مقالات

هؤلاء والمعركة الخاسرة/ الشيخ ولد حرمة ولد ببانا

منذ فترة ونحن نسمع زعماء المعارضة وهم يتبادلون الأدوار في تلك الاسطوانة المشروخة سعيا لترويع الرأي العام، وفي كل مرة لا تختلف العبارات، ربما لأن الأوعية واحدة، فالأمن بالنسبة لهم مفقود، والعدالة غائبة، والحالة المعيشية مزرية، والمخدرات والهجرة السرية، وكل ذلك، وغير ذلك، ثم المعزوفة “التقنية” عن الحوار ورفض النظام للحوار، وأخيرا الدعوة إلى استقالة الرئيس والحكومة حتى لا يذهب البلد إلى الخراب بفعل المحسوبية ورمي الكوادر العلمية.. وكل ما توفر من عبارات في القاموس التقليدي للمعارضة.

لقد تبادل الثلاثي (أحمد ولد داداه، مسعود ولد بلخير،محمد ولد مولود) طيلة الأسابيع الماضية على تلك الكراسي الخشبية وبلغتهم الأكثر خشبية مهددين تارة ومتوعدين تارة أخرى، ومحللين مرة ثالثة، ومنذرين مرة رابعة، ومرجفين في المدينة دائما.

إن نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يأت ليستلم باقة ورود، بل ليعالج واقعا جمريا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، واقعا يعرف الموريتانيون والمثقفون والسياسيون والإعلاميون في شبه المنطقة أنه وليد الفوضى العبثية التي فرضتها الأنظمة المتعاقبة على هذا الشعب المسكين الصبور طيلة خمسين سنة مضت.

ولن نشير هنا إلى إنجازات عقود، بل فقط الى إنجازات أيام وأشهر معلومات هي التي مضت حتى الآن، من مأمورية رئيس الجمهورية.

وقد أعطى الوزير الأول الدكتور مولاي ولد محمد الأغظف الأسبوع الماضي أمثلة فقط من عمل الحكومة خلال الأشهر الماضية (7 أشهر فقط) إذ بدأت الحكومة بتطبيق البرنامج الانتخابي للرئيس المنتخب.

ففي مجال تأهيل و ترقية منظومتنا الصحية تم إنشاء مستشفيات حسب المعايير الدولية و تجهيزها بأرقى المعدات و لا تزال أخرى في طور التشييد و أخرى قيد الدراسة. هذا بالإضافة إلى مجانية بعض الخدمات الصحية الأساسية مثل غسيل الكلى و علاج الملاريا.

و في مجال المياه الصالحة للشرب، والتي تشكل أولوية بالنسبة للمواطنين، تنفذ الحكومة حاليا ثلاثة أكبر مشاريع إنمائية في تاريخ البلاد، وهي “مشروع بحيرة الظهر” و”مشروع آفطوط الشرقي” (يستفيد منه 500 تجمع سكاني)، و”مشروع آفطوط الساحلي” الذي دخل مراحله الأخيرة، وسيحل نهائيا مشكل المياه بالعاصمة نواكشوط، فيما هناك مشروع مائي رابع نفذ جله ويتعلق ب 380 شبكة مياه.

إن المشاريع الثلاثة الأولى تنفذ في مناطق تضم ثلثي (2/3) سكان البلاد.

إن هذه المشاريع التي أشرف بعضها على الانتهاء والبعض الآخر شرع العمل فيه ليست مشاريع ورقية على غرار تلك التي كان من السهل الغمز فيها.

وكمثال آخر تحركت الحكومة بسرعة في مشروع كهربة نواكشوط من خلال اقتناء مولدات وبناء محطة جديدة لتوليد الطاقة، ستمكن من مضاعفة الطاقة الإجمالية للكهرباء في نواكشوط، أي أن كل ما أنجزته الأنظمة السابقة في إنتاج الطاقة الكهربائية لنواكشوط طيلة خمسين سنة (46 ميغاوات)، ستنجزه الحكومة الحالية في غضون أشهر فقط.

أما في مجال فك العزلة عن المناطق الداخلية لخلق حراك تنموي واقتصادي، فيجري التنفيذ والتخطيط ل 17 طريقا ستربط بين 17 مدينة وقرية هامة في داخل البلاد بطول مئات الكيلومترات وتمويل يصل إلى مئات ملايين الدولارات، ومن ذلك طريق “أطار- تجكجة” وطريق “كيفة- الطينطان” وطريق “النعمة- باسكنو- فصاله”، وطريق “تجكجة – كيفة- كنكوصة- ولد ينجه – غوراي”. كما يجري إنجاز شبكة طرقية في العاصمة نواكشوط.

ومن الأمثلة أيضا في مجال مكافحة الفقر وتحسين الوضع المعيشي إطلاق عملية رمضان، و مجانية الخدمات الطبية بالنسبة للمعوزين وإعفاء قرابة نصف ديون المزارعين، وتمويل الزراعة المطرية، واستحداث، ولأول مرة القرض الخاص بالمنمين، كما استفادت مئات القرى من هذه المشاريع، وتم خلق آلاف فرص عمل في المناطق المستفيدة.

وشرعت الحكومة في توزيع 22 ألف قطعة أرضية على سكان الأحياء الفقيرة في نواكشوط وانواذيبو، كما قامت الحكومة بمبادرة علاوتي النقل والسكن التي سترفع راتب الموظف بمبلغ معتبر.

إن نظاما بدأ بإنشاء المستشفيات والطرق وإنجاز مشاريع الكهرباء والماء والسكن وتحسين مرتبات العمال، ومحاربة الفساد، وإصلاح الإدارة، ورفع جاهزية الجيش وتسليحه حيث يوجد اليوم في مناطق لم تدخلها السلطة من قبل، وإجراء إصلاحات جريئة ومن خلال خطوات ملموسة، ليستحق أن يخاطب بلغة تقدير و إكبار لا بغير ذلك.

وإن الناظر إلى الخريطة الإقليمية والدولية للتمويلات التي حصلت عليها بلادنا لإنجاز مشاريع المياه والطرق والكهرباء والسكن ومكافحة الفقر، وغيرها، سيكتشف أنها جاءت من صناديق التمويل العربية والإسلامية والغربية.. من البنك الدولي في نيويورك غربا إلى الصين وطهران شرقا. سيكتشف بدون ذكاء أن النظام الموريتاني الحالي امتلك ورقة السيادة في السياسة الخارجية التي كان الرؤساء السابقون يتحركون فيها على هدي “البوصلة المثبتة مسبقا”.

لكن زعماء المعارضة لا يرون غير ما تميل إليه نزواتهم و تصوره مخيلتهم المغلفة بغشاوة كثيفة من الحقد و الضغينة و الإحباط السياسي.

فعن أية “قطيعة عالمية” للنظام يتحدثون في وقت يتسلم فيه رئيس الجمهورية وفي يوم واحد اوراق اعتماد سبعة سفراء جدد لبلدان هامة من بينها اليابان وتركيا، في حين أن مجتمع السلك الدبلوماسي بنواكشوط في تنام مستمر ومثمر للتعاون.

و لعل ما أغاظ زعماء المعارضة هو عناق محمد ولد عبد العزيز مع هوغو تشافيز و أحمدي نجاد و طيب اردوكان، والشيخ حمد بن خليفة، والقائد معمر القذافي، وبشار الأسد، وخالد مشعل، في الوقت الذي يستقبل فيه وبحفاوة كبيرة في باريس ومدريد، ويحصل على التمويلات من الشرق والغرب وما بينهما.

و كم يتناقض زعماء المعارضة عندما يعزفون على وتيرة الهجرة السرية محذرين من خطورتها، متناسين أن التقارير تؤكد انخفاض وصول المهاجرين السريين إلى أوروبا عبر أراضينا، ثم، ويا للغرابة، يدقون ناقوس الخطر متهمين النظام بأنه أصبح “حارس بوابات أوروبا”.. هل يحرس هذه البوابات رجل ضعيف أم قوي؟ حليف موثوق أم ماذا؟

قد لا يتسع المجال لسبر أغوار السطحية و التناقض الكبير الذي يطبع خطاب المعارضة. و من ذلك حديثهم عن انتشار الجريمة والإرهاب و كذا، و كذا، دون أن تحرجهم بعض الانجازات التي تحققت في مجال مكافحة الجريمة والإرهاب، ومن بينها تسليح جيشنا والعمليات النوعية الأخيرة عسكريا واستخباراتيا، ومباشرة الحوار الفكري لاستئصال الغلو والتطرف.

و كأنهم لا يرون غير لون واحد، وأحيانا لا يرون حتى ذلك اللون على حقيقته. وكل ما لديهم هو جمل محفوظة من العهود الماضية مردوا عليها وما هم بمغيري ما تعودت عليه ألسنتهم.

من حين لآخر نسمع قياديا معارضا يقول “النظام العسكري” أو “من أصل عسكري”، و”الانتخابات المزورة” تقنيا أو حتى “جنيا”..

و الحقيقة أن قادة المعارضة الموريتانية لم يفيقوا بعد من هول صدمة خسارتهم لانتخابات الثامن عشر يوليو 2009، تلك الانتخابات التي تشكل درسا في الديمقراطية في العالم أجمع، فلأول مرة تدير المعارضة الانتخابات عبر وزارة الداخلية وبمساندة وزارات الإعلام والدفاع والمالية، وأكثر. ومع ذلك هزمها رجل في الشارع، ظنت أنها جعلته يركع سياسيا وانتخابيا بتنازله في اتفاق دكار عن النصف السيادي من الحكومة، وعن ثلثي اللجة المستقلة للانتخابات بعد استقالته عن طواعية من الجيش و من رئاسة الدولة، ثم فاز بأزيد من 53% من أصوات الناخبين في الشوط الأول، باعتراف وزير داخلية المعارضة الذي أعلن نفسه عن النتيجة. فلم يكن من المعارضة إلا أن قالوا مثل ما قال الأولون “قالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون” بدل التحلي بأخلاق اللعبة السياسية والعملية الانتخابية..

فلجأوا إلىى تفريخ البيانات والتصريحات العارية من كل صحة و الفاقدة لكل مصداقية.. والدعوة لاستقالة الرئيس والحكومة. كل هذا لن يغسل العار السياسي و الانتخابي عن مرشحين لم يملكوا الجرأة و النزاهة الفكرية للاعتراف و الاستسلام لحكم غالبية الشعب و تغليب المصلحة العامة و السلم الاجتماعي على الحسابات الضيقة والمصالح الفردية في وقت بلادنا في أمس حاجة إلى لحمة وطنية حقيقية من أجل بناء وطن طالما تعرض للهدم و النهب الممنهج.

ثم إنهم يتحدثون عن العجز، فعن عجز من يتحدثون؟ ولم لا ينظرون إلى “مراحهم”، ألم يعجزوا عن الفوز بالانتخابات، ألم يعجزوا عن التغيير داخل أحزابهم، ألم يعجزوا عن الحفاظ على وحدة الأحزاب التي يقودونها والتي تتحلل يوميا كتحلل الفطر، ألم يعجزوا عن الاحتفاظ بخطابهم وشعاراتهم، ألا يخجلون حتى عندما نزلوا إلى الشارع مدافعين عن الفساد، ومنددين بإقالة المسؤولين الفاسدين و كانوا بالأمس يستصرخونهم و يتوعدونهم.

إن الشعب الموريتاني لا يتذكر أنهم قدموا له أي شيء باستثناء هذه البيانات المحمومة والتصريحات النحيبية التي تشكل وحدها ثابتا في مسيرتهم السياسية السيزيفية إلى الحكم.

و من التناقضات التي تقدح في ما يدعيه هؤلاء من مصداقية نضالية و نضج سياسي أن يتحدثوا عن الحوار و الإشراك في الوقت الذي يلجؤون إلى لغة الغمز و اللمز و الشتائم والجفاء والتشكيك والفتنة والرغاء الأجوف الذي لا يقرب المسافات و لا يضيق الفجوات.

ومن السهل الادعاء بالنضال والتضحية فهذه مفردات شائعة، وما على المرء إلا أن يقلد نفسه بما شاء من هذه الأوسمة المفرداتية التي خرجت عن كل مدلول. وأسهل من كل ذلك بناء عالم وهمي من الكلام والادعاءات التي تلقى على عواهنها، حتى لو كان ذلك يمس شعور أغلبية المواطنين الذين وقفوا في الطوابير لينتخبوا رئيسهم.

ومن السهل كذلك الادعاء بالوطنية مع أن المواطنين لم يفرقوا بين تصريحاتهم وتصريحات النخبة السياسية المالية بعد استدعاء موريتانيا لسفيرها احتجاجا على تصرف غير لائق من أشقائنا في باماكو.

إن الهجوم على رئيس الجمهورية، والاعتداء اللفظي على إنجازاته، أمر غير مقبول لا سياسيا ولا أخلاقيا و لا قانونيا.. و هو أمر يقدح في وطنيتهم…وعلى هؤلاء الذين يدعون العمل بالدستور أن يراجعوه ليعلموا أن رئيس الجمهورية خط أحمر ينبغي احترامه لكونه يمثل إرادة الأمة و روح دستورها الذي هو رمزها الأول.

هل يثير الحسد كون رئيس الجمهورية شاب انتقل إلى اللعبة السياسي وهزم كل دهاقنة السياسة كما يصفون أنسفهم، وأصبح يلقب شعبيا ب”رئيس الفقراء” ثم أنجز في أشهر ما لم تنجزه أنظمة في سنوات وعقود، فطرد الصهاينة من بلاد المنارة والرباط، وآزر المقاومة العربية والإسلامية بشهادة رجالها، وحارب الفساد والمفسدين، وسير البلاد بصرامة رجل الدولة، وعانق الثائرين والمصلحين، وداوى ألم المرضى والجياع، و فتح نافذة أمل على مستقبل واعد كان بالأمس مدلهما، وفرض احترامه، وأسس لخطاب شعبي صادق وجذاب، ثم احتكم إلى انتخابات تحت عيون العالم وبأيدي المعارضة وفاز بتلك الطريقة المشرفة.

فهل ينقمون من محمد ولد عبد العزيز إلا أنه الرئيس المواطن القريب من نبض شعبه، الحامل لكرامة موريتانيا، المثقل بهمومها ومعاناتها، والطامح إلى التغيير البناء وإلى بناء موريتانيا الأعماق.

ألم يتمكن في أيام قليلة من طي صفحة أعوص ملف سياسي داخلي يهدد وحدة البلد، الملف الذي عجز سياسيو البلد عن حله طيلة عشرين سنة، ليأتي محمد ولد عبد العزيز، وفي ستين يوما، تمت تسوية ملف سنوات الجمر كما تسميها الصحافة.

ألم يضع الرئيس المواطن في أولوياته تحسين وضعية خزان الفقر والألم الذي أهملته كل الأنظمة السابقة، فأمر بإنشاء المدارس والمستوصفات والآبار و الطرق وتوزيع الأغذية والأدوية، ومنح التمويلات للمواطنين، والعمل بدأ للتو.

إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز هو رجل الإصلاح، وقاد حركة التصحيح كما سماها زعيم المعارضة، قبل أن يتراجع ويضع الحصان والعربة معا أمام الطريق، ومن الطبيعي أن يواجه كل رجل إصلاح عواصف من التشكيك والشائعات والاتهامات، فالإصلاح دائما ضد الواقع، والأهم أن الإصلاح ضد العقلية النمطية.. لكن هيهات أن تقف الهمة.

ومن السذاجة أن يظن ألئك الذين امتهنوا، وعلى مر التاريخ، بيع المعلبات السياسية من شخصيات وحركات، أن ما يقومون به حاليا سيؤدي مبتغاهم، فالزمن تغير كثـــــيرا، والباقي يسير.

و من السذاجة كذلك أن يظن ألئك الذين يسترخصون ما عداهم أن زمن السكوت عنهم جامد لا يتحرك وأن ألسنتهم ستواصل الدوران كالشفرات الحادة في الأعراض، إذ عليهم التأكد أننا سنرد الصاع بعشرة أمثاله، فإن شاؤوا كالوه تمرا وإن شاؤوا ملؤوه جمرا..إن ينتهوا يكن خيرا لهم و” إن يعودوا نعد و لن تغني عنهم فئتهم شيئا”.. والبادئ أظلم.

لا نريد منع هؤلاء التمتع بحقهم في التعبير، وإن كانوا لا يمارسون إلا الباطل من شائعات وتبخيس، وشماتة من بلدهم كل ما سنحت لهم الفرصة بذلك، لكن من السخرية بمكان أن يظن زعماء المعارضة والشائعات والأرز الفاسد أن معركة لغة الغوغاء وأبناء الشوارع قد تعوضهم مرارة الهزيمة والشعور بضياع الذات.

المصدر: جريدة الشعب

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button