شلت يميني إن لم أكتبها … يا شهداء الجيش
محمد الأمين ولد سيدي مولود
Ouldsidimaouloud@Maktoob.com
فيما كان الجنرال محمد ولد عبد العزيز وأعوانه في القصر يستبشرون بكل رنة هاتف عسى أن تحمل مع نسيم بستان القصر الرئاسي أي اعتراف جديد من أي طرف خارجي…أو أي تراجع جديد من أي طرف داخلي رافض للانقلاب. وفيما كان قائد أركان الجيش الجنرال محمد ولد الغزواني يقوم بزيارة إلى الخارج وبالتحديد إلى فرنسا ـ وبالطبع ليست من أجل جلب معدات عسكرية حديثة أو أسلحة متطورة تسهل ملاحقة عناصر الزندقة التي امتهنت القتل والسلب والاغتصاب وهاجمت جيشنا للمرة الثالثة على التوالي مخلفة قتلى وجرحى ـ بل لتوطيد ملكه وملك شريكه … وفيما كانت غالبية “نواب الشعب” تشرع لقادتها العسكريين كل خطوة قاموا بها … وفيما كانت نخبتنا السياسية وجنرالاتنا وبعض كولونيلاتنا حيص بيص في بورصة التعيينات والمساومة… كان في الجانب الآخر من اللوحة أمر مريع يقشعر له البدن وتشيب له الولدان ….!!
كانت هنالك نسوة على وشك أن يصبحن أرامل أو أيامي أو ثكالى، وكان هنالك صبية على وشك اليتم وأحباء على وشك فقد الأحبة من حيث لا يدرون…..
كانت هنالك هواتف أقل ثمنا بكثير من تلك التي كان من المتوقع أن تحمل أخبارا سياسية سارة … هواتف جلها غير مملوك لمن ستأتيه بنعي حبيب أو فقد أخ أو وفاة زوج أو هلاك صديق …بل هي أرقام لجيران اعتاد جنود بسطاء وغرباء أن يتصلوا بمالكيها يستجدونهم ليرسلوها لذويهم حتى يسمع الأب صوت ابنه والزوجة صوت زوجها القادم من براثن الموت والمحاط بجميع أسباب المنية!!
وفيما كانت كتيبة الرئاسة “باز ب” مجهزة بأحدث المعدات العسكرية المتاحة لجيشنا، وحراستها مشددة وفي يقظة تامة وميزانيتها أضخم عدة مرات من أي منطقة عسكرية أخرى فبالأحرى كتيبة، تليها في الأهمية الوحدات والمناطق القريبة من القصر أي داخل العاصمة كالمنطقة العسكرية السادسة وكتيبة المدرعات وكل ثكنة من شأنها المشاركة في توطيد ملك أوتي به عنوة وفي وقت أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه ليس مناسبا وبطريقة غير مناسبة …. كانت هنالك مناطق نائية ك”لمغيطي” و”الغلاويه” ودوريات معزولة ك”تورين” معرضة للهلاك ولها في سالف الأيام من المصائب ما يجعلها تكتسب الأهمية القصوى ـ افتراضا ـ في التسليح والتمويل والتجهيز وكثرة الجنود …وهو ما لم يكن وربما لن يكون !!
يبدو للساذجين والعوام من أمثالي أن درسي “لمغيطي” و”والغلاويه” لم يكونا كافيين لكبار ضباطنا ممن أدمن نهب المال العام والتنظير السياسي ومجالسة المتملقين … ممن وجد في القصور المشيدة والسيارات الفارهة والمكاتب المكيفة والمناصب الراقية والرتب الغير مستحقة الظروف الكافية للسلو والانشغال عن أسباب وجوده، وعن جنوده البسطاء وحدوده الشاسعة وأعدائه السفاحين.فهل سيجعل الدرس الثالث ـ أي درس الأمس حيث قتل جنودنا غدرا في دورية “تورين” وفي ظروف مماثلة لسابقتيهاـ جنرالاتنا يفهمون ما المطلوب منهم؟ هل سنشهد توبة نصوحا من كبار قادة جيشنا لينشغلوا بمهامهم الأمنية ويتركوا السياسة للسياسيين؟ هل سنرى أولوية التسليح والتجهيز والتمويل تعطى لوحدات يعرض أفرادها أنفسهم للموت دفاعا عن البلد والشعب بدل وحدات يتسامر أفرادها بنقاش مواقف الأحزاب ورهانات التعيينات.
لكم الله يا شهداء جيشنا البررة يا من رحتم ضحية الإهمال والصراع السياسي الدنيء، يا من فرط فيكم الكبار وعجز عنكم الصغار.
إنني أغمطكم أن تركتم هذه الحياة الرديئة لعصابات التملق، وهذه الدنيا الدنية لطلابها، وتركتم للجنرالات المال الوفير، والبطون المتخمة، والاجتماعات السياسية، ومغازلة النساء. وذهبتم إلى جوار ربكم شهداء ـ إن شاء الله ـ مضجرين بدمائكم الزكية الطاهرة وكأن أبا الحسن التهامي عناكم حين قال:
يا كوكبا ما كان أقصر عمره *** وكذا تكون كواكب الأسحار
أبكيه ثم أقول معتذرا له **** وفقت حين تركت ألأم دار
جاورت أعدائي وجاور ربه *** شتان بين جواره وجواري
لقد جعلتمونا نتذكر شهداءنا في “لمغيطي” و”الغلاوية” (إن الشجي يبعث الشجي) ومن خلال ذلك نتذكر أن من كانوا يحكموننا حينها لازالوا يحكموننا …لقد عرضونا للضياع وعرضوكم للهلاك.
وليسمح أبو تمام بزيادة بيته بميم
عليك(م) سلام الله وقفا فإنني *** رأيت الكريم الحر ليس له عمر