثر من مناسبة بالعمل على تطهير البلد من الفساد والمفسدين، الشيء الذي إذا جسد على أرض الواقع وضوعفت الجهود في سبيله سيسهم في إنقاذ التعليم من هذه الوضعية المخجلة التي يرزح تحتها الآن، بل ويضمن تقدمه والسير به نحو الوجهة الصحيحة.
وفي الأخير فإن جميع الإجراءات لن يكون لها أي صدى ما لم تصبح الوظيفة تؤمن لشاغلها الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وهذه الحياة حسب تعريف الاتفاقية الجماعية الدولية للشغل “هي أن تؤمن للفرد الحاجات الضرورية من مأكل وملبس ومسكن ودواء حسب ما يناسب الفئة الوظيفية التي ينتمي إليها”.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button