مقالات

رحيل محمد ولد السالك على سريره بعد النجاة من صولة العقيد!/عبد الله ولد حرمة الله

على هضاب المصالحة الوطنية وفي واد التغيير، غير بعيد من حلم “موريتانيا الجديدة” تلقفت مسامعي صوتا هادئا كخرير نافورات الحمراء، أليفا كتجويد البقرة في الجزء الأخير من ليلة في كنف صحراء الملثمين.. تأملت تفاصيل جمال روح تعالت على “نياشين” عقيد الوشاية، وعافت مرابط بغاله المتخمة.. من نخيلنا الصامد أخذ قامته، ومن ورعنا الدافق اصطحب وقارا ومضى فاتحا مرابع قلوب كل الذين عرفوه!

عرفته في الساعات الأولى من انطلاقة “المنتديات العامة للديمقراطية”، لم يقل لي ولا كلمة واحدة عن شخصه؛ غير أنه “يؤمن بضرورة تواصل الأجيال.. وحتمية تراكم التجارب لإثراء مشروع دولة القانون…”! كان أول موريتاني يخاطبني بهذا الأسلوب الذي ليس بينه وقلبي حجاب.. تعودنا اللقاء بمقاهي نواكشوط للتفكير بطريقة لذيذة في الشأن العام، كان شغله الشاغل أن يتفهم الشباب أنه أمام تحديات البقاء: إما أن تكون الدولة أو لايكون.. خلال أحاديثنا التي أدمنت عليها، كان يحلو له تقطيعها بزخات شعرية ممتعة وفي أحايين كثيرة بسرد تفاصيل لوحات مشرقة من “ثقافة البيظان”، الذين أحب فيهم الشهامة والصدق والتعالي عن أراذل الأمور…

لقد أصبح من بين أصدقائي المفضلين.. نتواصل باستمرار، وفي بعض الأحيان نعبر بهدوء لائق جسر فارق العمر الذي لم يكن يعني كثير شيء بالنسبة له، افتقدته كثيرا حينما كان منهمكا في تلميع علاقاتنا بالجارة الجنوبية أثناء تحضيره لشهادات عليا في العلوم السياسية، التي وفق في فك طلاسمها عبر ممارسة نبيلة وتجربة ثرية!

بمناسبة زيارة رئيس الجمهورية لفرنسا في أكتوبر من العام الماضي، بباريس صحبة رفيق دربي الضابط السابق محمد ولد محمد آسكر، الذي أصبح صديق عمري منذ خلع بزته العسكرية قبل عقد من الزمن رافضا لدكتاتورية نيرون الصحراء، في الدائرة الثامنة من مدينة الأنوار حدثنا عن مرضه مطمئنا بأن الأعمار بيد الله…

بعد سبعة أشهر، بالتحديد رحل على سريره، بعد أن نجا من صولة العقيد وهدير الدبابات التي قاد ذات يوم ليخلص جيلا بأكمله من “عقدة” عقيد عاث في الأرض فسادا!

عاد إلى نواكشوط بعد “رحلة التراقي” تحت الألوان الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية، حيث كانت في استقباله حشود تتحين تربيع التكبيرات على روحه الطاهرة.

بتأن عبقري مضى محمد ولد السالك بعد اكتمال عقده الرابع إلى لقاء رب كريم حاملا ورع الأجداد وحب الأجيال.

نم قرير العين، فصلواتنا تسبقك ليلحق دعائنا إلى رب كريم. لقد فقدت الجمهورية الإسلامية الموريتانية من كان وحده “فارس التغيير”، والكرم والعفة والصدق في أرض البيظان.

إنا لله وإنا إليه راجعون

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button