مقالات

هل يدرى الرئيس؟/الدكتور أحمد سالم بن مايأبى/elbidaya20@gmail.com

وقفة مع التعيينات الأخيرة

يُثمِّن كل منصف رفع شعارات الإصلاح، ويود كل مستقيم أن يكون جزءا من قافلة المصلحين وعضوا في جهازها الإداري، وإذا كان البعض يُقر أن مشروع التغيير المتعلق بالفساد الإداري والمالي وما يقتضيه من محاسبة الفاسدين المفسدين قد انطلق، فإنه من شبه المجمع عليه أنه توقف، فلم يعد على القائمة من هو مطالب برد المال العام وما أكثرهم في صفوف النظام يمشون بأعراض مصونة وأملاك محروسة، ناهيك عن منح البعض منهم مناصب ورتبا سامية، وما صمتُ الإعلام، وتعليقُ مذكرات التوقيف، وطي المحققين صحفهم وأخذ مفوضية الجرائم الاقتصادية إجازة مفتوحة إلا مظاهر تصديق لهذا الاعتقاد.

على أن الأمر لم يقف عند الإحجام عن متابعة هذه الشريحة، ولا الطريقة التي تمت بها تسوياتٌ لم يكن القضاء صاحب الكلمة الأولى فيها فضلا عن الأخيرة، بل تجاوز إلى مسارات أخَرَ، ولست ممن يعجبه البحث عن عورات الناس، ولا أسجل هذا تحريضا على الانتقام، ولا تذكيرا بإحياء ما نام من فتنة، إنما أسوقه لأرتب عليه أن رصد المسيرة المظفرة لهذه الحكومة الموقرة يُمد الباحث بشواهدَ كافية في الإثبات، وأدلة صريحة لا تحمل أكثر من معنى؛ ربما لا يراد لها أن تحمل غيره، وحسبي في هذه الوقفة القصيرة أن أتأمل آثار مجلس الرئيس والوزراء يوم الخميس الخامس والعشرين من ربيع الأول 1431 هـ الموافق 11/03/2010م وما أذيع إثره من تعيينات، مهنئا من حملت له خبرا سارا داعيا له بالتوفيق، مسليا من انتزعت منه الميزات قائلا له: لا تبتئس بما صنعوا، فما هي إلا تكليفات وأمانات القائم عليها أقرب للخطر من المستفيد منها، وبحكم كثرة التعيينات الماضية وتنوع مشارب أصحابها، وخضوعا لحدود علمي القاصر فسأعرض نموذجين اثنين من هذه التعيينات لنضعهما في ميزان الإصلاح ونفحصهما: هل يترجمان التغيير المنشود؟ مستفهما في آخر الوقفة عن حقيقة ما يجري هل هو بعلم الرئيس – وذلك المفترض لأن نظام البلد نظام رئاسي ولأن المجتمع العربي عموما والبدوي منه خصوصا لا يعرف غير مركزة السلطة – أم أن الرئيس ليس شريكا في مثل هذه التعيينات بل فوض صلاحياتها للوزراء ورفع عنهم الحرج، وفي كلا الحالين، ألفت نظره إلى أن الأمر يتجه تصحيحه إليه وفقا لما له من التزامات تبرع بها للشعب، ولا زال حتى البارحة يكررها في خطاب عرفات، مذكرا إياه بقول صفي الدين الحلي وهو يندب ” ماردين ” وتبدل أحوالها:

إن كنت لا تدري فتلك مصيبة**أو كنت تدري فالمصيبة أعظم
وحرصا على تحري الموضوعية سآخذ مُعيَّناً ومُغَيَّباً مسْتَسمحا الاثنين معا في تناولهما غير قاصد بالحديث عنهما إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب:

النموذج الأول: جاء في بين مجلس الوزراء – بصيغة التثنية وصرفتها للإفراد لأني سأتحدث عن واحد فقط- ما يلي:

وزارة الصيد و الاقتصاد البحري

ديوان الوزير

المستشار الفني:

– محمد الأمين ولد سيدي ابراهيم ، مدير البحرية التجارية بنفس بالوزارة سابقا .

وللحديث عن محمد الأمين بن سيد إبراهيم أقول: إنه تم تأسيسه أيام التعليم الخوالي فحاز الثانوية في الرياضيات، وبين المتاح من المحمدية للمهندسين ومعهد البحار كان حظه في الأخير فأضحى من أوائل الأطر البحرية في البلد بعد أن تخرج من معهد الدراسات البحرية بالمغرب مطلع الثمانينات، وعاد ضابطا بحريا، ربانا، قبطانا ملاحا – لا مشاحة في المصطلح- واشتغل بانواذيبو، ثم تطور خبيرا، ليعمل بميناء الصداقة مطلع التسعينات رئيسا لمصلحة حركة السفن به، وحين تم توزيع التركة الموريتانية بين ضباط اللجنة العسكرة كان الميناء من حظ مديره في تلك الفترة ولم يزل الحال بالخبراء الأربعة الذين يعتمد عليهم الميناء كله في ذلك الوقت حتى دخلوا في صراع مع المدير القادم من الثكنات المفوض من رئيسه…….، ولم يملك السيد محمد الأمين إلا أن ينفصل من العمل، منشغلا بأعماله الخاصة، وشبكة علاقاته ضمن قطاعه مع الشركات العالمية العابرة للقارات، ولم يتول منصبا في الدولة إلا إبان حكومة الزين ولد زيدان، ولم يرض أن يشتغل بغير اختصاصه، وللراغبين في التحقق من سيرته داخل إدارة البحرية التجارية أن يمروا بباب وزارة الصيد ويسألوا الحاجب ومَن فوقه مرورا بالكاتبات عن الرجل فربما أشبعت إجاباتهم فضول الصحافة، وبدلا من أن يكرم في استرجاع صلاحيات الإدراة التي تَغوَّل عليها قطاعُ النقل في فترة الحكم الانتقالي الأول، وعِوضَ أن يمسَّك وزارة الصيد، أو يرقى مديرا للميناء يجد نفسه مستشارا لوزير صلتُه بالبحار أقل من صلتِه بأودية النخيل ورمال الصحراء، وللعلم فهو دارس بالفرنسية، يجيد الإنجليزية بطلاقة، و نصيبه في الإسبانية هو أعلم به، وفوق هذا وذك فالخبير محمد الأمين ولد سيد إبراهيم عَيْنُ قومه، سائسُ شئونهم، معروف للرئيس والوزير الأول، والمفترض أن وزير الصيد لا يملك أن يتصرف في وظيفة بحجم البحرية التجارية مع شخص بمكانة هذا الرجل إلا بأوامر سامية، وتوجيهات عُلَى ربما أملاها الحرص على الإصلاح وتوزيع المناصب.

النموذج الثاني: جاء في بيان مجلس الوزراء ما يلي:

المؤسسات العمومية

المعهد العالي للدراسات البحوث الإسلامية

المدير المساعد : محمد عبد الله ولد احمد ولد بديه، حاصل على المتريز في القانون .

من نافلة القول التأكيد على أني لا أعرف هذا الرجل ولا أنافسه منصبه الجديد الذي باركته له في بداية المقال، ولست أستاذا بالمعهد، ولا مقيما أصلا بالبلد، وأنثر هذه المعلومات الأجنبية على الموضوع ملتمسا العذر من الرجل، ممهدا للقول: إنه ليس عيبا أن يعين حامل “المتريز” في القانون مديرا عاما أو وزيرا فضلا عما دون ذلك، بل ليس من المستبعد أن يكون أفضل من كثير من “الدكاترة” وحاملي ” الماستر ” فالله أعلم حيث يجعل رسالته، ولن يستغرب المراقبون الإتيان بإداري متمرس في المؤسسات التعليمية ليتولى ضبط فوضى المؤسسة، ويحول بين طلابها والشغب، ويقضي على التسرب والتغيب غير المنهجيين، ولن يعجبوا إن جُلب للمَهمة من يتقدم المنتمين للمؤسسة مؤهلا وخبرة، لكن ظروف الشفافية والأعراف الأكاديمية وتخير الرجل الأنسب قبل المناسب تجعل خطا تحت قرار تعيين كهذا، ومهما يكن في مؤسسة المعهد من تأخر وضعف في الكادر البشري فلن يعدم الباحثون عن الإصلاح والمصلحين فيها من يسندون له هذه المهمة، ويكلفونه بالحقيبة فلا يخلو المنصب من أن يصنف وظيفة أكاديمية أو إدارية وفي المؤسسة من الصنفين من خبرها وخبرته، ولا شك كذلك أن بينهم من يتوق لها، وخاصة منهم المميز الذين ينتظر أن يصلح الجهاز الإداري في الحكومة ليكتشف أنه حفيظ عليم، فيختاره للأمانة، ويترك المجتمع يستنتج لما ذا جُعل المتصف بهذه الأوصاف مكينا أمينا.
لا أريد أن أعلق على الحدث بأكثر من هذا فللمعهد ربٌّ سيحميه، كما هو الحال بالنسبة لموريتانيا كلها، وأما خاتمة القول ونتيجة العرض، والخلاصة الأساسية فسأترك القارئ يتولى نخْلَها مما سبق من تعيينات في قطاع الدبلوماسية والإدارة الإقليمية مضيفا لها مؤشر تعيينات الخميس ليتلمس اتجاه بوصلة الإصلاح عسى أن لا تزال قابلة للتوجيه والتقويم، مستفهما استفهام الجاهل: هل يدري الرئيس حقيقة بهذه التعيينات؟

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button