مقالات

غفوة القمة التي أيقظت القاعدة تحول المسلمات في العقيدة العسكرية الموريتانية/حمدي ولد الداه

ذهب السكون إلى غير رجعة واستوطن الخوف كل أرجاء المدينة وها قد بات حاجي السلام يقرع قرعة الحزن على الآمال الأخيرة، بدءا من الغلاوية وانتهاءا بعملية اختطاف الرعايا الإسبان مرورا بلمغيطي فتورين فالتفجير الانتحاري بالسفارة الفرنسية ظل المشهد الأمني الموريتاني مترنحا بين ثنائية الإنكار المطلق لوجود الإرهاب والاستنجاد منه ومحاولة التصدي له، وبين هذين الموقفين بدا واضحا أن المأزق الأمني قد بات في تفاقم مستمر، بل وبدا أيضا أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قد رصد لهذا البلد المسكين الغارق في حسابات السياسية والتائه بين حلم الإصلاح وواقع الفساد ما يكفي من الأشباح والانتحاريين وحتى المرتزقة لوأد أحلام السلام وتهديد مصالح الدولة وقيم المجتمع الموريتاني الذي طالما انتهج صناعة السلام حتى قبل أن يتمكن النظام العالمي القديم أو الجديد من صناعة الإرهاب نفسه.
يبدو أن ملامح الدولة وبنائها المؤسساتي قد باتا يعانيان من إشكاليات ومآزق كبيرة، ولعل أكثر تلك الاشكاليات والمآزق تعقيدا وخطورة على استمرارية الدولة والمجتمع هو ما بات يعرف بالإرهاب، إذ لم يعد هذا الأخير مجرد انعكاس سلبي لتجليات العولمة، بل أصبح فوق ذلك تهديدا فعليا للبناء القيمي والاجتماعي ومن ثم رافدا من روافد التغير الاجتماعي الذي يعد السمة الغالبة للمجتمعات المعاصرة والتي قد يشكل ظهور المآزق الأمنية بها بداية النهاية لمنظوماتها القيمية الهشة أصلا وتهديدا لبقائها نفسه.
غير أن الإرهاب وإن كان قد استطاع التغلغل بسرعة داخل النسق المعرفي ومن ثم الإدراك الجمعي للموريتانيين إلا أنه لم يستطع إلى الآن خلق رد الفعل الواعي أو الغريزي وتنمية الحس ألأمني لدى الموريتانيين باعتبار أن مفهوم الأمن هو المتراس الذي يجب أن يحتمي خلفه المجتمع من الشعور المرافق للإرهاب و المرادف له أحيانا وهو الخوف، فالمعركة الذهنية داخل البناء المفاهيمي لدى كل من الدولة والمجتمع قد وجدت في ظل الانتقال السريع لمعضلة الأمن من حق البقاء إلى حماية الذات.
والسسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق والذي تبدو الإجابة عنه أمرا لا مناص منه لفهم التحديات الراهنة هو: إلى أي حد تستطيع كل من الدولة والمجتمع الموريتانيين وضع مقاربات أمنية أو تصورات واضحة؟ وهل يمكن لتلك المقاربات وهذه التصورات ملأ بعض الفراغات التي يخلقها الذهول وعدم اليقين بعد كل عملية من العمليات الإرهابية في البلد؟

إن الأمن هو العمل على التحرر من التهديد وقدرة الدولة على الحفاظ على كيانها وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي تعتبرها معادية، من هنا فإن أساس الأمن هو البقاء، إذ لايعني العمل على التحرر من التهديدات تحييدها كلية، ذلك أنه لا يمكن أبدا في ظل الفوضوية الراهنة أن يكون الأمن مطلقا، وبما أن الإشكالية الأمنية الموريتانية وجدت، بالأساس، في ظل الخوف المتنامي من تهديدات الإرهاب لدى كل من الدولة والمجتمع، فإن الأمر يقتضي بالضرورة القيام بوضع مقاربات واستراتيجيات ملائمة للتحكم في/ أو احتواء ، أو تحييد وإقصاء تلك التهديدات وذلك الخوف، فالأمن في هذه الحالة هو مفهوم مزدوج يحمل بداخله ألأمن – واللا أمن معا، الأمر الذي يغذي في النهاية إدراكات كل من الدولة والمجتمع للتعاطي مع تلك الازدواجية التي يشي بها المفهوم.
وعلى الرغم من أن العمليات الإرهابية التي عرفتها البلاد خلال السنوات القليلة الماضية قد أماطت اللثام منذ الوهلة الأولى عن حجم التهديدات التي تتعرض لها البلاد، وبالرغم أيضا من أن عنصر الخوف بقي حاضرا خلال كل تلك العمليات إلا أن ذلك لم يسهم في خلق ردود الفعل الموازية في القوة والتنظيم، حيث بقي الخطاب الرسمي والإعلامي ينتقص باستمرار من حجم التهديدات التي يشكلها الإرهاب على بقاء الدولة وبناء المجتمع الموريتاني الأمر الذي خلق عبثية كبيرة في التعامل مع المأزق الأمني نظرا لأن محاربة المخاطر ومواجهتها تنطلق أولا من التقييم السليم والموضوعي لحجمها، فدون الاعتراف بوجود العدو وقوته وإمكاناته سيكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل التغلب عليه، حتى في حالات المواجهة التقليدية مع عدو ظاهر خلافا لما عليه الإرهاب الذي تندرج مواجهته ضمن منظومة الحروب اللاتناظرية أو “الآسيميترية”.
لقد انتقلت عمليات تنظيم االقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وفق استراتيجياتها الجديدة في موريتانيا من الأطراف إلى المركز، وذلك بعد أن تمكن التنظيم من اختراق العاصمة أنواكشوط وضواحيها واكتشاف ثغرات أمنية كبيرة، فلا شك أن ثغرة أمنية بحجم تلك التي ساعدت المرتزقة الثلاث على اختطاف السواح الإسبان من على بعد 160كلم فقط شمالي العاصمة انواكشوط، وتهريبهم عبر آلاف الكيلومترات إلى الحدود المالية، هي ثغرة كفيلة بكشف مدى عمق الخلل الإستراتيجي الذي يعانيه الأمن الموريتاني والذي من شأنه أن يعيق باستمرار حرب الدولة ضد الإرهاب.
وإذا كان البعد الجغرافي قد استطاع في هذه العملية كما في سابقاتها الإجابة على بعض التساؤلات الواردة حول الخلل الاستراتيجي المتكرر، إلا أن عوامل أخرى مافتئت تطرح نفسها بإلحاح، بل وتفجر حقلا هائلا من علامات الاستفهام حول نجاعة استراتيجيات الدولة الأمنية في خلق وتوسيع هامش التحرك العملياتي الذي تقتضيه وتفرضه كل من طبيعة العدو غير التقليدية ومحدودية الإمكانات العسكرية للدولة وهما العاملان اللذان يزيدان باستمرار من صعوبة مهمة صانع القرار السياسي والعسكري في البلاد. والواقع أن ما يدعم بشكل أكبر تلك الصعوبات هو غياب عقيدة عسكرية قادرة على خلق التجانس المطلوب داخل المؤسسة العسكرية نفسها ومن ثم تطوير قدرتها على التعامل مع المتغيرات الأمنية والسياسية الداخلية والخارجية، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على الجوانب الميدانية لحرب الدولة ضد الإرهاب.
وإذا نحن حاولنا تلمس ملامح العقيدة العسكرية الموريتانية فإننا نجد منذ البداية أنها لاتزال تقليدية وبدائية، فما نقصد بالعقيدة العسكرية هو بلورة واقع التركيب الشامل لكافة أنشطة الدولة والتعبير في نفس الوقت عن أفكارها الرسمية اتجاه الوضع الأمني غير أن الواقع يفضح بشكل أكبر محدودية تلك التصورات وذلك البناء الإدراكي الذي يتكون عند صناع القرار إزاء موقف أمني معقد كالإرهاب، وعلى الرغم من أن القيادة العسكرية العليا للدولة هي الوحيدة المخولة بتبني العقيدة العسكرية وتوجيه البناء العسكري للدولة، إلا أن تلك القيادة تبدو أكثر انشغالا بمواضيع أخرى تأتي في أولويات الأجندة السياسية، ففي أكثر من خطاب رسمي أنكر أوتنكر النظام الموريتاني للقضايا الأمنية الراهنة باعتبار أن لا وجود للإرهاب والإرهابيين في موريتانيا.
إن تصور القيادة االسياسية الموريتانية بالرغم من انتمائها وتكوينها العسكري لم يتبلور بعد ولعله أيضا لن ينضج فيفي المستقبل القريب، ذلك أن نظرة صانع القرار إلى الحرب ضد الإرهاب و لطبيعتها وللعقيدة العسكرية نفسها تبقى مشوشة. فالأمر يقتضي خلق بناء تصوري متناسق مع الأهداف السياسية والإمكانات الاقتصادية والعسكرية لكل من الدولة والجماعات الإرهابية، فضلا عن تبني القيادة السياسية لمبادئ وقواعد العقيدة العسكرية وهو ما يمد هذه اللعقيدة بالقدرة على التأثير المباشر في كافة أنحاء الدولة وأجهزتها المختلفة، الا/ر الذي يمكن بدوره أن يطور باستمرار عبر إضفاء مسحة إستشرافية على العقيدة العسكرية التي يجب أن تتصف بالمرونة لتوفير القدرة على التجاوب مع تطور العلم العسكري والتطبيق القتالي من جهة، ولمجابهة التغييرات التي تطرأ على مستوى كل من الأمن القومي والتهديدات الأمنية غير التقليدية

وخلاصة القول فيما سبق أنه إذا كانت القيادة الموريتانية تحمل بالفعل مشروع عقيدة عسكرية لمجابهة التطورات الأمنية في البلاد ومكافحة الإرهاب الذي بات أمرا واقعا فإن ذلك يقتضي منها معالجة المسائل المتعلقة بإعداد واستخدام القوات المسلحة في الحرب ضد الإرهاب وتحديد مجالات تطور الحرب نفسها والنظر بإمعان أكبر إلى مستوياتها الاستراتيجية والتعبوية والتكتيكية وذلك من خلال
1- تحديد الهدف الاستراتيجي من الحرب ضد الإرهاب وتحديد معالمها المميزة
2- دراسة تأثير المفاجأة والمدى الزمني والجغرافي والأسلحة المناسبة للحروب غير التناظرية.
3- دراسة القدرات العسكرية والقتالية للقاعدة ومستوى الاستعدادات لديها
4- الحرص على الكفاءة القتالية والاستعداد لدى الأفراد والوحدات العسكرية للدولة
5- مراعاة الجوانب التنظيمية في القوات المسلحة وتطوير أساليب الإدارة ونقل المعلومات بها.
6- تطوير وتفعيل الأساليب الاستراتيجية للحرب ضد للإرهاب عبر تطبيق النظريات الحربية الملائمة.
7- إعداد الدولة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا والتعبئة للحرب ضد الإرهاب وعقد المعاهدات الأمنية والسياسية لتوسيع فضاء الحرب ضد الإرهاب.

– غفوة القمة التي أيقظت القاعدة
تحول المسلمات في العقيدة العسكرية الموريتانية

– حمدي ولد الداه

باحث في الدراسات الاستراتيجية والعسكرية

مواضيع مشابهة

تعليق

  1. 15 Cross sectional studies also showed associations between vascular risk factors, including diabetes mellitus, smoking, and hyperlipidemia, and inflammatory indexes such as leukocyte count, C reactive protein CRP, and fibrinogen hair loss propecia ketoprofen and digoxin both increase serum potassium

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button