مقالات

تراجع المراجعات/سيدأحمد ولد أطفيل

السلطات تتراجع عن المراجعات

مرة أخرى تفاجئ الجماعات السلفية المقاتلة، أو ما يعرف بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ، الأمن الموريتاني، بعملية نوعية في عمق البلاد ، و أخرى على الحدود الموريتانية المالية ، الشيء الذي يطرح أسئلة عديدة ، حول مصير التسوية بين السلطات الأمنية ، و أفراد التيارات السلفية الجهادية ، في ما بات يعرف بمراجعات الجماعة في السجون؟.
لقد شهد العالم الإسلامي، و الشرق الأوسط بالخصوص، حالات من نفس النوع ، بعد أعمال العنف جراء الصدام و الاحتكاك عن قصد أو غير قصد ، بين الأجهزة الأمية لهذه البلدان والجماعات الإسلامية التي تتبنى الفكر السلفي الجهادي ، و كان الحل الأمثل حينها لكبح موجة العنف، هي المراجعة الفكرية للجماعات بدل الحل الأمني البحت .
فمراجعات الجماعة الإسلامية في مصر مثلاً بدأت منذ 1997، وركدت، إلى أن جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر فبدأت موجة أخرى من المراجعات، استنكرها العديد من أعضاء الجماعة الإسلامية، الذين وافقوا على مبادرة وقف العنف، هذه الموجة وصلت بهم للاعتذار، عن اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات و اعتباره شهيداً، والأهم أنها تركزت في معظمها على الهجوم على القاعدة، وبدأت المزايا الحقيقية من تخفيف الأحكام و الإفراج تتحقق للمتراجعين ، فيما تراجعت وتيرة العنف، وسادت حالة استقرار أمني بشكل ملحوظ .
إن السلطات الموريتانية في أمس الحاجة ، للاستفادة من تجارب البلدان التي قطعت أشواطاً طويلة في مجال محاربة العنف بالأساليب السلمية ، و بالذات المراجعات الفكرية لقادة تيارات السلفية الجهادية ،كما هو الحال في مصر، و غيرها من البلدان التي سلكت نفس النهج ، في احتواء الظاهرة قدر الإمكان .

إلا إذا كان وجود الإرهاب في حد ذاته يشكل مصدر تمويل معتبر من الغرب للجناح المتعنت داخل السلطة و الرافض للمراجعات الفكرية، و حلحلة ملفات الإرهاب في البلاد، و المؤكد أن هذا الجناح أساساً زمرة عسكرية مفلسة ثقافيا وسياسيا مما أدي إلى بداية متأزمة قد تؤدي إلى احتقان كامل هذه الزمرة الحاكمة حاليا حصدت ميراث سنوات إدارة سيئة وسلطة استبدادية من أنظمة عسكرية و شبه عسكرية حكمت البلاد منذ الاستقلال سنة 1960 وليس لها أجوبة مؤثرة على الأزمة الأمنية سوى التمسك بالحكم بالقوة مع أمل لأوقات أفضل, حتى الضباط العسكريون المتشددون على رأس النظام مصممون على منع التيارات السلفية من الدخول في مفاوضات بأي ثمن، ومتابعة الخيار العسكري لهزيمتها.
أما جناح السلطة الداعمة لمشروع المراجعات، فقد مهد الطريق لبعض الإعلاميين و قادة التيار السلفي الجهادي، للبدء في التنظير لهذه الخطوة الجديدة، والأولى من نوعها في تاريخ السياسة الأمنية الموريتانية، حيث كانت هنالك زيارات دورية لوزير العدل، و مفوض حقوق الإنسان، و بعض قيادات الجيش، لعناصر التيار السلفي في السجون من أجل الاستماع لهم و الوقوف على أساس منهجي لحل الأزمة الأمنية ، و من أبرز قادة التيار الفاعلين حالياً و العاملين على تلطيف الأجواء بين عناصر التيار السلفي الجهادي، و السلطات الموريتانية هو محمد ولد أحمد المعروف بالشاعر، من خلال مقالة نشرت له مؤخراً على موقع أخبار أنواكشوط تحت عنوان، مناصحة : (الجهاد في البلدان المسلمة نظرات في الواقع والمآل) دعا في هذه المقالة مباشرة و بدون تلبيس إلى نبذ العمل المسلح ،و الدخول في السلم مع السلطات الأمنية، مدعماً أقواله بأدلة شرعية من الكتاب و السنة، حيث قال : ( إن الأمة والحمد لله مجمعة على وجوب الجهاد في سبيل الله الذي هو عمل مؤسس له وسائله الشرعية، ومقاصده المرعية، وليس هو فكرة فردية تلمع في الفكر تورد صاحبها حياض الموت أو الأسر و يعنت الناس بها دون أن تحقق أهداف الجهاد ولا مقاصده، بل إنها في بعض الأحيان تتحول إلى أخطاء تحقق النقيض من مقصد الجهاد!).
و لأن الفقيه محمد ولد أحمد الملقب الشاعر، أبدى رأيه في الجهاد العالمي في البلدان الإسلامية المحتلة من طرف الدول الغربية، إلا أنه امتنع عن إبداء رأيه في أهم الإشكالات الفكرية، لدى الجماعات المقاتلة وهي مسألة الخروج على الحاكم المسلم، حين قال : ( وهنا لن أتحدث عن حكم الجهاد في الأراضي التي يحتلها الكفار فهذا محل إجماع من العلماء و أئمة المذاهب المتبوعة في أقطار الأرض، ولن أتحدث عن حكم الخروج على الحكام لعدة أسباب)
وهو نفس النهج تقريباً الذي اتخذه السجين السلفي السابق أعلي الشيخ ولد الخوماني ،عند ما أعلن من خلال إطلالة على قناة الجزيرة ،عن مراجعة من نوع آخر تتمثل في نبذه للعنف والتفرغ للعمل الدعوي، ومحاولة الاندماج في المجتمع من جديد .
و في سبيل المراجعات دائماً، تظهر من حين لآخر، بعض الوثائق التي يلقي بها المساجين من داخل السجن إلى وسائل الإعلام، و هي في الغالب موقعة من قبل مجموعات سلفية ترى لها خطاً فكرياً معتدل، و مبررات قد تقلب الصورة النمطية العامة التي كونها الجمهور عن سجناء التيار السلفي الجهادي ،كما هو الحالة مع الوثيقة الأخيرة ،والموقعة من 25 سجين سلفي أعربوا خلالها عن حرصهم التام على سلامة الشعب الموريتاني المسلم، و ضمان أمنه و استقراره، فهل هذه الوثائق تقدم برنامج عمل للتغيير الفعلي للفكر السلفي الجهادي في بلادنا ؟ أم أن الخيارات الست 1- الهجرة. 2- العزلة. 3- العفو. 4- الإعراض. 5- الصبر. 6- كتمان الإيمان) ستقدم وصفة للهروب من واقع الصدام مع الجهات الأمنية ؟
و الغريب في إرهاصات المراجعات في موريتانيا، هو أن المبادرة أتت من حيث لا يحتسب المراقبون لملف الإرهاب ،و ذلك بعد إعلان معظم الجماعات السلفية القابعة في السجون استعدادها للحوار مع السلطات الأمنية ،إلا أن الأخير أظهرت نوعاً من الفتور اتجاه المبادرة بل و تم استغلالها للتغطية على العجز الأمني الحالي، أمام الضربات القوية والموجعة التي تلقاها الأمن، و تبناها تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ،وهو التنظيم الأكثر خطورة في المنطقة و العالم بأسره، لتعترف السلطات العليا في البلاد، بالعجز عن مقارعة التنظيم على الأقل عسكرياً ،على لسان رئيس الجمهورية الجنرال محمد ولد عبد العزيز، عند ما قال : ( إن الجيش فاسد تماماً ) .
و إذا كان الجيش الوطني بهذه الدرجة من الفساد التي و صفها الجنرال، والذي شهد مواجهات مع التنظيم نفسه، وهو على رأس الجيش نفسه دون تحقيق حسم عسكري يذكر فلماذا التعنت والإصرار على الحل الأمني، دون الخيارات السلمية المتاحة عن طريق البدء في مراجعات فكرية فعلية؟

سيدأحمد ولد أطفيل
sidahmedtfeil@hotmail.fr

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضا
Close
Back to top button