ماموقع الرئيس محمد ولد عبد العزيز بعد تنصيب الرئيس غزواني ؟
سؤال كبير يطرحه الموريتانيون بكل مستوياتهم ؛ ولكل منهم تصوره وتحليله الخاص.
لكن الرد على هذا السؤال يحتاج سبرا للواقع السياسي الراهن فهو ليس مسبوقا بمثله في موريتانيا.
صحيح أنه بعد انقلاب 2005 على الرئيس معاوية حدث نوع من التناوب على السلطة طابعه اضطراري ومحدود مثل تولي المرحوم اعل ولد محمد فال منصب الرئاسة المرحلي ومثل تنصيب السيد سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي أطاح به انقلاب 2008 .
وكان رجل الظل القوي في كل تلك المراحل هو السيد محمد ولد عبد العزيز بمؤازرة مباشرة من أقرب أصدقائه إليه في المؤسسة العسكرية وعلى رأسهم السيد محمد ولد الغزواني.
لم يكن للرؤساء المنصرفين من كرسي الرئاسة سابقا كبير تأثير في القرار الرئاسي بعد خروجهم ؛ إما لسقوطهم بانقلاب عسكري أو لاعتبار آخر هو أنهم مجرد واجهة لرجل الظل القوي.
لكن المرشح غزواني ليس واجهة تمت صناعتها على استعجال والدفع بها للمقدمة ليتم التحكم فيها بخيوط اللعبة الخفية ؛ ولايريد ولد عبد العزيز لشريكه القوي ذلك.
السيد غزواني من أبرز الرجال القادة في موريتانيا مابعد 2005.
لقد مر السيد ولد عبد العزيز في مشواره السياسي بثلاث مراحل يمكن للمراقب رصدها بسهولة
1مرحلة التحدي والمواجهة مع الخصوم السياسيين بعقلية عسكرية صارمة.
وقد بدأت هذه المرحلة عشية تنفيذ انقلاب 2005 بقيادته؛ وانتهت في حدود منتصف مأموريته الأولى .
في تلك المرحلة كان شديد الانغلاق على ذاته ودائرة ثقته الضيقة ؛ وركز على حماية سلطته بوسائل غير سياسية وشهدت تلك المرحلة كثيرا من الشد والجذب بينه وبين اغلبية الطيف السياسي المعارض بل والموالي أحيانا ؛ وقد خلق بذلك قوة ردع نفسي جعلت الموالين يهابونه أكثر .
2 مرحلة تقييم واستنتاج وانفتاح سياسي بدأت منتصف ماموريته الثانية إلى منتصف هذه المأمورية الاخيرة .
في هذه المرحلة استفاد الرجل من تراكم الخبرة في كرسي الرئاسة وأدرك أن قيادة بلد يعج بالمتناقضات والثارات السياسية والاجتماعية يحتاج مرونة أكثر وسعة صدر؛ وشراكة ما مع الخصوم السياسيين ؛ فالاستقرار له ثمن سياسي لابد من دفعه ؛ والوقوف في وجه المكايد الداخلية والخارجية لابد فيه من توظيف جميع الطاقات الوطنية .
كان العائق الأكبر في هذه المرحلة هي تلك البطانة السيئة التي تفرض دائما وجودها حول من يحتل كرسي الرئاسة لتخلق له الاعداء بدل الاصدقاء ؛ ولم يخل رئيس موريتاني من ذلك النوع من البطانه.
3 مرحلة الوعي السياسي الشامل وإدراك أن مكانته القيادية لموريتانيا يمكن ان تصنع للوطن ماهو اكبر واهم مما تدفع نحوه قوى نشأت في ظل سلطته وتعتقد أن اي انتقال سلمي للسلطة يشكل تهديدا لجبل المصالح الذي صنعته.
لقد قرر الرجل دون ضغط داخلي او خارجي ان لايترشح لمأمورية ثالثة تضطره لحنث يمينه وإلى إدخال البلاد في دورة احتقان سياسي ظلت تعيشه منذ 2005.
إن طبيعة الرجل حسب ما اتضح لي بعد استقصاء عنها ممن يعرفه جيدا من أهل الثقة ؛ ليست تلك التي تبدو للجماهير من خلال خطاباته وخرجاته السياسية ؛ فهو يبدو صارما منفعلا يتحدث بلغة صراع ومواجهة مع خصومه ؛ لكنه في الواقع يتميز بالهدوء والحلم وسرعة الخروج من حالة الغضب لحالة الرضى ؛ وكثيرا ما يعمل على تطييب خاطر من يتضرر من انفعاله ؛ ولو خلف الاضواء.
هوايته الحقيقية الزراعة ؛ فهو يبحبها وحريص على زراعة انواع عديدة في مزرعته بالشمال قرب بنشاب .
سياسيا يخرج الرجل من الرئاسة بقرار تاريخي وهو في أوج قوة نفوذه ؛ لقد قاد دولته منذ 2005 كرجل ظل قوي ورجل واجهة بنى شبكة أمان سياسية لنفسه كقائد اسس حزبه الخاص وبنى إدارته داخل بنية الدولة كلها .
الرجل لا يريد أن يكون رجل ظل من جديد ؛ ولايريد لشريكه التاريخي غزواني أن يكون مجرد واجهة ؛ فيكون الرئيس غزواني رئيسا حقيقيا قويا يسنده مركز نفوذ قوي بقيادة ولد عبد العزيز عبر احتمالات موضوعية عديدة.
1 يستدعي الحزب لجانه في اجتماع هام يعلن فيه تولي الرئيس محمد ولد عبد العزيز رئاسة حزب الأغلبية الحاكم ؛ الذي نصب غزواني رئيسا ؛ ولن يزاحم نفوذ رئيس الحزب رئيس الجمهورية غزواني بل سيسنده في تنفيذ السياسات المرسومة معا.
2 يأخذ الرئيس محمد ولد عبد العزيز راحة يحتاجها بعيدا عن زحمة السياسة دون الخروج الكلي من المشهد فهو في هذه الحالة سيختار رئيسا ثقة لحزبه حزب الاتحاد ودور الحزب باق كما رسم هوله حول الرئيس غزواني .
3 قرار المنافسة على الرئاسة بعد فترة رئاسية واحدة للرئيس غزواني ؛ وهذا احتمال مستبعد فهو لم يخرج مناورة وإنما هناك برنامج درسه جيدا مع رفيقه وصديقه ؛ وقد تتحكم المتغيرات في الاحتمال
أما سيناريوهات النخب السياسية. المتداولة فهي لاتعدو أن تكون نوعا من التبرير السياسي لموقف جديد
فالذين كانوا يعارضون ولد عبد العزيز معارضة شخصية نابعة من عداء شخصي للرجل يقولون أن هناك انقلابا ابيض أطاح به وأرغمه على العدول عن فترة ثالثة في الرئاسة وأنهم يدعمون غزواني لأنه لن يكون نسخة من صديقه!
وآخرون يقولون إن نفوذ الرجل انتهى وسيتلاشى بمجرد تنصيب السيد غزواني .
وآخرون يقولون إن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية قد انفرط عقده ولا مستقبل له في اللعبة السياسية بعد انتخابات 2019 الر ئاسية !
والواقع السياسي غير ذلك ؛ لقد كان ولد عبد العزيز رجل الظل القوي ورجل الواجهة القوي وسيكون أول رئيس موريتاني يخرج طوعا من السلطة بكامل نفوذه ؛ ولا قرائن سياسية موضوعية يمكن عبرها الاستنتاج أن مركز ثقله السياسي مهدد
سلم الله بلادنا من كل شر
بقلم: المصلي على الشفيع عليه الصلاة والسلام
عبد الله ولد المختار ولدبونا