مقالات

عندما تبتسم الغوريلا

لاشيئ سيجعل وجه الليل الدامس منيرا،ولو أوقدت فيه ألف مصباح سيظل الليل في هدوئه وسكونه، وظلامه ليلا دامسا، كما لاشيئ أيضا سيحول الغوريلا إلى غزال شادن مهما وضعت كل مساحيق التجميل على وجهها، ومهما بالغت في الابتسامات والصفراء والحمراء.

سيظل الليل ليلا وتظل الغوريلا قردا – قد يكون غزالا في عين أمه – لكنه لن يكون كذلك في عيون الملايين الذين يبصرون ويسمعون.

وكما لن تنجح الغوريلا في مشوراها التجميلي فإن زيارات الجنرال الباهتة ولو جاب البلاد طولا وعرضا في إقناع أحد بأنه لم يعد مجرد حارس عند الرئيس قام بالاعتداء عليه وسجنه، وأنه شخص غير محظوظ ولايعرف كيف يقيس الأمور ولاكيف يتعامل مع الأشياء وحتى لو ابتسم ألف ابتسامة أو ضحك حتى استلقى على ظهره،سيظل هو كما كان خائر القوى خائفا من مستقبل صنعه بيد لم تعرف القبض على الزناد أحرى العدل وسياسة الأمور

وعندما يحاول الجنرال الخائر القوى أن يتعامل مع الأمور بهذه البساطة واللامنطقية فإنه إنما يبدء صفحة جديدة من كتاب سيرته الذي يصر على أنه يملأه من الأفعال غير المحسوبة والمغامرات المتهورة وفي أحسن الأحوال الانغماس في أفعال ينزه العقلاء عن الانجرار إليها.

قامت عظمته بزيارة خاطفة للحي الساكن في دار النعيم،فاصطف العسكر من القصر الذي اغتصبه إلى الحي الساكن، كان الفقراء ينظرون إلى هذا الطوق الأمني الذي فرض عليهم، وإلى هذه الزيارة التي لنم تبرمج معهم،حتى يتلقوا الوفد الزائر بما يليق من عبارات التبجيل والتكريم،وأفعال التقدير والتعظيم، والتي يعلم الجنرال قبل غيره أنها لن تتجاوز عبارات التنديد الصارم والسخرية القارص وربما امتدت يد فتى طائش إلى بيضة أو حجر فرماها على الموكب المسلح لا بالإيمان بأهدافه والثقة بالقدرة على الإنجاز وإنما بمائات قطع السلاح والرشاشات التي لو وجهت إلى تورين لكفت المؤمنين شر القتال ولأعادت إلى الجيش كرمة ديست في تلك الرمال المتحركة.

زيارة الجنرال للحي الساكن فعل لافائدة فيه وعمل لا معنى له سوى البحث عن شرعية مفقودة،وعن ظهير داخلي بعد أن انقطع الأمل في زحزحة الموقف الخارجي، ومحاولة يائسة لتسجيل موقف مع الجماهير التي لاتعرف أي صبح انشق عن هذا الجنرال حتى ينصب نفسه ملكا على الناس يسجن من شاء متى شاء ويزور من شاء متى شاء.

كان بالإمكان للجنرال الذي يفكر بدماغ دبابة أن يعلم أن وقت الزيارة غير مناسب وأن حر رمضان الكريم غير مناسب لحشد المواطنين المساكين للتفرج على الجنرال وهو يغالب سكرات مشهد انتحاري آخر ويقدم لخصومه حبل مشنقة آخر يلفونه حول عنقه السياسي،التي تحيط بها الأغلال من كل جانب.

حاول الجنرال أن يخترق طوق الرفض التي تحيطه به جماهير نواكشوط الرافضة للانقلاب الفج، حاول المسكين التوجه إلى دار النعيم حيث يعلم أن المقاطعة تضم جماهير حزبي تواصل والتحالف الشعبي التقدمي وكانت النتيجة أن احتشد العشرات من المتفرجة الذين أحبوا أن يروا ولد ” عبد العزيز هذا الذي لايريد أن يبقى في الدنيا غيره، والذي لايقيم وزنا لأي شيئ غير طموحاته ومآربه الشخصية وحرصه التام على البقاء ولو في حمأة الطين ومستنقع المشكلات.

كان على الجنرال أن يدخر الجهد الذي بذله والعرق الذي تصبب من جبينه لما هو أهم من زيارة لافائدة فيه سوى الوعود التي كان ولد عبد العزيز ذاته يشهد أيام ولد الطايع على زيفها وكذبها وعلى أنها لن تحقق أي شيئ،فمن السهل أن تعد ومن السهل أن تتوعد أيها الجنرال لكن أفعالك الأخرى تنسف أي قدرة لك على تحقيق الوعد أو إنجاز الوعيد.

زيارة الحي الساكن ليست إلا جزء بسيطا من عملية استعادة غير واعية بل غير موفقة لمنهجية كان العقيد ولد الطايع يعمل على ترسيخها،ولأن الجنرال عزيز ليس إلا صنيعة تامة لولد الطايع ( هو الذي قربه وجعله يترقى في السلك العسكري رغم أنه لم يؤد خدمة عسكرية ذات بال )، كما أنها ليست إلا عملية تجميلية بالغة التعقيد والسخافة لجسم بدأ يتحلل من الداخل وبدأت أوصاله تتآكل كما لو كان مدفونا في الأرض منذ سنين.

لم تنجح الزيارة فأغلب سكان نواكشوط لم يسمعوا بها،وسلطات البلدية الشرعية غابت عنها لأنها لاتعترف بالجنرال الأرعن، ووسائل الإعلام الدولية تجاهلتها، أما أهازيج الإذاعة والتلفزة الرسمية وهمهمات الوكالة البائسة فلن تنجح في تسويقها، إذ لا أحد هذه الأيام يصبر على سخافات الإذاعة والتلفزة،وبالتالي أضاف الجنرال عملية عبثية إلى عبثه االقديم،وسجل أنه سيظل عبئا ثقيلا على الوطن والمواطنين، وعلى العسكر الذين وقفوا في الشمس الحارقة بينما كان الجنرال مستلقيا على كرسيه الوثير في سيارته المكيفة ليلقي كلمة باهتة ويعود بعد ذلك إلى القصر المكين حيث بدأ هناك حارسا استطاع الغدر بكل رؤسائه ليصل إلى منصب يعلم أنه سيكلفه قلقا نفسيا متواصلا وخوفا من قادم آخر ينتزع منه بالقوة وربما بالحق أيضا ما انتزعه هو بقوة بدا للوهلة الأولى أنها خائرة جدا وغير قادرة على المجابهة.

كان الكل يتوقع أن يقوم الجنرال بزيارة لتورين،أو أن يقرأ الفاتحة على أرواح الجنود المخطوفين أو أن يتخذ أدنى موقف يحفظ البقية الباقية من ماء الوجه المتكلس، لكن الجنرال في شغل عن كل ذلك،همه تثبيت كرسي أقامه على سيقان من الغضب والغدر والخوف والقلق فلا يمكن أن يستقيم أبدا ولو حملته الرجال على أكتافها فقريبا سيشعرون أن الجنرال – بفعل الإقامة الدائمة في القصر – أصبح أثقل مما كان وسيرمون به من على أعناقهم ويتركونه يواجه مصيرا هو من رسمه بانقلابه الفج يوم السادس من أغشت.

سيدي الجنرال أنك عاجز تماما العجز عن صياغة رؤية للتعامل وعقلية التكبر التي ساقتك إلى الانقلاب والتي ستقودك أيضا إلى منفى اضطراري إما خارج السلطة أو خارج الوطن.

لكن مشكلتك الكبرى أنك لاتجد ناصحا يؤكد أنك تبني جسرا على الثرى وأنك منغمس في عملية عبثية جدا وغير جادة ولا مسؤولة، المشكلة أن مرافقيك وأعوانك لايعرفون النصيحة ولو كانوا يحبونك بالفعل لما تركوك تخاطب السفير الأمريكي بما خاطبته به يوم جاءك يقدم إليك تهديدات المجتمع الدولي فحولت الحديث إلى مرافقيك ” وخظ عني ذا الكلب ” لتلقطها إذن سفير أمريكي غاضب،مرد على احتقار الرؤساء والملوك أحرى الجنرالات الانقلابيين.

عظمة الجنرال المقال محاولاتك التجميلية غير ناجحة بالجملة، وغير موفقة وبإمكانك أن تخلد إلى النوم، إنها في الأول والأخير أفعال عبثية،تماما كما هو الحال عندما تشاهد ابتسامة الغوريلا … لن تشاهد حينئذ إلا أصول أسنان غير متناسقة مثل حكومتك ونظامك اللاشرعي.

عبد الله ولد محمد

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button