الطوفان / الحاج ولد أحمد
بدا جليا لمن يتتبع الساحة السياسة الوطنية هذه الأيام أن المعارضة بتشكيلتها الجديدة-القديمة، باتت تنتهج خطا غريبا متسارعا ومتهافتا في التصعيد بشتى أصنافه، وقد رأى جل المحللين أن تفسير هذه الظاهرة لا يتعدى كونها هبة جديدة للانتقام يقودها زعماء سياسيون تعرضوا للإهانة في الانتخابات الرئاسية الماضية ولم يستفيقوا من تلك الصدمة إلا بعد عدة أشهر … وهاهم اليوم ينظمون صفوفهم ويحشدون كل طاقاتهم ثأرا لما حاق بهم ويحيق .
هذا الرأي التبسيطي لا نأخذ منه إلا مبناه حيث نتفق مع قائله بأن هؤلاء تعرضوا فعلا لصدمة قاتلة مازالت تؤثر في سلوكياتهم ونمط تفكيرهم فيبدون كمن يبحث عن أي فرصة للانتقام وبشكل هستيري دونما حساب للعواقب، فتختلط عليهم الأمور تارة حين يخطفون مجموعة من الصحافة وينطلقون بهم خارج العاصمة ليطلعونهم على ما يزعمون أنه مكب نفايات سامة.
وبغض النظر عن صدق هذا الإدعاء من عدمه فإن المتعارف عليه عادة أن الصحافة (السلطة الرابعة ) هي من يجلب المعارضة لمعاينة ما يعتقد أنه يخل أو يمس بالشأن العام، أما في هذه الحالة فنحن أمام أمر قد اختلط فعلا على أصحابه فوقعت خلبطة وتبادل في الأدوار بين سلطة المعارضة التي يفترض أنها أسمى، وبين سلطة الصحافة . إن دور المعارضة هو أن تعمل في ظل المنافسة السياسية المشروعة دستوريا بعيدا عن الدعاية الزائفة والتحريض الأعمى، إن المنافسة السياسية تمر من خلال عملية الانتخابات وبخلاف ذلك تكون الممارسة مجرد سلوكيات هي اقرب إلى الشكلية منها إلى الديمقراطية.
أما التفسير الذي نعتقد أنه صوابا -وذلك لأن كل واحد منا في هذا الوطن أو خارجه يحسه أو يشعر به داخل وجدانه- وهو أن الحالة التي أمامنا هي حالة طبيعية من موت ” سياسي- سريري ” محتوم لأكثر من تشكيل سياسي لا يجمع بينهم إلا ما يمكن وصفه بعوامل وأسباب الفناء السياسي الذي هو سنة من سنن الحياة السياسية وبالنتيجة فإنهم يتشاركون في دفعه ومقاومته.
هذه الحالة السريرية يمكننا أن نشخص أسبابها الموضوعية فيما يلي :
1. أفول النظام الذي اكتسبوا شرعيتهم من مقارعته وأنهكتهم مناطحاته ونطحاته. والذي كانوا قد بنوا كل خططهم وإستراتيجياتهم مقابل خططه وإستراتجياته وذلك على مدى زمني غير هين يصعب بعده التعديل فما بالك بالتغيير.
2. معدل أعمار بعض قادة المعارضة الذي قارب السبعين أمام العقبة الدستورية المحددة لأعلى سن للترشح للرئاسة ب 75 سنة .
3. أما السبب الثالث وهو الأخطر فيكمن في الهزة الارتدادية لزلزال الانسحابات مع نزول حزب جديد غير تقليدي إلى الساحة ليبني قواعده في عمق الصراع جارفا بوتيرة متسارعة ومتصاعدة قواعد المعارضة التقليدية حتى تلك منها التي كان يعتقد أنها مضمونة، حيث جاءتهم النذر تعقبها صيحات الاستغاثة من كل بقعة وزاوية في هذا الوطن المترامي الأطراف. والأنباء تتوارد وتترى بأن عدد المنتسبين في باركيول – قلعة إتحاد قوى التقدم الحصينة- قد زاد بكثير على عدد المصوتين للرئيس محمد ولد عبد العزيز وإن في ذلك لعبرة!.
وحيث بدا أن هؤلاء الملتحقين الجدد والذين هم في غالبهم ممن إحتنكوا السياسة وخبروها قد اختاروا انتظار التشكيل الفعلي للحزب بدل الانضمام له في حالته المؤقتة وهو لعمري تصرف حكيم وصائب لمن يريد تفعيل طاقاته ومخزونا ته السياسية الاجتماعية للحصول على ما يليق بذلك من مراكز وامتيازات داخل بناء سياسي جديد متكامل ونهائي .
هذا القرار الذي اتخذته هذه الشخصيات والتي كانت تتمتع بصفات قيادية داخل أحزاب المعارضة. كان قد أخذ منها وقتا طويلا في التفكير وموازنة الأمور الشيء الذي لاشك قد أدى إلى تسريب من هنا وهناك باتجاه قياداتها (سابقا) في المعارضة وهو ما يفسر الحالة والسلوك الهستيري لقيادات هذه المعارضة في الأيام الماضية كما أنه يفسر كذلك محاولة هذه المعارضة لملمة شتاتها في تشكيل موحد جديد في الصيغة فقط ” ليسند بعضها بعضا”.
ولنعرف مدى فداحة النزيف الذي أصاب ويصيب هذه المعارضة في صميم عمقها الإستراتيجي فلا بد من إلقاء نظرة جزئية على لائحة الإنضمامات، هذه اللائحة التي تتزايد يوما بعد يوم.
السيد/ ففال ولد احميدي، عضو المكتب التنفيذي لحزب تكتل القوى الديمقراطية ورئيس قسم مقاطعة روصو.
السيد/ جبريل عالي جلو عضو المجلس الوطني لحزب تكتل القوى الديمقراطية.
السيد/ سيدي محمد ولد بوكه الممثل الجهوي لحزب اتحاد قوى التقدم بولاية لعصابه ،
السيد/ عالي تام عضو المجلس الوطني لحزب التحالف من أجل العدالة والديمقراطية/ حركة التجديد.
السيد/ عبد الصمد ولد عبد الرحمن، عمدة بلدية آولبكات.
السيد/ أحبيبي ولد النيني /حزب تكتل القوى الديمقراطية /الحوض الشرقي.
السيد/ محمد ولد الصادق/ حزب تكتل القوى الديمقراطية/اترارزة/ مقاطعة بتلميت.
4. أما النقطة الرابعة والتي لا تقل جوهرية عن سابقاتها فتتمثل في الطوفان العارم لأجيال تراكمت وطال بها الانتظار أمام باب أوصده معمرون سياسيون بأجسادهم التي تسلل إليها الخور وتوشك أن تنهار أمام قوة هائلة في الفصل قبل الأخير من مسرحية درامية عنوانها ” صراع الأجيال “.
أما الفصل الأخير فيقتصر على مشهد قليل الإضاءة فيما يبدو أنه ناد من نوادي كبار السن أو المتقاعدين حيث يدور الحديث بين مجموعة منهم في زاوية معتمة عن الماضي بحلوه ومره، وقد يتبادلون العتاب في مسائل بعينها (كتصريحات مسعود الأخيرة عن أحمد ولد داداه ) في مشهد أشبه ما يكون بمشهد النهاية مع فارق غياب البطل الرئيسي بعيدا هناك في المنفى ، ولعل “رفاقه” الذين خلف وراءه يتخافتون تارة ويتهامسون بل ويترنمون:
ألا ليت “المشيب” يعود يوما فأخبره بما فعل ” الشباب “.
مع كامل الاعتذار لصاحب البيت.