ولد محمدي.. يكتب : تحديات الإرهاب فى الساحل الأفريقي ومخاطر اضمحلال دول
يبدو الوضع كارثياً والأمل في إحداث تغيير سريع محبطاً لآلاف الجنود من جنسيات مختلفة، انتشروا في صحراء أفريقيا الكبرى، معظمهم فرنسيون، ومعهم مئات الآليات الحديثة من طائرات ودبابات ومركبات وجهد استخباراتي واسع، كأن هذا كله لا يستطيع إحداث التغيير المنشود لوقف الخطر الداهم، حتى القواعد العسكرية التي أقامها الأميركيون في المنطقة، خصوصاً قاعدة طائرات الدرون الضخمة في مدينة أغادير، يبدو كل ذلك عاجزاً عن وقف تقدم خطر الإرهاب في منطقة تحولت خلال سنوات قليلة إلى ساحة حرب مفتوحة.
فالإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي يبني له موطناً جديداً في كل مرة ببلدان الساحل، خصوصاً مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وإذا أضفنا ما تُحدثه «بوكو حرام» في دول بحيرة تشاد كالكاميرون ونيجيريا وتشاد، لَقُلنا إن الخَطْب بات أشد والكرب أعظم.
خلال يومين في بحر سبتمبر (أيلول)، التقى رؤساء دول غرب أفريقيا في واغادوغو، وحولهم مديرو أجهزة استخبارات وقادة جيوش ووزراء دفاع لبحث السبل الكفيلة بوقف الخطر الذي بات يتمدد إلى دول أفريقية أخرى مثل بنين وساحل العاج، مما ينذر كل يوم بوضع أصبح لا يطاق.
قرى بأكملها هُجّر أهلها، وأصبحت موطناً للأشباح، آلاف المهجرين الذين لا يلوون على شيء، مدارس أُغلقت ومستوصفات سُدت أبوابها، والأخطر من كل ذلك أن الجيوش الوطنية أصبحت عاجزة أمام سرطان الإرهاب الذي يتمدد من بلد لآخر.
طُرحت الأسئلة على طاولة الرؤساء وخلال اللقاءات الخاصة، بعيداً عن الأنظار، وعُرض كل ما يُعتقد أنه الحل دون أن يُسفر كل ذلك عن الخروج بخطة متفق على أنها البلسم الشافي لما لا يهدد دول الساحل فحسب، وإنما يتجاوزها إلى دول غرب أفريقيا، ويشكل تهديداً للأمن القومي للعديد من الدول الأوروبية.
وتم التساؤل عن القدرة على تجميع مواطن قوة البلدان الأفريقية التي تواجه هذه المشكلة؟ وما مساهمة المجتمع الدولي في هذا الكفاح من أجل التهدئة في منطقة الساحل؟ وإلى أي مدى يمكن أن تتجاوز المساعدة ما هو قائم اليوم؟
وبين حديث قادة الجيوش ووزراء الدفاع ومسؤولي الاستخبارات تسلل القائمون على اقتصاديات هذه البلدان ليطرحوا السؤال الأهم: هل تتحمل ميزانية هذه الدول الإنفاق المستمر على الدفاع على حساب جوانب التنمية الأخرى مثل الصحة والتعليم؟ وإذا استمر تمدد الإرهاب بهذه الطريقة هل تبقى للدول الهشة أصلاً قدرة على البقاء؟
على كلٍّ، يبدو الأمر خطيراً لثلاث دول هي: مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وفي الآونة الأخيرة كان تأثر بوركينا فاسو بشكل خاص كبيراً وأصبح يهدد الدولة في صميمها، حيث لا يمر يوم دون أن تضرب الجماعات المسلحة هنا أو هناك، لا سيما في منطقتي الساحل والشمال الأوسط؛ فعلى سبيل المثال في أقل من شهر (بين 20 أغسطس/ آب و10 سبتمبر 2019) أدت هذه الهجمات إلى مقتل نحو 60 شخصاً، في حين بلغ عدد المهجّرين منذ 2015 مئات الآلاف.
وفي مواجهة هذا التدهور الواضح للوضع الأمني في منطقة الساحل، تكافح الجيوش الوطنية من أجل القيام بدورها، والسعي إلى تجميع ألوية من جيوشها في جيش واحد، ونعني هنا دول الساحل الخمس: موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، لكن هذه القوة العسكرية المشتركة لا تزال دون المأمول، فهي تفتقر إلى استراتيجية عسكرية مُحكمة، خصوصاً التمويل اللازم لعملياتها المكلفة جداً في محاربة فلول أتقنت فن حرب العصابات وخبرت الصحراء، والأخطر أنها وجدت حاضنة قوية من المجموعات العرقية والقبلية المحلية، التي لطالما كانت تعيش مشكلات كبيرة في التعايش مع الدولة الوطنية في هذه البلدان، وبعضها تعرض للتهميش ولديه مظالم اجتماعية، وينتشر فيها الفقر والمرض والجهل، الخصال التي تفتح أبواب هذه المجتمعات للمسلحين الذين يَعِدونهم بالجنة.
الأمم المتحدة تملك قوة عسكرية قوامها 15 ألف رجل في دولة مالي، ولكنهم عاجزون عن أداء مهامهم، ويكلفون ميزانية ضخمة، ومع ذلك يرفض مجلس الأمن الدولي وضع جيش الساحل تحت البند السابع للأمم المتحدة، وبالتالي منحه صلاحيات أكثر وحماية قانونية، ولكن الأهم منحه تمويلاً أممياً سيحل الكثير من مشكلاته؛ ومنذ ذلك الحين، وجدت فرنسا، بجنودها البالغ عددهم 4500 جندي، نفسها بمفردها، لتولي دور الدركي في هذه المنطقة الساحلية الشاسعة.
ومن الصعب إعادة الذي مزّقه مقاتلو «داعش» و«القاعدة» الذين يجدون في ليبيا المفككة قاعدة خلفية مريحة وأرضاً خصبة للتدريب والاتجار بجميع أنواعه؛ وهذا يبرر تشاؤم الاستراتيجيين العسكريين الفرنسيين الذين لا يروْن تهدئة منطقة الساحل لمدة قد تصل إلى 20 سنة. توقعات مقلقة ليست غريبة عن المبادرة الفرنسية الجديدة: «الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل». ومما لا شك فيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كشف النقاب عن المشروع على هامش قمة مجموعة السبع الأخيرة في بياريتز، توصل إلى خلاصة الأمر من خلال تناقضات مجموعة الدول الخمس في منطقة الساحل. ومن هنا تأتي فكرة توسيع نطاق تجميع الوسائل لمنع هذا السرطان من انعدام الأمن في منطقة الساحل للوصول إلى البلدان الساحلية. وعلاوة على ذلك، فإن الخطر يقرع بالفعل باب بعضهم، مثل بنين، التي فقدت هذا العام مرشداً سياحياً في حديقة بندجاري، حيث اختُطف سائحان فرنسيان في مايو (أيار) الماضي. ونتذكر أيضاً الهجوم المميت الذي وقع في غراند – بسام في مارس (آذار) 2016 في كوت ديفوار، حيث أُحبط أيضاً هجوم مخطط له على «نوفوتيل» في أبيدجان في عام 2017.
ويبقى الطموح الكبير، من خلال معالجة مسألة الأمن في منطقة الساحل، هو وضع الأساس لتوسيع منطقة الساحل من مجموعة الخمس إلى مجموعة الـ10 أو حتى مجموعة الـ12. فبالإضافة إلى بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد، التي شكّلت بلدان خط المواجهة، يمكن أن تشمل المجموعة الموسعة أيضاً بنين وتوغو والسنغال وغانا والكاميرون وكوت ديفوار ونيجيريا. وباختصار، فإن مؤتمر القمة الاستثنائي في واغادوغو يمكن أن يكون خطوة نحو مجموعة الخمس الموسعة من أجل التصدي على نحو أفضل لحرب طويلة الأجل من أجل إحلال السلام في منطقة الساحل.
ولكن الإحساس بالخطر والمساهمة في محاولة الوقوف في وجهه لم تكن مقتصرة على هذه الدول وحدها فالمغرب الذي شارك في القمة بوفد حكومي رفيع المستوى، كان ينظر بكثير من القلق إلى ما يجري في بلدان كثيراً ما شكّلت عمقه التاريخي وأصبحت مؤخراً منطقة نفوذ اقتصادي له، فساند المغرب بقوة تشكيل تحالف دولي من أجل مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.
ورغم النيات الحسنة ودعوات الجميع للسعي المشترك، وتعهدات الدول الأوروبية بالمساعدة والأمل في جمع مليار دولار، فإن المتابعين ومَن لهم خوف وقلق يأملون ألا تذهب كل تلك الوعود للأدراج السفلية في مكاتب القادة، رغم الخطر المدلهم.
– عبدالله ولد محمدي / مدير مؤسسة صحراء ميديا – أنباء انفو- عن الشرق الأوسط.