مقالات

الواقفون في منتصف الطريق/ الشيخ ولد حمادي*/oldhamady@gmail.com

للوهلة الأولى يبدو كل شيء في هذا الوطن متوقفاً وساكناً ومتخشباً حتى الموت ويبدو المجتمع مستكيناً ومستسلماً وكأنه داخل في حالة استرخاء أبدي , بيد أنه من وجهة النظر السوسيولوجية البنيوية أبعد ما يكون عن السكون بل إنه شديد الديناميكية والحركة ويمور بالصراعات والانتفاضات ومحاولات التغيير.

في هذه السطور سنتحدث عن فئات كبيرة وشرائح عريضة من الشعب الموريتاني تم حرمانها وتهميشها وإقصائها لعدة قرون ومع فجر الاستقلال إن لم يكن قبل ذلك بقليل بدأت رحلةَ نضالها المشروع من أجل إحداث التغيير الاجتماعي المنشود حتى تمكنت أخيراً من مغادرة مواقعها التقليدية إلى غير رجعة لكنها مازالت عاجزة عن الوصول إلى بر المواطنة والمساواة الذي تصبو إليه ؛ لقد تقطعت بها السُبل في منتصف الطريق وظلت شاهدة على حداثة لم تنجز وتحول لم يكتمل ومشاريع فشلت في تحريك بنية المجتمع وبناء الإنسان .

* ولشرح هذا الموضوع نستعرض الأمثلة التالية:
1

. الحراطين : بعد قرون من الاستعباد والظلم والاستغلال لم يعودوا عبيداً لكنهم لم يصبحوا أحراراً بمعنى الكلمة ولأن الحرية لا تتجزأ على كل حال فإنهم ما زالوا يقفون في منتصف الطريق بين الحرية والعبودية .
2. النساء: وهن اللواتي لم يعدن خاضعات ولم يعد الرجال قادرون على وأدهم جسدياً أو إلغائهم معنوياً كما كان يحدث في السابق لكنهم أيضاً لم يقبلوا بهن كشريكات في الوطن ومساويات في الحقوق ولذلك مازلن يقفن بين الرفض والقبول وبين التمرد والخضوع.
3. الشباب : يقفون بين الطموح لمستقبل أفضل يحلمون به وواقع مسدود الآفاق يعيشونه , بين مرجعية التلفزيون والانترنت التي يرتبطون بها وتوجه سلوكهم اليومي وبين مرجعية الكبار الذين يتحكمون بزمام مصيرهم .
4. المعاقون :وهم الواقفون والجالسون علي قارعة الطريق يعيشون في منطقة رمادية ويسكنون في الوسط تماماً بين الحياة والموت أنهم أحياء يرزقون من الناحية البيولوجية يأكلون ويشربون ويتنفسون وتنبض قلوبهم بالحياة لكنهم محرومون ومنسيون وبؤساء لقد شطبتهم الدولة وأسقطتهم من حساباتها فأصبحوا في عداد الأموات معنوياً .
5. المتعلمون : الذين يعيشون انفصاماً حقيقياً بين ما يتعلمون وما يعتقدون بين علوم ومعارف درسوها في المعاهد والجامعات وبين أساطير وخرافات تربوا عليها وآمنوا بها إنهم يقفون في المنتصف بين العلم والخرافة .
6. العمال : وهم نظرياً موظفون لدى القطاع العام أو الخاص لكنهم عملياً في بطالة مقنعة وإضراب غير معلن منذ زمن بعيد , يتقاضون أجوراً زهيدة لكنهم لا يؤدون عملهم على الوجه المطلوب إنهم يقفون في منتصف الطريق بين العمل والبطالة .
7. المخنثون : وهم الذين لم يعودوا رجالاً لكنهم لم يصبحوا نساءاً ومازالوا واقفين بين الذكورة والأنوثة .
8. الفقراء : ويشكلون المجموعة الأم التي تحوي كل الفئات وتضم كافة الشرائح تلخص معاناتهم وتستفيد من نضالاتهم؛ هذه المجموعة لم تعد اليوم منسيةً أو مغمورةً أو خارج دائرة الاهتمام بل أصبحت محوراً من محاور البرامج التنموية الوطنية والدولية وموضوعاً للتنافس والاسترضاء من قبل السياسيين؛ لكنها في الوقت نفسه مازالت الأكثر هواناً والأقل كرامةً والأسوأ حظاً داخل المجتمع,لقد اختفت حالات نبل الفقراء وانتهى عصر الفقير الصابر المحتفظ بكرامته رغم الفاقة والعوز.

تري ما هي النسبة التي يمثلها هؤلاء من المجتمع الموريتاني ؟

من المؤسف أننا لا نتحدث عن فئة معزولة أو قلة مهملة ولا عن مجرد أناس نسمع أو نقرأ عن معاناتهم و إنما نتحدث عن جيراننا وأصدقائنا عن أهلنا وإخواننا بل عن أنفسنا أيضاً, هو حديث إذن عن أغلبية ساحقة من الشعب الموريتاني مازالت تفتقد الحرية والكرامة والمساواة في وطنها ومازال البعض ينكر إنسانيتها ويصر على معاملتها كأتباع أو رعايا أو كجماعة من القُصَرٍ تجب حمايتها , ولكن أيضاً من المبشر أنه في أيامنا لم يعد هناك بُدُ من الاعتراف بالآخر الذي هو أخُ في الدين وشريك في الوطن ونظير في الإنسانية, ولم تعد الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والعدالة بين الناس ترفاً ولا عطاءاً ولا مِنَة ً من أحد بل باتت حاجة وضرورة ومصيراً محتوماً لا مفر منه ولا مهرب.

ومن هذا المنطلق فإن هؤلاء لن يبقوا هناك إلى الأبد وسيصلون إلى بر المواطنة طال الدهر أم قُصَرْ وكل ما يتوجب فعله هو إزالة الحواجز من أمامهم قبل أن يكسروها وفتح الأبواب في وجوههم قبل أن يقتحموها, كما سيكون من الحكمة الالتحاق بهم والاصطفاف إلى جانبهم في معركتهم التي هي معركة موريتانيا التي تقف اليوم في منتصف الطريق بين الدولة واللادولة بين الوطن والقبيلة وبين المدينة والبادية بين الديمقراطية والديكتاتورية وبين الإسلام والعلمانية حتى لا تبقى حائرة ومرتبكة في مطلع القرن الواحد والعشرين تضع رجلاً في الحاضر وأخرى في الماضي وحتى لا تكون دولة خُنثى بكل ما تعنيه الكلمة.

هذه لحظة تاريخية حاسمة تمر بها بلادنا نحن شهود عليها ومشاركين فيها وسيتحتم علينا أن نختار بين تغيير سلس وآخر عنيف بين ولادة طبيعية أو عملية قيصرية ولن تجدي مقاومة التغيير نفعاً وسيخسر دعاة المحافظة والجمود معركتهم لأنهم ببساطة يحاولون ترقيع ما لا يمكن ترقيعه وإصلاح ما لا يمكن إصلاحه .

وقد قال ديكارت ذات يوم : ” أحياناً يتوجب علينا أن نهدم البيت الذي عشنا فيه وألفناه لكي نعيد بناءه من جديد لأننا إن لم نفعل فسيقع فوق رؤوسنا ”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب هذه السطور يدرك مدي تفاوت واختلاف التاريخ النضالي لهذه الفئات والشرائح .

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button