مقالات

زيارة الرئيس للمستشفى: قطعت جهيرة قول كل خطيب

بقلم : محمدن ولد محمد الدنبجه

جميل أن يزور رئيس الجمهورية أحد المراكز الحساسة زائرا لا “قابضا” (“سنة القبض” أصبحت مؤكدة في بلد مذهبه الرسمي “مالكي”، بعد أن كان مشايخنا يقولون فيها ما يقولون). وأجمل من ذلك أن يبحث عن الصورة من مصادرها المختلفة: أطباء ومسؤولين ومرضى وعواد، وأن يسمع منهم ويتحدث إليهم.
فوجئ كثيرون بهذه الزيارة وبطريقتها، تماما كما تفاجأ آخرون قبلهم بأداء الرئيس صلاة الجمعة في المسجد الجامع وبالطريقة أيضا.

كلها بالتأكيد علامات مبشرة، ولكن (نعم ولكن!) لا بد من الإشارة إلى كلمة نقلتها وسائل الإعلام حين تغطيتها للحدث الفريد، اختصرت بها إحدى الزائرات كل المشهد وقطعت بها قول كل قائل وتعليق كل معلق: “نحن ننتظر أن يشفع القول بالفعل، نحن ننتظر النتائج”.

ما أذهلني أن اللغة التي تحدثت بها كانت تنم عن وعي عميق بالمشكل، وأن التعبير ذاته كان مما قل ودل وشفى الغليل. والظاهر من حديث هذه السيدة أنها ليست متعلمة، غير أنها استطاعت أن تفعل ما لا يستطيع أن يفعله متعلم: أن تستغل الوقت والسياق والفرصة أحسن استغلال، وأن تقول الشيء الكثير في اللفظ، دون أن تدرس البلاغة والاجتماع أو أن تسمع عنهما.

إنها مدرسة الحياة، وبلاغة التجارب وعمق المعاناة، دروسها لا تقارن بدروس نظام تربوي التحق منذ وقت طويل بلائحة منصوبات كان الطويلة … أمسى وأمست قيمه خبرا بعد عين…

||||| |||||| ||||||

لا أشك في أن هذه الأقوال ستشفع بأفعال، وأن تحسينا في الأداء سيعقب هذه الزيارة، وأن استراتيجية صحية سيشرع في وضعها، ومن ثم في تطبيقها. وعليه فإني أبيح لنفسي أن أبرز لهذه السيدة الملاحظات التالية:
أن الصحة مفهوم عام، وعملية أشمل. فما الفائدة من جسم صحيح، تسكنه روح مريضة، وتنبض عروقه بقلب سقيم.

المستشفيات، يا سيدتي، أنواع متنوعة. والمرضى، سيدتي الكريمة، أصناف. وليس قطاع الصحة المريض الوحيد. والمرافق العمومية كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له جميع الأعضاء.

لا يصلح إلا الصالحون. وما أتعس إصلاحا يسهر عليه الفاسدون، فما بالك بالمفسدين. فكما لا يتوقع المريض من طبيب لا يملك الاقتدار المهني والعلمي أي نتيجة إيجابية، لا يمكن أن نتوقعها من غيره في الميادين الأخر. حينها تعصف “الفوضى” بكل شيء.

|||| |||| |||||

أيمكن أن نجعلها “فوضى خلاقة” أو “بناءة” وفق نظرية الفوضى التي ازدهرت بداية في مجال الرصد الجوى، قبل أن تغدو، في مجال السياسة، نظرية أمريكية بامتياز؟

نظرية الفوضى الخلاقة هذه تقوم، نظريا، على ثنائية التفكيك والتركيب (الهدم والبناء).

أما الرؤية الأميركية، في “حلتها الحالية”، فليس لها إيمان إلاَّ بعالم تكون الفوضى فيه سبيلا لإعادة تشكيله طبق رؤية أميركة لبناء عالمها الجديد.

وفي مثل حالتنا ـ لو أخذنا بمثل هذه النظرية ـ، فإننا سنربح من الوقت والجهد والوسائل ما كان ينبغى أن يخصص لعملية الهدم والتفكيك، على أن تنفق هذا الوقت وذلك الجهد وتلك الوسائل لعملية البناء الذي لا يمكن أن يكون إلا خلاقا. أم أن علينا أن نبني أولا لنجد ما نهدمه سبيلا إلى البناء الخلاق؟

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button