مقالات

الجنرال الضيف و الإيهام بالقوة! /سيد أحمد ولد اطفيل /sidahmedtfeil@hotmail.fr

كنا دائماً نشك في أن تراكض الأحداث السياسية، و الأمينة الأخيرة، والزج بموريتانيا قسراً، إلى مقدمة مصاف الدول المهددة بمخاطر الإرهاب، لم يكن وليد الصدفة، و لم يكن ليخرج من الأرض كنبات الفطر، وإنما حيك بأيادي ماهرة، اعتادت حياكة الدسائس والمؤامرات، لكن التكتم و العمل ألتجسسي، غيبا الكثير من الحقائق عن المواطن البسيط، حتى جاء اليوم الذي بليت فيه السرائر، و ظهرت للعيان وثائق وكيليكس الرهيبة، وقطع الشك باليقين، واتضح أن دول الجوار والنظام القائم في موريتانيا، متورطين في جريمة منظمة بإحكام، هي ترويع ثلاثة ملايين موريتاني و مئات الأجانب الأوروبيين، من خلال التدخل في الشؤون السياسية الداخلية، وانتهاك سيادة الدولة الموريتانية، بالإضافة إلى صناعة وتكوين تنظيمات إرهابية، وتصدير الرعب كعلب السردين، إلى المناطق الآمنة من هذا الوطن الشاسع.
فقد نقلت وثيقة “ويكيليكس” عن ياسين المنصوري، مدير مكتب الدراسات والتوثيق (المخابرات العسكرية)، قوله “إن المغرب حذر مختلف القادة الفاعلين في الجيش الموريتاني، من خطر الإرهاب منذ سنوات، مشيرا إلى أن موريتانيا باتت تمثل “الحزام الرخو” في المنطقة في مواجهة نشاطات الإرهاب”.

هذا “الحزام الرخو” المقصود هنا هو الجيش و المنظومة الأمنية بصفة عامة، فقد عملت المخابرات الأجنبية على إقناع جنرالات موريتانيا المتعاونين أمنياً و إستخباراتياً معها، بأن الجندي الموريتاني عاجز نفسياً و مادياً عن مقارعة التنظيمات المسلحة في الصحراء، و بالذات تنظيم القاعدة.

و في تحليل الوثيقة للموقف المغربي من التطورات في موريتانيا، في الفترة التي شهدت سلسلة الانقلابات الأخيرة، أشارت الوثيقة إلى أن “دعم المغرب لمحاربة الإرهاب، وإمدادها بالعتاد العسكري للحكام العسكريين، يعكس مدى اهتمامها بما يحصل في موريتانيا”

هذا الإهتمام المذكور في الوثيقة يثير حنق الشعب الموريتاني، و هو يحتفل بخمسينية الاستقلال الوطني، كما يذكر المواطنين الأحرار من هذا الشعب المقاوم، بالأطماع التوسعية لجارته الشقيقة، وبالتجربة الأليمة التي عاشها و مازال يتجرعها الشعب الصحراوي، كمثال لأول ضحايا هذه الأطماع التوسعية، والتي لن تحقق أبدأً إلا برجال صنيعة في دهاليز المخابرات، و يصدق فيهم قول وثيقة ويكيليكس عندما استبعدت، أن تتخلى الرباط عن الجنرال ولد عبد العزيز وهو على وشك الغرق بعد الانقلاب.

إن علاقة رجال الأعمال المغاربة بالجنرال، وإدخاله في أكبر صفقة لأجهزة التنصت “مدنية وعسكرية” في موريتانيا، تثير الشكوك حول إمكانية حماية أجهزة الدولة من عبث المخابرات الأجنبية، ذات الأطماع المشبوه حاليا وعبر التاريخ؟،

فبعد أن تأكد للمراقبين للأمن القومي الموريتاني، تورط أجهزة المخابرات لبعض الدول الشقيقة و الصديقة، في تطوير وتنشيط الحرب على الإرهاب في موريتانيا، على الرغم من بث النظام، بروباغاندا تضليلية توحي إلى الرأي العام، أن المصدر الأول و الوحيد للتنظيمات لإرهابية في مثلث (مالي–موريتانيا–الجزائر) ليست لتلك الممارسات التحريضية و التخويفية لفرض حالة اللا أمن، التي تعيشها المناطق الشرقية من البلاد.

هذا ما أقوله دائما: الجنرال الضعيف وبعض دول الجوار المتاجرة بملف التطرف والإرهاب هي التي خلقت – الإرهاب- هي التي تدفع الى التطرف من اجل تنفيذ أغراضها(الجيوستراتيجية) وهي صاحبة فكرة خلق مساجد و محاظر على شكل مواقع تجمعات (إسلامية) متطرفة كمصيدة لجذب الشباب المتدين إليها ثم اعتقالهم بعد ذلك بحجة تشجيعهم وتحريضهم على الإرهاب. وهي فكرة تقوم على أساس (الاعتقالات الإستباقية) أو ما يمكن التعبير عنه (الاعتقال على النية) ، أي ليس لأنهم قاموا بجريمة حقيقية يستحقون العقاب عليها، وإنما لأنهم يحتمل أن يفكروا بذلك، ثم العفو عن بعضهم في مناسبات وطنية أو دينية.

و الحقيقة أن هؤلاء الشباب لم يكونوا في سجن، بل في مصنع للإرهابيين على شكل مدرسة تفاعلية لتبادل الأفكار و المعتقدات، و التشبع من الفكر السلفي القتالي، والتحريض والتعذيب و تنمية الأحقاد و الانتقام من المجتمع، ثم الدفع بهم مباشرة بعد إطلاق سراحهم إلى معسكرات “القاعدة”، رفقة عنصر أو اثنين من عناصر الإستخبارات في مهمة تجسس في صحراء الطوارق المالية.

كما أن العلاقة الغامضة بين متمردي الطوارق و النظام الموريتاني الجديد و بالخصوص بعد الحديث عن تجنيد مرتزقة من الطوارق في صفوف الحرس الرئاسي و سحب الثقة من أبناء الجيش الموريتاني الجبان كما قال السيناتور يوسف تيجاني سيلا القيادي في حزب الدولة حسب وثائق ويكيليكس: “هذا ليست جيشا حقيقيا وبمجرد إطلاق رصاصتين سوف يخفي الجيش أسلحته، ويرتدي ملابس مدنية بدل ملابسه العسكرية ، ويهرب “، هل هذا ما جعل الطوارق الازواديين موضع الثقة من قبل الجنرال السوبر مان؟ أم هي أزمة الثقة التي يعيشها الجنرال، منذ توليه زمام أمور هذا الوطن؟ ام أنه شكل من أشكال مداراة ضعف النظام؟

فالجنرال “يا لأسف” تتوفر فيه كل اسباب الضعف الحقيقية، و التي لم تجتمع في رئيس موريتاني من قبل، فالرجل فاقد للعمق الإجتماعي و القبلي و الإيديولوجي، فالتحالفات التي يستند إليها متغيرة المعايير حسب العرض و الطلب، و الجيش الذي دعمه أول مرة لن يدعمه حتماً في المرة القادمة، لقد نفدت حقيبة الوعود الزائفة، و تمزقت ستائر المسرح كاشفة وراءها كواليس خداع المواطن الفقير، لن يلعب الجنرال لعبة رئيس الفقراء بعد اليوم، لم يعد يخفى على الجميع من هو الفقير، و من هو الغني بلحم أكتاف الفقراء من ابناء هذا الشعب الخنوع.

إن سوء معاملة الجنرال لافراد الحكومة، وبعض المقربين منه، وقسوته عليهم ليست نابعة من قوة الرجل و حزمة وإصراره على محاربة الفساد، بقدر ما هي نوع من اشكال ردة الفعل، لصرف النظر عن هشاشة قواعد النظام الحاكم الآن.

أجل! وهو ما أكدته وثائق “ويكيليكس” الأخيرة عن موريتانيا حيث قال القيادي في معارضة الانقلاب ولد مولود للقائم بالأعمال الأمريكي: “إن الجنرال عزيز في حالة الإطاحة به سيحاول العودة إلى السلطة مستعينا بمقاتلين من الطوارق التابعين لزعيم الحرب إبراهيم آغ باهانغا. و أن عزيز ليس لديه أي تأثير أو صلة بوحدات أخرى في الجيش الموريتاني يمكنها مساعدته على إعادة نفسه إلى السلطة”.

ويحاول أصحاب فكرة الجنرال السوبر مان الترويج للرجل الأسطورة الذي لا يمكن إيقافه وهو أكثر صراحة من غيره وفي الواقع أكثر إصرارا على تطبيق الأفكار الإبداعية والمبتكرة في الحرب على الفساد من خلال إستهداف خصومة و تقريب أبناء عشيرته دون غيرهم من أبناء موريتانيا بلا ادني مدارة أو خجل.

كما يعرض عليه وزراؤه المقربين باستمرار و المعروف عنهم انتماءاتهم الفكري و السياسي لدولة الجوار الشقيقة، خوض الحرب الضبابية على الإرهاب، ولمصلحة من يا ترى ؟.

فبوجود رجل مثل الجنرال “السوبر مان” في سدة القيادة الآن ، فكل الرهانات رابحة حسب ترويجهم، ولكن ماذا تعتقدون ؟ منذ أن تسلم مناصب عديدة في مواقع قيادية في القوات المسلحة الموريتانية، بدأنا نسمع عن الإرهاب و مخاطره و العمليات الإنتحارية و بيانات “أخي الحرطاني” “أختي الحرطانية”.

لقد أرهب الجنرال الجيش الوطني رمز السيادة أولاً قبل المدنيين من خلال الدفع به في مغامرات قتالية محكوم علها بالفشل حطمت معنوياته منذ ( تورين و الغلاوية … إلى كارثة حاسي سيدي) و التي كانت السبب المباشر في إبعاد احد قادة الجيش المعروف عنهم تجربتهم الرائدة في المؤسسة العسكرية، بعد أن سلب هذا الضابط السامي مهامه الإدارية في المعركة، ليتولى الجنرال “السوبر مان” بنفسه العمليات بالرموت كونترول عن بعد، ويحمل الأخير مسؤولية الإخفاق الذريع، في أول مواجهة ميدانية حقيقية مع عناصر تنظيم القاعدة في فيافي الصحراء العاتية.

إن الأيام القادمة قد لا تبشر بخير ما دم الجنرال منهمك في غيه، مصر على ضرب عرض الحائط بمصالح شعبه، من اجل مصالحه الضيقة و زمرته الفاسدة من مدنيين و عسكريين، فقد إنتقلت موريتانيا من دولة المؤسسات إلى دولة سماسرة رخص التنقيب عن المعادن، وشبكات المخدرات، فلا أمل في المستقل القريب في إنتقال السلطة بصورة سلسة من أنياب الجنرال إلى أيادي أبناء موريتانيا المدنيين أو العسكريين.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button