مقالات

بقلم/ د. الشيخ المختار ولد حرمة ولد ببانا –وزير الصحة

حضرتني و أنا أرتب أفكاري لكتابة هذا المقال أبيات من معلقة زهير بن أبي سلمى فأردت أن أوردها لعلاقتها بالموضوع:

و من يك ذا فضل فيبخل بفضلـــه ** على قومه يستغن عنه و يذمــم
و من لا يذد عن حوضه بسلاحه ** يهدم و من لا يظلم الناس يظلم

لنتأمل هذه الصور من” آلبوم” الوطن:

الصورة الأولى، مقتطعة من” آلبوم” ما قبل 2010:

• خلال شهر يونيو 2005 هاجمت الجماعة السلفية للدعوة و القتال ثكنة للجيش الموريتاني في بلدة المغيطي مخلفة 17 شهيدا و أكثر من 20 جريحا.

• في 24 دجمبر 2007 قرب مدينة ألاك اغتيل أربعة مواطنين فرنسيين من أسرة واحدة. أجانب مدنيون أبرياء، ضيوف على بلادنا و في عهدتنا يقتلون في وضح النهار. الهجوم نفذه ثلاثة شبان موريتانيين منتمين إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.

• 27 دجمبر 2007 وقعت سيارة استطلاع تابعة لثكنة الغلاوية قرب مدينة وادان في كمين للقاعدة نجم عنه استشهاد العسكريين الأربعة الموجودين في السيارة.

• مارس 2008 هوجم مقهى قرب السفارة الإسرائيلية في انواكشوط جرح فيه شخصان

• 6 و7 إبريل 2008: لعلعة الرصاص والاشتباكات الدامية تهيمن على شوارع نواكشوط بعد أن نقلت الجماعات الإرهابية المسلحة معاركها إلى العاصمة، قتلى وجرحى، وجماهير مرتاعة، إرهابيون مسلحون يقيمون في شقق فاخرة بحوزتهم القنابل والمدافع والخرائط.

• 9 سبتمبر 2008 وقعت وحدة من الجيش الموريتاني في كمين قرب تورين استشهد فيه 11 جنديا موريتانيا صائمون في غرة شهر رمضان الحرام ومثل بجثثهم. من بين الشهداء قائد الوحدة النقيب أج و لد عابدين الحامل لكتاب الله.

• سبتمبر 2009 استهدفت السفارة الفرنسية في انواكشوط بتفجير انتحاري. مات منفذه و أصيبت سيدة موريتانية بجروح

• نوفمبر 2009 خطف ثلاثة مواطنين إسبان على طريق انواكشوط – انواذيبو و تم اقتيادهم إلى قواعد التنظيم في مالي.

• الشبكات الإقليمية والدولية لتهريب المخدرات تنقل الأطنان عبر طول البلاد وعرضها، بل وتقيم مطارات آمنة في الصحراء، وتستغل المطارات الرسمية (مطار انواذيبو)، في عملياتها.

• آلاف المهاجرين في قوارب الموت يغادرون المياه الإقليمية الموريتانية في اتجاه أوروبا، جثث البشر طافية على البحر، جرحى ومرضى في حالة يرثى لها يصلون هذا الشاطئ أو ذاك، وارتفاع غير مسبوق في منسوب الهجرة المستقرة.

في الجانب الآخر من الصورة: شمال و شرق البلاد، مناطق سائبة، خارجة عن سيطرة و سيادة الدولة… تتحكم فيها بدون منازع عصابات التهريب و الإرهاب و الجريمة المنظمة. جيش في أسوأ وضعية معنوية ومادية… وحدات عسكرية معزولة ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما… قليلة الزاد و العتاد…لا تملك سوى سيارات و كميات قليلة من الذخيرة كأنها للذكرى… تستهدفها عصابات مسلحة… “لمغيطي”، “الغلاوية”،” تورين”… جنود يقتلون… عتاد يسبى… الهجمات تتعدد و تتوالى… الدولة غائبة لا تحرك ساكنا عدا استنكار خجول يليه ردم الرأس في التراب.

• بلد على شفير الهاوية، لوثته الدماء البريئة الحرام، واستبيحت أرضه وفقد الثقة في نفسه أحرى ثقة العالم الذي بات متأكدا من انهيار الأمن الإقليمي في مفازات الصحراء وأعالي البحار الصعبة.

الصورة الثانية، هذه السنة 2010،

• تقول وكالات الأنباء (قبل يومين) إنه بعد عشرة أشهر من هذه السنة لم يصل الشواطئ الأوروبية انطلاقا من شواطئ موريتانيا سوى 4 مهاجرين فقط. نسي العالم صورة آلاف المهاجرين، وقوارب الموت. نجح الجيش الموريتاني وقوات الأمن في فرض السيطرة التامة على حدودنا البحرية البالغة أكثر من 750 كيلومتر على المحيط الأطلسي. رهان ما كان يتصوره أحد، وخاصة أصدقاؤنا وشركاؤنا الذين يعرفون حق المعرفة حجم إنجاز أمني من هذا القبيل و أهميته.

• في هذه السنة أيضا، بلغت عمليات مكافحة تهريب المخدرات أعلى مستوياتها وتساقطت شبكات التهريب واحدة تلو الأخرى سواء في المدن، أو حتى في فيافي الصحراء على الحدود (لمزرب)، نفذ الجيش والشرطة عمليات نوعية مكنت من مصادرة عشرات الأطنان من السموم واعتقال الشبكات حتى التي تحمل أسلحة ثقيلة. ملف أمني حققت فيه موريتانيا نجاحا لا مراء فيه، وتم قلب الصورة تماما.

• في هذه السنة أيضا، وبفضل الجهود الجبارة التي قيم بها في الميدان العسكري، تم تسليح الجيش ورفع جاهزيته معنويا وماديا (الأسلحة، التدريب، الاكتتاب، تحسين الظروف المادية لأفراد الجيش). النتيجة أن الجيش تمكن في ظرف قياسي، وعبر عمليات إعادة الانتشار من بسط سيطرته على جميع نقاط التراب الوطني، وتحديد و فرض نقاط العبور، و بفضل العمليات العسكرية الاستباقية تمكن من طرد الجماعات الإرهابية المسلحة من فوق التراب الوطني و دحرها إلى حدود 600 كلم خارج حدود الوطن. ناقلا عمليات مكافحة الإرهاب من داخل شوارع العاصمة نواكشوط إلى خارج حدود البلاد، وهي المهمة التي لم ينجح فيها أي من جيوش دول المنطقة، وربما لم يفكر فيها حتى.

هكذا تم بفضل الإرادة الصادقة و العزيمة الفولاذية للرئيس محمد ولد عبد العزيز قلب الصورة للوضع العسكري و الأمني من تلك الصورة القاتمة الحالكة إلى صورة ناصعة تسر الناظرين. فشتان ما بين الصورتين.

فهل تم هذا الإنجاز العسكري على حساب البعد الديني والحضاري للبلد؟

كلا، فالحرب التي نخوض ليست ضد الإسلام و لا الإسلاميين و لا حتى القاعدة و إنما ضد جماعات مسلحة تتقمص ثوب القاعدة و تمارس باسمها السطو والإرهاب و التقتيل و تهريب المخدرات و المتاجرة بالبشر. أما في موريتانيا، فمع بحبوحة الديمقراطية والحريات التي يعيشها البلد، الكل يعرف أن الرئيس أعاد الهيبة والاحترام اللازمين للمؤسسة الدينية في البلاد: حارب الإرهاب بإذاعة القرآن الكريم، وطرد الصهيونية من البلد، وأطلق مشروعي مصحف شنقيط، وأكبر مسجد في تاريخ البلاد، ومجد العلماء و تم اكتتاب الأئمة، ، وإرسال بعثات الدعوة للدول الخارجية، وفتح الحوار الفكري مع التيار السلفي، واعتمد مقاربة الرحمة والإنسانية بإطلاق سراح السجناء السلفيين، و أعلن عن الانسجام مع الأهداف الكبرى للأمة الإسلامية مع التأكيد على التمسك بهويتنا و ثوابتنا كأمة مستمسكة بالعروة الوثقى، عروة الإسلام الوسطي الخالي من الغلو و التطرف، أمة أشعرية العقيدة، جنيدية الطريقة، مالكية المذهب ،لا يضرها من خالفها.

و كم كان الرئيس محمد ولد عبد العزيز ذكيا و محقا عندما أعلن، وفي حدث تلفزيوني، أن موريتانيا ليست في حرب مع القاعدة، لأن الرئيس يدرك أن تلك الحرب أوجدتها سياقات دولية هي المسئولة عنها، وحدد الرئيس حربنا على أنها ضد جماعات مرتزقة تديرها قيادات أجنبية تمارس الخطف وتجارة المخدرات بدأت في استهدافنا وسفك دمائنا.

والسؤال الثاني الذي هو في نفس الأهمية : هل تم هذا الانجاز العسكري والأمني على حساب مشاريع التنمية.. كلا. فاقتصاد البلاد، وبشهادة صندوق النقد الدولي، حقق إصلاحات باهرة في جميع القطاعات بفضل سياسة محاربة الفساد، ورفع المداخيل وحسن التسيير، فضلا عن حزمة المشاريع في قطاعات السكن، والكهرباء، والمياه، والصحة، والزراعة، والبنية التحتية، والحالة المعيشية، والتنمية الشاملة. لقد تم هذا الانجاز في وقت يتحقق فيه لفقراء موريتانيا ومواطنيها ما لم يحققه أي نظام في تاريخ هذا البلد.

فبأي حق يقوم بعض السياسيين الموريتانيين بالسعي لتشويه الحقائق وقلبها بشكل فاضح وصارخ إلى حد يدعو للاشمئزاز.

إذ قبل أيام، وعلى خلفية قيام وحدات الجيش الوطني بعمليات بطولية استباقية لإحباط هجمات ضد مصالحنا، أصدرت منسقية المعارضة الموريتانية بيانا فاجأ الجميع بطبيعته ولهجته الحربائية. كمن يريد تحطيم معنويات الجنود و تثبيط عزيمتهم أو من له أجندة أخرى و حسابات أخرى غير أجندة و حسابات الوطن.

كان الجميع يترقب أن تهلل المعارضة، ككل المواطنين، لنجاح الجيش في مهامه العسكرية والأمنية بعد أن ظلت لعقود تطالبه بالتفرغ لتلك المهام، وبعد كل ما حققه الجيش من قيامه بنقل المعركة من شوارعنا إلى فيافي الصحراء على بعد مئات الكيلومترات خارج حدودنا، لضرب الإرهابيين في معاقلهم وجعلهم يشربون الكأس التي طالما جرعوها لمواطنينا وبلدنا.

كان على المعارضة أن تتأمل ـ وهي المولعة بالخارج وبالمجموعة الدولية ـ إشادة كبريات دول هذه المجموعة بالنجاح العسكري والأمني الذي حققته موريتانيا وبإرادتها الواضحة في محاربة الإرهاب في المجال الصحراوي.

إن المعارضة وهي تقر بأن الإرهاب ظاهرة عابرة للبلدان والقارات تفاجئنا بالتناقض حين تنتقد العمليات الاستباقية الدفاعية عن النفس. أليست موريتانيا وطن المعارضة؟

أيرضون لوطنهم أن يبقى ضعيفا مستضعفا يخاف أن يتخطفه الناس، خانعا مسكينا مستكينا مستسلما لهجمات قوى الشر التي تقتل طائفة من أبنائه و تغرر بطائفة أخرى لتغذي جندها المفترس و تسوقهم إلى الموت وهم ينظرون؟

فمرة تقول إنها حرب غير شرعية، فمن هذا المنطلق يصبح الإرهاب هو الشرعي ، ونحن هنا أمام مشكلة مفاهيم بالفعل.

ومرة تقول إنها حرب بالوكالة، نعم هي حرب بالوكالة عن الشعب الموريتاني و عن موريتانيا وحماية أمنها، أما أنها حرب عن فرنسا أو أمريكا، أو أي كان آخر، فهذا غير وارد والمعارضة تعرف ذلك قبل غيرها.

ومرة تقول إنها بمشاركة أجنبية، ومرة تقول إنها تمهيد لتواجد عسكري أجنبي في البلاد. ومرة تقول إنها حرب على أراضي دولة أخرى.

ودعونا نقف قليلا مع هذه النقاط التي تشكل علامات استفهام أصبحت الثوب الذي ترقعه المعارضة لبياناتها وحملتها الإعلامية ضد بلدها. فقد كانت القيادة الموريتانية واضحة في ردها سابقا على هذه النقاط، إذ أعلن الرئيس (في حوار الشعب) استعداده شخصيا للذهاب مع قادة المعارضة إلى أي مكان في البلد للتأكد من خلوه من أي تواجد عسكري أجنبي.

والمعارضة رغم ادعائها متأكدة من أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز بحسه الوطني المعروف أشد حرصا من غيره على خلو البلاد من أي تواجد عسكري أجنبي ، ولن يكون هو الرئيس المغاربي الأول الذي يقحم بلده في جدل من هذا النوع، رغم علمنا بقواعد تنصت عسكرية أجنبية – وغيرها- في بعض دول الجوار.

أما الحرب فوق أراضي دولة أخرى، فقد كان أولى بالمعارضة أو من يتكلم باسمها أن تخجل من إثارة هذا النوع من الحجج الواهية ، لأن المعارضة المالية نفسها لم تنتقد العمليات الاستباقية الموريتانية ضد الإرهابيين الذين يستهدفوننا انطلاقا من تلك الأراضي.

والقيادة المالية التي يهمنا موقفها في المقام الأول، والتي لها الحق الشرعي والقانوني في الحديث في هذا المجال، رحبت بهذه العمليات وقدمت لها التسهيلات اللازمة وشجعت عليها، بل كان الرئيس آمادو توناني توري صريحا عندما قال إن شمال مالي هو شرق موريتانيا وجنوب الجزائر. وماذا بعد ذلك للفطين، وحتى غير الفطين.

فهل يبقى الماليون أكثر موريتانية من بعض الموريتانيين. ولماذا لا تغار المعارضة الموريتانية على سيادة بلدها قبل أن تأخذها الغيرة على سيادة دولة أخرى استباح الإرهابيون من الشتات العربي والإفريقي جزء من أرضها، واتخذوه انطلاقة لشن حرب معلنة على موريتانيا.

لقد اختار المتكلم باسم المعارضة فريقه و ظهيره في هذه الحرب ضد الجريمة وخطف الأبرياء و سفك دمائهم. فبئس الاختيار و بئس الفريق و الظهير. ولا نرى مبررا لهذا الاصطفاف و الانحياز و العدول عن الحق و عدم الاكتراث بآلام الوطن و ويلاته و ما يهدد كيانه و مصيره سوى ما يكنه بعض دهاقنة المعارضة من كراهية شخصية للرئيس محمد ولد عبد العزيز. أعماهم و أصمهم الحقد الدفين حتى ران على قلوبهم و أفسد عقولهم فبدت البغضاء من أفواههم و ما تخفي صدورهم أكبر. فما عجز عنه بيانهم و قصر عنه منطقهم من سب و شتم و غمز و لمز أسندوه إلى كلابهم المسعورة و أقلامهم الرخيصة المأجورة. فمن ذلك المقال القذر الصادر على صفحات جريدة القلم الأسبوعية في عددها 753 الصادر 24/08/10 للمسمى Bertrand Fessard De Foucault, أحد صراصير و أزلام القوى الظلامية للإدارة الاستعمارية، المتباكي على أطلالها و الذي طالما شوه تاريخ بلادنا بتدليسه و أكاذيبه. و كثير من الموريتانيين يعرف خلفيته الاستعمارية و سيرته العدوانية. ترهات و أكاذيب ، اكتتبها فهي تملى عليه بكرة و أصيلا ممن لا يخفون علينا ممن امتلأت قلوبهم حقدا و غلا للذين آمنوا.

لا يريد الرئيس محمد ولد عبد العزيز محبة و لا إطراء و لا تصفيق ولا تطبيل أحد، حتى من الأغلبية، أحرى المعارضة، ولو كان كذلك لسلك أسلوب الرؤساء السابقين في تشجيع صناعة المزامير والطبول والحناجر.

لكن الوطن يريد الإنصاف، لأن الأوطان بطبعها لا تقبل تنكر وعقوق الأبناء، وبالتالي لا يجب الزج بها داخل “الفرضيات المجروحة”.

من المؤلم أن تردد المعارضة الموريتانية، بحناجر جنائزية، ما يردده المقاتلون الإرهابيون، إنها نفس عباراتهم، وأسلوبهم، ولغة الكره في خطاباتهم، فهل تريد بعض فصائل المعارضة الموريتانية التحالف مع الإرهاب، بعد فشل مساعيها في الحصول على حليف موثوق من المجموعة الدولية.

كما من المؤسف أن تردد هذه المعارضة مقولات بعض من الإعلام الجزائري الذي يتحول، وبقدرة قادر، إلى إعلام ناطق باسم الإرهابيين ساعة تقوم القوات الموريتانية بأي هجوم عليهم.

ومن ذلك محاولة سرقة انتصاراتنا ضد الإرهابيين عبر حرب إعلامية غريبة تروج لتضخيم الخسائر الموريتانية وحتى التشكيك والسخرية من قدرات الجيش الموريتاني، ومن ثم اتهامه باحتلال أراضي دولة أجنبية ودولة مجاورة.

هذا الخطاب يحمل من التناقض الصارخ ما يفقده كل مصداقية و يجعله يدعو للتأمل، واستخلاص الحقيقة من ثنايا السخرية، فإذا كنا نحتل بزعم المعارضة أراضي دولة مجاورة ونقوم بعمليات عسكرية خارج أراضينا، فهذا يعني بالبديهة قوتنا وقدرتنا وليس ضعفنا الداعي للشفقة والسخرية.

كما أن الاحتلال غير موجود إلا في أذهان ألئك الذين يسعون لقنبلة المنطقة ومساعدة المجموعات الإرهابية لأهداف غامضة الله أعلم بخلفيتها. وإلا لماذا منع الزعيم معمر القذافي ـ على حد قوله ـ من حفر آبار وبناء مستشفيات لسكان الصحراء في أزواد.

لماذا يمنع مجرد عمل خيري من شقيق اتجاه سكان المنطقة الصحراوية وقبائلها التي عانت ويلات غياب التنمية وعدم الاستقرار.

إن ذلك لا يتعلق بمسؤولياتنا، وكل ما يعنينا هو أن نوفر الأمن لمواطنينا وبلدنا وإتاحة الفرصة أمام الشركات الاستثمارية العالمية لمساعدتنا في استغلال ثرواتنا الهائلة (حديد، نفط، غاز، ذهب، نحاس، يورانيوم.. إلخ). لأننا ببساطة لن نبقى فقراء متسولين ونحن ننام على تلك الثروات التي يحلم بها أي بلد، وأي شعب.. و هنا “مربط الفرس”.. كان ذلك أحرى بأن يكون مجالا لأسئلة المعارضة الموريتانية.

إننا نرد على اتهامات المعارضة بطلب التنسيق مع دول الجوار، بالقول إن موريتانيا أول من قد يستجيب لتلك الدعوات بوضع أراضيها وجيشها تحت تصرف دول المنطقة في أي عملية مساندة، أو عمل مشترك لتوفير الأمن في منطقة الساحل وعدم السماح بتحويل هذه المنطقة إلى “وزيرستان” أو “صومال” ثانية.

إن مواقف موريتانيا المعلنة واضحة ولا غبار عليها، وعملها الميداني أوضح، وتواجد قادتها العسكريين والأمنيين في دول الجوار الشقيقة والصديقة لتنسيق هذا المجهود أمر لا يمكن إنكاره.

لكن موريتانيا، وللأسف، لم تجد حتى الآن أي دليل عملي على رغبة بعض دول الجوار في عمل تنسيق حقيقي وجاد.

بل إنه من البداهة، وليس من الغرابة أننا لم نجد من الاستعداد الميداني للتنسيق مع تلك الدول إلا السخرية منا ومحاولة تثبيط عزائمنا، ووضع إعلامها تحت تصرف دعاية المجموعات الإرهابية التي نواجهها.

وهنا يجب أن نكون واضحين، هناك فعلا غموض في مواقف بعض دول الجوار، لكن تلك الدول هي المعنية بالكشف عن أسباب ذلك الغموض.. فمهمتنا تسيير المشترك من النوايا لا غير.

من حق المواطنين في دول منطقة الساحل التي تكتوي بنار الإرهاب السؤال: “لماذا يتأرنب الأسد”.

لكن موريتانيا ليست ناطقا رسميا باسم أحد، وموريتانيا تقوم بعمل شفاف وعلني واستراتيجي لحماية أمنها وشبابها من موجة الإرهاب التي تضرب الساحل مدفوعة بإعصار إرادات متضاربة ومصالح أكثر تضاربا..!

إننا واضحون، نحن لا نتلقى الإملاءات من أحد، وموريتانيا منذ عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز خرجت من دائرة الإملاءات وإلا لما كانت قطعت علاقاتها بالكيان الصهيوني.

كما أنه من البديهي القول إن موريتانيا ليست لها طموحات في احتلال أي أحد، ولا في استغلاله، ولا في ضعفه أو إضعافه.

وكان الرئيس محمد ولد عبد العزيز صريحا في لقائه مع زعماء القبائل العربية المالية عندما قال لهم إن عدم استقرار منطقتهم ودخول التنظيمات الإرهابية إليها منعها من وجود أي تنمية كما كان على حساب أمن جيرانها.

وحذر من عواقب مجتمع لا تنمو فيه سوى عصابات تهريب المخدرات والإرهاب والإقطاع، فسيطرة مثل هذه العصابات على مجتمع تعني هلاكه والعبث بقيمه و مصيره.

وعلى كل حال نحن نبشر الأصدقاء والجيران بأننا سنستغل ثرواتنا مهما كان الثمن. وقد نجحنا بالفعل في حماية شواطئنا وأرضنا وأصبحت فلول الإرهابيين على بعد ستمائة كيلومتر من حدودنا بعيدا داخل جحورها في الصحراء.

واهم من يظن أننا لم نحسب جديا حساب ذلك على المستوى الداخلي والإقليمي والخارجي.

كان على المعارضة أن تستوعب ما يجري، فهي ليست معذورة لأن سياسة من هذا النوع لم تكن مألوفة في بلد تعودت قياداته السابقة دفن رؤوسها في الرمال.

والحرب ليست إدارة بيانات أو تصريحات اعتباطية، وليست أعمالا مسرحية، إنها إدارة الرصاص والدم، ولا أحد يرغب في الحرب ساعة واحدة، لكن حين تكون حتمية فالتولي يوم الزحف من الكبائر المهلكات و ليس من شيم قيادة موريتانيا الجديدة التي، ولله الحمد، لا تملك رصيدا من الخوف ولا الخنوع ولن يكون لها أبدا.

إن المعارضة الموريتانية مولعة بتسمية الرئيس محمد ولد عبد العزيز ب”الجنرال”، وهذه الصفة إن كانت تعني شيئا فهو أن الرجل يدرك جيدا ما يقوم به، وحساباته السياسية و العسكرية أثبتت ذكاءه السياسي و دهاءه العسكري ونجاحه في كل المعارك الانتخابية والسياسية و العسكرية التي خاضها.

لقد أصبح القاصي والداني يدرك أن الجيش الموريتاني هو الجيش الوحيد في المنطقة المستعد لمواجهة الإرهاب في منطقة الساحل الصحراوي.

والجميع يدرك أننا حققنا النجاح في ملفات المثلث المرعب: “الهجرة السرية والمخدرات والإرهاب”. وهو نجاح تحقق بأقل الخسائر الممكنة وبأفضل تسيير كان يتوقعه أي مراقب.

فلماذا الجحود؟ لماذا يعمد رئيس منسقية المعارضة إلى تحميل عاتقه بالنيابة عبء أسئلة واتهامات عن الخارج و”الخوارج”.

لماذا ينفرد رئيس المنسقية وبعض موافقيه إلى معاندة التيار الوطني في معركة هي معركة كل الموريتانيين وكل الوطنيين لحماية أرضهم ودمائهم.

لماذا تختلف بعض أحزاب المعارضة عن موقف زعيم المعارضة أحمد ولد داداه و حزب “تواصل” الإسلامي المعارض الذين ساندا الجيش في عملياته الاستباقية لحماية أمن البلد وحوزته الترابية.

ولماذا تصر تلك الأحزاب بالذات على عدم الانسجام مع مراعاة المصالح العليا للبلد والتفريق بينها وبين التنافس الشخصي أو الحزبي في معركة الداخل.

إن أحدا لا يستطيع مهما كانت خلفيته و دواعيه الداخلية والإقليمية و خروجه عن خيمة الواقعية الرحبة أن يتذاكى بالتقليل من شأن نجاح الرئيس محمد ولد عبد العزيز في نقل المعركة مع الإرهابيين من شوارع نواكشوط إلى خارج حدود البلد.

وإذا كان البعض يعتبر نجاح موريتانيا في مواجهة التحديات الأمنية والتنموية في هذه الفترة القليلة، مجرد نجاح شخصي للرئيس محمد ولد عبد العزيز، وليست مكاسب كبيرة تحققت للبلد، فتلك كارثة، وقصر نظر، من الأفضل لصاحبه البحث عن عكاز وليس محاولة قيادة الناس في أحزاب سياسية.

أخيرا اعذرونا، فالقضايا الكبيرة لا تفصل على حجم العقليات التي أنشأتها.

رحم الله شهداءنا الطيبين الأبرار و بارك في قواتنا المسلحة المرابطة على الثغور و الجبهات و سدد خطاهم و ربط على قلوبهم و ثبت أقدامهم و قوى شوكتهم و أيدهم بجنود منه لا تقهر و جعل النصر حليفهم، “و ما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين”. صدق الله العظيم.
______________.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button