مقالات

للإصلاح كلمة / محمد ولد البار /brahim0082@maktoob.com

كلمة الإصلاح هذه المرة أكتبها تعليقا على مقال صحفي نشرته صحيفة الأمل في عددها 497 الصادر بتاريخ 8/02/2010 لناشط حقوقي صاحب فكر “حداثي” عقد مؤتمرا صحفيا ذكر فيه أفكارا رأى أنها تخدم البلد ديمقراطيا وتنمية وانفتاحا. وبما أنه أورد في هذا المؤتمر الصحفي فقرات تتعلق بديننا الإسلامي وحاكميته في الأرض ونحن نعلم كما يعلم ذلك الناشط الحقوقي أن الإسلام هو غداؤنا في الدنيا وعشاؤنا في الآخرة بإذن الله فالمثل الحساني يقول: ال عشاك وأعشاه فاكدح إلى اتل ايكب لا تخليه ــ فإني سوف أضع تعليقا على تلك الفقرات المتعلقة بالدين فقط ـ لنبيين أصل الأحكام في الدين الإسلامي وموقف الإسلام من هذا الأصل .

والفقرات المعلق عليها أوردتها الصحيفة باختصار كما يلي :
لقد طلب الناشط الحقوقي من السلطات والأحزاب السياسية والمجتمع المدني تكثيف الجهود من أجل تكريس العمل بالقانون المدني الحديث في دوائر المحاكم بدل اعتماد النسخة المحلية من نصوص الفقه المالكي، معتبرا أنها لا تزال رهينة من حيث التأويل والتفسير بيد المجموعة المتغلبة مضيفا أن النظام الحالي ليس أهلا لتطبيق الشريعة الإسلامية ، وأن الدول الأكثر حداثة في العصر الحالي قد خطت خطوات كبيرة في مجال تكريس مبدأ

فصل الدين عن الدولة .

“انتهت الفقرات المعلق عليها ”

وأول ما يتبادر إلى ذهن القارئ المسلم هو أن الكاتب والناشط الحقوقي يظن أن أحكام الشرع عندنا مصدرها مذهب الإمام مالك رضي الله عنه ، ونحن هنا نريد أن نبين له أن نصوص حاكمية الدين الإسلامي عندها مصدران فقط لا ثالث لهما وهما الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة ، والإمام مالك ليس عنده في موضوع الأحكام الشرعية إلا فهما يفهمه من ألفاظ هذه النصوص طبقا لمعرفته باللغة العربيـــــــــة أو حفظه للأحاديث النبوية أو اجتهادا فهمه من روح التشريع الإسلامي حيث لا نص من هذين المصدرين وهذا الأصل الأخير لا يلزم إلا من اتفق معه في هذا الفهم .

فالأحكام الشرعية منسوبة إلى الله مباشرة ((إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين ]][[، إن الحكم إلا الله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون )).

ولذا خاطب المولي عز وجل رسوله في شأن الحكم بالنصوص بقوله تعالى:(( وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن توالوا فأعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون ، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)) .

ومن هنا أكتب نماذجا من الأحكام الشرعية طبقا للنصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة ولم يكن للإمام مالك فيها إلا فهما لمعنى هذه النصوص .
ففي الطهارة فهم مالك من قوله تعالى في آية الوضوء:(( … وامسحوا برؤوسكم …..)) أن المسلم لابد أن يمسح جميع رأسه لأن الرأس حقيقة في الكل وقال غيره أن المأمور به هو المسح وذلك تـتحقق ماهيته بأي جزء من الرأس .

وفي الأحوال الشخصية قال مالك أن المتوفى عنها زوجها الحامل تنتهي عدتها بوضع حملها ولو بعد دقيقة من وفاة زوجها لدخولها في آية قوله تعالـــــــــــــى :(( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن )) وقال غيره أنها تعتد بأقصى الأجلين فإذا مات زوجها ووضعت بعده بشهر فلا بد أن تكمل أربعة أشهر وعشرا لورود النص الصريح بهذه العدة للمتوفى عنها .
وفي البيع قال مالك في حديث البيعان بالخيار ما لم يفترقا أن هذا الافتراق يعنى الرضي فقط ولذا قال خليل: ” ينعقد البيع بما يدل على الرضي” وقال غيره الافتراق بالأبدان وماداما في مجلس واحد لا ينعقد البيع لأن الافتراق بالأبدان هو الافتراق حقيقة في اللغة .
وفي الجنايات قال مالك أن من حكم عليه بالقطع والجلد والقصاص في آن واحد لا ينفذ فيه إلا القتل فهو متضمن للعقوبات الأخرى وقال غيره لابد أن تقام عليه تلك الحدود قبل القتل لأنها منصوص عليها .
هذه نماذج فقط وهي أكثر الأحكام في الدين بل الأحكام التي لا نص فيها من هذين الأصلين يمكن للمجتهدين أن يختلفوا في أصل الحكم فيها بخلاف الأحكام المنصوص عليها فالقضاة في الدوائر الحكومية لا يحكمون إلا طبقا لهذين الأصلين.
وهما اللذان خاطب المولى عز وجل القضاة أو أي حاكم آخر فيهما بقوله تعالى (( يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ))والآية الأخري تقول( كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)وفي آخر هذه الآية ((وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا))
فحكم القضاة رهين بهذه النصوص وتأويلها وتفسيرها لابد أن يكون داخل هذه النصوص والحكم بمقتضاها .
وتعليقا على فقرة أن النظام ليس أهلا لتطبيق الشريعة الإسلامية فإني أطمئن الناشط الحقوقي أن المطالبة بتقنين الأحكام الشرعية في الدول الإسلامية هي فرض عين على كل فرد من المجتمع ولكن فرض العين هذا ارتفع عن الشعب الموريتاني بفضل الله وبفضل رئاسة محمد خونه ولد هيداله لهذه الدولة فقد أمر بتقنين جميع القوانين طبقا للشريعة الإسلامية وقنن في زمنه القانون الجنائي وهو أهمها لوجود نصوص واضحة المعالم وقننت كذلك قوانين أخرى فالشعب الموريتاني مدين لذلك الرجل بهذه المكرمة العظيمة .
فالحكم الآن في كل قضية طبقا للشريعة الإسلامية مسؤولية القاضي وليست مسؤولية رأس النظام وذلك تحت طائلة قاضيان في النار وقاض في الجنة .
أما تنفيذ هذه الأحكام بعد صدورها فهي مسؤولية خاصة بالرئيس فلا الشعب ولا القضاة مسؤولين عنها فقوله تعالى: (( والسارق والسارقة فاقطعوا …)) وآية الجلد والقصاص كل ذلك الخطاب موجه للسلطة التنفيذية فعليها التنفيذ ولها التقدير تحت طائلة (( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر )) وتحت طائلة قوله تعالى (( إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله )) .
أما فقرة المطالبة بفصل الدين عن الدولة مثل ما فعلت بعض الدول الحديثة وأن تلك الدول تقدمت بذلك .
فأنا أبين لهذا الناشط الحقوقي أن الدين “وصله” الله بالدولة المكونة من الأفراد المكلفين من قبل المولى عز وجل وما وصله الله لا يمكن لشخص ولا لرئيس ولا لدولة أن تفصله إلا بالإعراض عنه كما قال تعالى:((بل يريد الإنسان ليفجر أمامه))
فالله يخاطب أطغى إنسان ويطلب منه أخذ الطريق المستقيم بوصل الدين بالدولة وبجميع الحياة يقول تعالى: (( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين )) .
وكان على أي مسلم عرضت له فكرة فصل الدين عن الدولة أن يجول طولا وعرضا وينشط فكره في استعراض النصوص الشرعية ليمكنه ذلك من الإجابة على هذه الأسئلة ، ما هو مصيرنا في الآخرة إذا فصلنا الدين عن الدولة في الدنيا ؟ .
فالمعلوم من النصوص الشرعية أن الله وكّل على كل مكلف ملائكة يكتبون أقواله وأفعاله سواء قال أو فعل في الصلاة أو في الصوم أو في مجلس الوزراء أو البرلمان أو أثناء الحكم بين الخصمين أو المتهمين في أي شأن .
قال تعالى: (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) ((وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون)) ((أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بل ورسلنا لديهم يكتبون ))، وفي الحديث الصحيح << لا تزول قدما ابن آدم حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم انفقه >> (( فلنقصّن عليهم بعلم وما كنا غائبين )).
والتعليق الأخير على فقرة فصل الدين عن الدولة نقول فيه لهذا الناشط الحقوقي:ألم تعلم أن موريتانيا لم يهلكها ولم يترك فقرها يدور حول نفسه إلا فصل الدين عن الدولة في “عقيدة” المسؤولين فيها .
فالمسؤولون في الدولة يعلمون أن الله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه (( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة )) ويعلمون حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الصحابي الذي استشهد أمام الصحابة فأثنوا عليه خيرا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والله إن شملة كان قد غلها من الغنيمة قبل القسمة لتشتعل عليه الآن في قبره أو كما قال ،وكذلك يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأمته ألا لا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة وعلى رقبته بعير له رغاء حتى جاء على جميع الحيوانات وعلى الصامت من دور وأثاث فيقول يا رسول الله أغثني فيقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك .
فأنا أسأل الناشط الحقوقي كم سوف يأتي على رقاب بعض هؤلاء المسؤولين -وقد مات بعضهم وبعضهم ينتظر – من الإبل والبقر والغنم والمنازل والأثاث التي أغلوها من الأموال العمومية لهذا الشعب وما ذلك إلا أنهم ورثوا فكرة فصل الدين عن الدولة فهم لم يكسروا الحوانيت ولم يسرقوا الحيوانات من مسارحها ولكنهم خانوا الأمانة على أساس أن مال الدولة يتحكم فيه من هو مسؤول عنه في الحال فيمتـلك منه ما شاء ويعطي منه لمن شاء والله يقول ((وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين)) .
وأيضا فإن فصل الدين عن الدولة لدي كثير من رجال هذا البلد و تعاملهم في الربا في بنوكهم وهم يعلمون أن الله يقول (( وما آتيتم من ربا لتربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون)) ويقول تعالى مخاطبا لهم(( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ………الخ .
فهؤلاء فصلوا الدين عن الدولة فمن كان حيا منهم فهو محارب لله ورسوله ومن كان قد مات منهم فهو يتخبط الآن في قبره كالمجنون طبقا لقوله تعالى : (( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس )) .
فلو كان الجميع لم يفصل الدين عن الدولة لكانت مشاريع موريتانيا الآن يحيا بها الفقير ويكتسب منها المعدوم .
وآخر تعليق على نهاية الفقرات نريد فيه من الناشط الحقوقي أن يوضح لنا هل هذه الدول التي هي أكثر حداثة وقد خطت خطوات في فصل الدين عن الدولة هل هي دولة غير مسلمة؟ فنقول له عندئذ قد أنزل الله فيها قوله تعالى (( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون))والغفلة عن الله تكفي جوابا لهذه الدولة .
وإذا كانت دولة مسلمة واختارت قانون الأرض على القانون المنزل من السماء وخطت بذلك خطوات تعجب الزائر فيقول الله لهذا الزائر (( أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغني عنهم ما كانوا يمتعون )) .
وأختم هذا التعليق كله ونطرح على الجميع ما طرحه الله بدون الجواب لظهور ذلك الجواب للمسلم (( أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم )) ، (( أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير )) .

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button