مقالات

رسالة أخرى إلى رئيس الجمهورية/ عبد الله ولد الشيبانى/abdellahi683@yahoo.fr

بعدما يليق بمقامكم ـ سيدي الرئيس ـ من التحايا الحارة التي تعبق إجلالا وتقديرا والتي وجدت برهانا ساطعا عليها على أرض الواقع في انتخابات يوليو الأخيرة.
نزف إليكم نحن ساكنة مقطع لحجار تضررنا البالغ من أزمة العطش التي ظللنا نعاني من عدة سنوات من دون أن تجد آذانا صاغية ولا مسؤولين يتحركون ـ انطلاقا من مسؤولياتهم ـ بشكل عملي ولا حتى متعاطفين يحسون بالمآل المؤلم الذي آلت إليه الحال هنا في مقطع لحجار في تناس تام لفحوى العقد الاجتماعي الذي هو أساس العلاقة بين الحكام والمحكومين وفي إلغاء شبه تام للمواثيق الأخلاقية والالتزامات أمام رب العالمين. لكن عزائنا في كل ذلك أن التاريخ يكتب وأن الأهالي بدأوا يفيقون من غفوتهم وأن ((الساعة آتية لا ريب فيها)) و((أن الله ليس بغافل عما يعلمون)) وأنه ((على ما نقول شهيد)).
تخيلوا ـ سيادة الرئيس ـ لأن الأمر قد يكون أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع ـ أن آلافا من السكان ـ على غرار خارطة سكان بلدكم الديموغرافية ـ أغلبهم نساء وأطفال يسكنون بلدة اعتادوا فيها على انتجاع الكلإ والمرعى وعلى الزراعة في الخريف والشتاء وكانت هذه الحياة ـ على رغم شظفها الذي يبدو لساكني المدن ـ حياة رغد بالنسبة لهم عبروا بها عباب التاريخ المتلاطم واستمروا في ذلك حتى أعتاب الألفية الثالثة معتمدين على أنفسهم مع أن الأيام كانت سجالا بينهم وبين الطبيعة العصية على الأنسنة.
بدأت مأساة هؤلاء ـ سيدي الرئيس ـ عندما كذبوا عليهم بأسطورة شبكة المياه “العملاقة” التي ستدخل الإنسان في هذه البقعة مرحلة جديدة من علاقته بمصدر حياته “المــاء” حيث لا تكلفه غاية يومه من الماء عناء إلا إذا كان إدارة مفتاح الحنفية أو مد خرطوم إلى حيث يريد فضلا عن أنها ستعوض الزراعة التقليدية بحدائق أهم محصولا وأسرع نضجا:”إنها المدنية في أعتي تجلياتها والحداثة في انصع صورها وجادة التقدم التي لا يحيد عنها إلا هالك وليخسا الذين يجادلون…”إلى غير ذلك مما كانت تحيكه الآلة الإعلامية الآثمة في تلك الفترة.
انطلت الدعاية على القوم ـ سيدي الرئيس ـ وخلدوا إلى حنفياتهم وحطموا آبارهم وما هي إلا شهور حتى بدأت الكوارث تنهش هؤلاء المساكين بدءا بآلام المفاصل مرورا بـ”لكويتره” وانتهاء بأمراض اشد فتكا وخطورة…لكن كل ذلك لم يزدهم إلا إصرار في التمسك بـ”الانجاز العملاق” لانعدام البدائل وإلا قبولا بواقع المرض لضيق ذات اليد ورداءة المرافق الصحية المحسوبة على الدولة.
واصل هؤلاء الضحايا ـ سيادة الرئيس ـ سيرهم في كنف هذه التجربة القاتلة إلا أن عاملا آخر طارئا نزل بهم ليعيشوا مأساة على مأساة وعطشا على مرض وهو نضوب منابع الشبكة فدخلوا عهدا جديدا يذكر بتجربة الحيوانات مع “لعكل” يكون فيه الشراب يوما واليوم التالي للعطش.
هذا من دون أن يتحرك في سبيل تغيير هذا الواقع بشكل عملي ـ سيدي الرئيس ـ أي احد مع العلم انه تفاقم فصار يوم الشرب مختزلا في أربعة سوائع تبدأ من الرابعة فجرا وحتى الثامنة صباحا في وقت لا يوجد فيه إلا الأطفال والنساء لمكابدة هذا الواقع المؤلم و الذي اجبر أسرا على الانضمام إلى لائحة سكان أحياء الصفيح و البؤس في انواكشوط سبيلا إلى تجنب هذه الأخطار المسكوت عنها والتي بدأت تتدحرج يوما فيوما من رفوف النسيان إلى دائرة الضوء.
صارت الحالة فيما بعد اشد صعوبة ـ سيدي الرئيس ـ مما حاولت تصويره في هذه الرسالة لدرجة إنني أحس بذنب التقصير في ذلك, ومن ذلك أن القضية تحولت من كارثة محدقة ومقلقة إلى مادة سياسية ودعائية دسمة يدعي فيها كل وصلا بليلى, فكل الزعماء السياسيين على اختلاف مشاربهم ومراتبهم الذين وصلت أقدامهم إلى المقاطعة أوردوا في خطاباتهم جهودا بذلوها في الداخل والخارج من اجل التغلب على المشكل, لكن وان قدرنا صحة تلك المزاعم فإنها بقيت جعجعة بلا طحين كما يقال, بل أكثر من ذلك أصبح رد الفعل عليها اليوم من طرف المستهدفين بالكلمة المتداولة:”كلم كلم ماه معلوم”.
و اليوم ـ سيدي الرئيس ـ بعد أن طال الأمد وجفت المنابع ويبست الحناجر وساد القلق لا ننكركم أننا نستبشر خيرا بهذه المرحلة الجديدة التي كنا ونحن في مرحلة مخاضها نرى في كل كلمة عن الفقراء والحرب على الفساد وموريتانيا الجديدة أو خطوات عملية ككسر العشوائية ومحاولة التغلب على مشاكل المنسيين…أننا نرى في كل ذلك نذر “مــاء” سيتهاطل على هذه المقاطعة المنسية فتحول الحلم المطارد قرابة عشرية من السنين إلى واقع ينعم به الأهالي على الأرض.
سيدي الرئيس.
إنني وان لم أكن على قناعة بان هذا الأمر سيجد صدى عندكم لما كتبت فيه حرفا واحدا إلى سيادتكم لكنني جد متأكد انه بعد إطلاعكم على حجم المأساة ستتخذون خطوات عملية عاجلة لانتشال مواطنيكم العطاش في مقطع لحجار وفي ذلك بشرى لأهل شكار واكريميات والجزيرة وكيمي ولكراع والكرامة…والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button