مقالات

هجوم “القاعدة” عصف بجهود إضفاء الشرعية على الانقلاب

نواكشوط – العرب اونلاين : فى إجراء عُدّ خطوة جديدة من قادة الانقلاب فى موريتانيا فى مسيرة البحث عن شرعية صعب تحقيقها بعد أكثر من شهر على الإطاحة بالرئيس المنتخب سيدى ولد الشيخ عبد الله فى السادس من أغسطس الماضي، بل أصبح تحقيقها أكثر صعوبة بعد تصريح أطراف دولية بموقف رافض بوضوح للإقرار بنتيجة الانقلاب وللتعامل مع منفذيه.. فى إجراء بهذا الاتجاه صوّت مجلس النواب الموريتانى مساء الثلاثاء خلال جلسة علنية بأغلبية الأصوات على النظام الداخلى الجديد للجمعية الوطنية الذى يتيح إقالة رئيس المجلس.

وهى خطوة قرأ فيها المراقبون استهدافا واضحا للرئيس الحالى للبرلمان الموالى للرئيس الموريتانى المخلوع.

وتنص التعديلات على مبدإ إقالة رئيس الجمعية الوطنية إذا ما تغيب عن أداء وظيفته على أن “يبقى القرار النهائى من اختصاص الجمعية الوطنية التى يجب أن تبت فى الموضوع بأغلبية ثلثى أعضائها”.

كما نصت التعديلات على أن الاقتراع داخل الجمعية يكون عامّا وسريا بما فيه انتخاب رئيسها، الذى كان ينتخب فى النظام الداخلى السابق برفع الأيدي. وكذلك تم تقليص العدد المطلوب لتشكيل كتلة برلمانية من عشرة نواب فى النظام القديم إلى سبعة نواب فحسب.

هذه التعديلات التى يقول متابعون للشأن الموريتانى إنها تمت بإيعاز من العسكريين القابضين على زمام الحكم فى نواكشوط، يرى فيها مراقبون مقدمة لسلسلة من الإجراءات تحاول استخدام الهيئات المنتخبة فى ترتيب الوضع الداخلى بحيث يغدو مقبولا فى الخارج أملا فى إحداث اختراق فى الموقف الدولى الواضح فى رفضه للانقلاب، أى أن العسكر الذى استولى على السلطة عنوة بات يبحث عن الشرعية لدى آليات ومؤسسات الديمقراطية ذاتها، خصوصا وأن التعديلات المقرة الثلاثاء أعقبت موافقة الجمعية الوطنية الموريتانية الأحد الماضى على خطط لإجراء انتخابات رئاسية فى غضون 12 إلى 14 شهرا قد تمنع الحاكم العسكرى الذى قام بانقلاب الشهر الماضى من ترشيح نفسه.

غير أن محاولة الانقلابيين المرور عبر مؤسسات الشرعية الدستورية، ظلت تصطدم برفض مجموعة من البرلمانيين تضم نحو 30 عضوا معارضا من الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية قاطعوا جلسات الجمعية الوطنية تعبيرا عن الاحتجاج.

خطوة أخرى رأى فيها مراقبون محاولة من العسكريين الموريتانيين للخروج من النفق الذى وضعهم فيه الرفض الدولى لانقلابهم، وتتمثل فى استدعاء وجه قابل للتسويق ارتبط اسمه بالتوفيق فى قيادة موريتانيا نحو انتخابات حرة، وهو على ولد محمد فال رئيس مجلس الحكم العسكرى بعد الانقلاب فى 2005 على الرئيس السابق معاوية ولد الطايع، والذى قرر وفق مصادر صحفية الترشح للانتخابات الموعودة ما يعنى أنه يدعم إجراءها ويقر بشرعيتها.

كل هذه العوامل تفضى إلى الإقرار بأن آفاق الانقلاب فى موريتانيا -وعلى العكس تماما من الانقلاب السابق على ولد الطايع- تبدو غائمة كما تبدو مهمة البحث عن مخرج مشرف للأزمة التى سببها عسيرة، حيث يرى محللون أن إجراء انتخابات ولو حرة وشفافة وفى الموعد المحدد لن يحل المشكلة لأنه سيضع البلاد فى وضع شاذ تتعايش فيه شرعيتان، الأولى منتخبة ديمقراطيا وأزيحت بشكل غير ديمقراطي، والثانية أيضا منتخبة ولكن وليدة مسار قسرى ما يرجح كفة الأولى، وهذا الأمر هو ما يفسر رغبة العسكريين فى إجراء محاكمة للرئيس المخلوع ولد الشيخ عبد الله لا يكون هدفها إقامة العدالة فى قضية ما بقدر ما تستهدف تلويث سجل سوابقه بما ينزع عنه الشرعية التى ما زالت أطراف دولية تعتبرها الوحيدة المعترف بها، إذ فضلا عن مواقف الرفض للانقلاب التى صدرت عن الدول الغربية الرئيسية فرادى، وتلويحها بمقاطعة نواكشوط وقطع المساعدات عنها شددت رئاسة مجلس الاتحاد الاوروبى الأحد الماضى فى إعلان لها على “ضرورة العمل لإيجاد حل للازمة بموافقة مختلف الأطراف الموريتانية”، مجددة التمسك بـ” الإفراج الفورى عن الرئيس ولد الشيخ عبدالله وعودة المؤسسات الى عملها المنتظم”.

وليس الرفض الدولي، ولا الاعتراض البرلمانى هما وحدهما ما عقّد مهمة البحث عن شرعية لانقلاب السادس من أغسطس الماضي، فقد جاء الهجوم على دورية للجيش فى شمال موريتانيا من قبل عناصر مرتبطة بتنظيم القاعدة وأسفر الأحد الماضى عن مقتل 12 جنديا موريتانيا، ليحيى الجدل الحاد بين الموريتانيين حول انصراف المؤسسة العسكرية الموريتانية عن مهامها الأساسية فى حراسة حدود البلد وإقرار الأمن فيه، باللهاث خلف الحكم والانشغال بصراعاته.

وقد بدا الحرج فى التأخر فى الإعلان رسميا عن الحادث حتى مساء الاثنين الموالى ليوم حدوث الهجوم وفى عدم تقديم حصيلة للضحايا، وأيضا فى الادعاء أنه تم تفادى الأسوأ المضمّن فى قول البيان الرسمى إن “هذه الجماعة كانت تنوى شن هجوم واسع النطاق فى شمال البلاد”.

كل هذه المعطيات تفتح على مسار غامض تنساق إليه موريتانيا مع إصرار منفذى الانقلاب على البحث عن شرعية مفقودة ولو بإزاحة خصومهم من الهيآت المنتخبة، لتضل موريتانيا التى تواجه تحديات حقيقية اقتصادية وأمنية متعددة ليس أقلها ندرة الغذاء وشح المياه وزحف الرمال، معطوفة على هجمات القاعدة..

تبقى مأخوذة بلعبة السلطة، منصرفة إلى محاولة الإجابة عن سؤال متجدد بصفة لا متناهية: من أجدر بأن يحكم؟ وهو سؤال من المفروض أنه حسم بإجراء أول انتخابات ديمقراطية، ليتم التفرغ لتلبية انشغال مواطن يعرف جل المراقبين أنه لا يعنيه سؤال من يحكم بقدر ما يعنيه سؤال من أقدر على توفير الأمن والغذاء؟

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button