أخبار

تحليل إخباري : عوامل نجاح وإخفاق ثورة ليبيا

تحدثت التقارير والأخبار مؤخراً عن تزايد حركة الاحتجاجات الشعبية في ليبيا، وتقول المعلومات بأن يوم أمس قد تزايدت فيه حدة هذه الاحتجاجات بما أدى إلى اهتمام إقليمي ودولي غير مسبوق بمتابعة التطورات الجارية في الساحة السياسية الليبية: فما هي حقيقة هذه الاحتجاجات الشعبية الليبية؟ وما مدى احتمالات اتساع نطاقها وارتفاع شدتها بما يمكن أن يؤثر

على استقرار النظام السياسي الليبي؟

* المسرح السياسي الليبي: توصيف المعلومات الجارية

تشير المعطيات إلى حدوث حركة احتجاجات شعبية وصلت إلى ذروتها نهار ومساء الأمس، وانحصرت تحديداً في منطقة بنغازي الواقعة شمال شرق ليبيا المطلة على البحر الأبيض المتوسط والمجاورة للأراضي المصرية من جهة الشرق.

تحدثت التقارير عن صعوبة رصد المعلومات والوقائع بسبب قدرة السلطات الليبية على فرض المزيد من القيود التي حدت من تحركات الصحفيين والمراسلين الإعلاميين، وبرغم ذلك، فقد تجمع عدد كبير من المعلومات، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى الآتي:

• لا توجد واقعة محددة يمكن اعتبارها بمثابة الشرارة التي أطلقت نار الاحتجاجات.

• المجموعات التي شاركت في الاحتجاجات تضمنت السكان المحليين في المنطقة الشمالية الشرقية وتحديداً في منطقة بنغازي والبيضا والمرج.

• تضمنت الاحتجاجات رفع المطالب بضرورة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتأمين الحريات الديمقراطية إضافة إلى الحد من السلطات المطلقة التي تمارسها الأجهزة الليبية.

• سعت قطاعات من المحتجين إلى المطالبة بإسقاط نظام معمر القذافي ورحيله أسوة بزين العابدين بن علي وحسني مبارك.

• حشد النظام الليبي عناصره ودارت العديد من المواجهات بين أنصار القذافي وخصومه بما أدى إلى وقوع العديد من القتلى والجرحى.

• أكدت التسريبات عن استمرار عمليات إطلاق النار حتى ساعة متأخرة من مساء الأمس وعلى وجه الخصوص في بنغازي وفي البيضا، وتقول المعلومات بأن المواجهات في البيضا كانت الأكثر عنفاً ودموية.

• أعلنت السلطات الليبية إطلاق سراح 110 من السجناء الإسلاميين الذين ظلوا في سجن أبو سليم منذ تسعينات القرن الماضي.

• تضاربت المعلومات حول عدد القتلى والجرحى، وفي مدينة البيضا وحدها تحدث أحد شهود العيان بالتلفون إلى إحدى القنوات الفضائية قائلاً بأن عدد القتلى في المدينة وحدها قد بلغ 13 قتيلاً مع احتمال المزيد.

حتى الآن، لا توجد أي تقارير رسمية بواسطة السلطات الليبية، ولكن ما هو واضح يتمثل في تزايد معدلات الاحتقانات على الجانبين، فمن جهة، من المتوقع أن تزداد عمليات التعبئة السلبية الفاعلة في أوساط خصوم النظام الليبي، وبالمقابل، فإن للنظام الليبي كما هو واضح لديه رصيده في الأوساط الشعبية الأمر الذي أتاح للنظام القدرة على تعبئة أنصاره ودعمهم للقيام بمواجهة خصومه السياسيين.

استطاع الزعيم معمر القذافي الصعود إلى سدة الحكم في ليبيا بعد الانقلاب العسكري الناجح الذي قاده وأطاح بالملك السنوسي وألغى النظام الملكي الذي تحولت بموجبه المملكة الليبية إلى الجمهورية العربية الليبية، ثم إلى الجماهيرية العربية الشعبية الاشتراكية الليبية.

استمر حكم القذافي لأكثر من 40 عاماً امتدت من يوم 1 أيلول (سبتمبر) 1969 وحتى الآن، وخلال هذه الفترة، خاض الزعيم القذافي العديد من المواجهات الصعبة مع خصومه الداخليين والخارجيين، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى الاحتقانات ومخزونات العنف السياسي الليبي على النحو الآتي:

– تزايد الخصومات القبلية الليبية-الليبية، وعلى وجه الخصوص بين المجموعات القبلية-العشائرية الرئيسية الخمس الموجودة في شمال شرق ليبيا (منطقة بنغازي)، شمال غرب ليبيا (منطقة طرابلس)، وسط ليبيا (منطقتي سبها والجفرة)، جنوب شرق ليبيا (منطقة الكفرة) وجنوب غرب ليبيا (منطقتي مرزوق وأوباري).

– تزايدت فعاليات الجماعات الإسلامية المتشددة، وعلى وجه الخصوص المرتبطة بالجماعات الإسلامية التونسية والجزائرية في مناطق غرب ليبيا وبالجماعات الإسلامية المصرية في مناطق شرق ليبيا.

– تزايد حركات المعارضة السياسية ذات التوجهات المدنية-الليبرالية المدعومة بواسطة أمريكا والغرب وخصوصاً في أوساط المتعلمين والمثقفين المهاجرين الليبيين المتمركزين في أمريكا وبريطانيا وفرنسا.

– تزايد الجماعات المنشقة عن النظام الليبي خاصة في أوساط حركة اللجان الثورية إضافة إلى قيام العديد من القبائل والعشائر الليبية بدعم أبنائها الذين كانوا مع القذافي ثم خرجوا عنه.

سعى النظام الليبي إلى استخدام سياسة العصا والجزرة مع الجماعات القبلية والعشائرية المنشقة، وفي هذا الخصوص فقد نجح النظام في إحداث المزيد من الانشقاقات في أوساط خصومه المحليين.

* لماذا حركة الاحتجاجات الليبية الحالية

على أساس اعتبارات المعلومات المتاحة، وتحليل محتواها على ضوء معطيات خبرة الصراع السياسي الليبي-الليبي، يمكن الإشارة إلى الآتي:

• النظرية التفسيرية الأولى: وتعتمد على عامل العدوى القائم على أساس اعتبارات أن موقع ليبيا الجغرافي بين مصر تونس إضافة إلى الجزائر قد جعل ليبيا تقع عملياً في وسط قوام جيوسياسي عصفت به موجات الاحتجاجات الشعبية وبالتالي فإن انتقال عدوى الاحتجاجات إلى ليبيا هو أمر لا يمكن تفاديه.

• النظرية التفسيرية الثانية: وتعتمد على عامل مخزونات العنف الهيكلي الذي ظل مخفياً طوال السنوات الماضية داخل البنيات المجتمعية الليبية، وبالتالي، فقد برزت الفرصة على خلفية مصر وتونس والجزائر، بما أدى إلى إفساح المجال والباب واسعاً أمام ظهور وصعود هذا العنف متخذاً شكل الاحتجاجات الدامية الأخيرة.

• النظرية التفسيرية الثالثة: وتركز على عامل صدمة الحداثة، قائلة بأن انتشار وسائط التواصل الرقمي المعلوماتي قد أتاحت لقطاعات واسعة من الشباب الليبي المتعلم، المزيد من عمليات التفاهم وبناء المواقف المشتركة المعادية للنظام الليبي، الأمر الذي أدى إلى انفتاح المواجهات الاحتجاجية على خلفية سيناريو المواجهات الاحتجاجية المصرية والتونسية والجزائرية.

• النظرية التفسيرية الرابعة: وتركز على عامل الضغط الخارجي، وتقول بأن تعرض ليبيا لفترة طويلة من الحصار والعقوبات الدولية إضافة إلى القطيعة مع العديد من دول جوارها الإقليمي قد أدت من جهة إلى تزايد عزلة النظام الليبي ومن الجهة الأخرى إلى تزايد العداوات الداخلية بسبب سعي النظام الليبي إلى الاستخدام المفرط للقوة ضد خصومة الداخليين.

هذا، وعلى أساس اعتبارات مستقبل سيناريو حركة الاحتجاجات الشعبي الليبية يمكن الإشارة إلى النقاط الآتية:

– المنطقة التي نشأت فيها حركة الاحتجاجات الأخيرة تقع في شمال شرق ليبيا، وهي منطقة نفوذ تقليدي للحركات الإسلامية الليبية وللقبائل والعشائر الليبية التي ظلت على مدى الأربعين عاماً الماضية تجاهر بالعداء للزعيم الليبي معمر القافي ونظامه.

– شهدت إحدى السجون الليبية عملية اغتيال جماعي نفذتها السلطات الليبية ضد عناصر الجماعات الإسلامية، وبلغ عدد القتلى 1200 تنتمي أغلبيتهم العظمى لقبائل وعشائر المنطقة الشمالية الشرقية، وبالتالي، فإن الأغلبية العظمى من سكان هذه المنطقة مازال يتملكهم الحنق والغضب الشديدين ضد نظام الرئيس معمر القذافي.

– يوجد حالياً المئات من المعتقلين ذوي التوجهات الإسلامية في السجون الليبية وتنتمي أغلبيتهم العظمى للمنطقة الشمالية الشرقية، وفي هذا الخصوص تقول المعلومات بأن سكان هذه المنقطة قد سعوا لجهة إشعال الاحتجاجات الشعبية بما يرغم النظام على إطلاق سراح أبنائهم المعتقلين والذين تجاوزت فترات وجودهم في المعتقل العشرة والخمسة عشر عاماً من السجن المتواصل.

تشير التوقعات إلى أن احتمالات اتساع حركة الاحتجاجات الشعبية بما يشمل المناطق الليبية الأخرى هو أمر ضعيف الاحتمال، وذلك بسبب قدرة النظام الليبي خلال الخمسة أعوام الماضية على القيام بتوظيف عائدات النفط في دعم الدخل الشخصي لأفراد المجتمع الليبي، وتقول المعلومات حالياً بأن حصيلة إيرادات عائدات النفط والغاز الليبي قد بلغت خلال العام الماضي حوالي 96 مليار دولار تم إنفاق الجزء الأعظم منها في دعم دخل الأفراد، إضافة لذلك، فقد نجح النظام الليبي في خلق مجموعة سكانية ضخمة تتميز بولائها الشديد للزعيم القذافي، ويبلغ قوام هذه المجموعة بين مليون ومليون ونصف ، وبالتالي، فإن هذه المجموعة، وبحسب المعطيات الحسابات الحالية، تستطيع القيام بكل سهولة باحتواء حركة الاحتجاجات الشعبية خاصة وأن عدد سكان ليبيا الإجمالي هو في حدود 6.5 مليون نسمة، يتمركز معظمهم في المناطق الساحلية ضمن مناطق تستطيع السلطات الليبية وضعها بكل سهولة تحت السيطرة، هذا، وبرغم ضعف احتمالات انتشار عدوى الاحتجاجات الشعبية في المناطق الأخرى، فإن الاحتمالات واردة لجهة تزايد الاحتجاجات واستهداف النظام طالما أن السياسة هي فن الممكن.

– موقع الجمل

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button