أخبار

تحليل إخباري في صحيفة نيويورك تايمز : الفراغ السياسي بعد رحيل القذافي

وجه العقيد القذافي يوم الجمعة الماضي عند الغسق تحذيراً رناناً أمام أنصاره الذين يتناقص عددهم يوماً بعد يوم حض فيه على الحرب الأهلية ، فقال عبر ميكرفون محمول باليد ” إننا ، وعند اللزوم ، سنفتح المخازن لنسلح كل القبائل الليبية وتصبح ليبيا ناراً حمراء “.

2- وفي الواقع هذا هو بالذات خوف الذين كانوا يشاهدون المجازر في ليبيا لأسباب ليس أقلها أن العقيد القذافي قضى آخر 40 سنة من حكمة وهو يعمل على تفريغ كل مؤسسة يمكن لها أن تتحدى سلطته . وعلى عكس مصر وتونس المجاورة لها ، تفتقر ليبيا إلى يد داعمة من الجيش يمكن أن توفر السند لأي حكومة منهارة . ليس لدى ليبيا برلمان ، أو نقابات ، أو أحزاب سياسية ، ولا يوجد فيها مؤسسات المجتمع المدني ، أو منظمات غير حكومية . والوزارة الوحيدة القوية في البلاد هي شركة النفط الحكومية . وحقيقة أن بعض الخبراء يعتقدون أن الحكومة المقبلة يمكن أن تبنى على قمة وزارة النفط تؤكد ندرة الخيارات المتوفرة .

3- والسيناريو الأسوأ يمكن أن يكون وقوع حركة تمرد تطيح بالقذافي . وما يشغل بال المسؤولين عن مكافحة الإرهاب الأميركية هو الحالة السائدة في أفغانستان أو الصومال ـ دولة فاشلة حيث يمكن لتنظيم القاعدة أو الجماعات المتطرفة الأخرى استغلال الفوضى والعمل على الإفلات من العقاب . ولكن يوجد هناك غيرهم ممن يمكن أن يدخلوا في أي فراغ بما في ذلك قبائل ليبيا القوية أو تحالف قوى المعارضة التعددية التي أمنت شرق البلاد وشددت من قبضتها قرب العاصمة . ويأمل المتفائلون أن يستمر صدق عزيمة المعارضة ، ويشعر المتشائمون بالقلق من أن تستمرالوحدة فقط حتى يكون العقيد القذافي قد ولى ، وأن حملة مطاردة دموية سوف تترتب على ذلك فيما بعد.

4- تقول ليزا اندرسون ، رئيسة الجامعة الأميركية في القاهرة والخبيرة في شؤون ليبيا ” سيكون هناك لا محالة فراغ سياسي ” مما يوحي بأن هناك احتمالات كبيرة لحدوث فترة عنيفة من تصفية الحسابات . ” لا أعتقد أنه من المرجح أن الناس يرغبون في إلقاء أسلحتهم والعودة إلى أن يكونوا بيروقراطيين كما كانوا “. هناك قائمة قصيرة من المؤسسات الليبية ، ولكن لكل واحدة منها حدود . ولا تتمتع أي قبيلة بالقدرة على التواصل مع القبائل الأخرى في البلاد ، وقام العقيد القذافي عن عمد بإثارة البغضاء بين هذه القبائل وجعل كل واحدة منها تقف ضد الأخرى مثيراً بذلك تنافساً فيما بينها عمره عقد من الزمان ، وهذا ما ظهر حتى في خطبه الأخيرة .

5- وهناك عدد قليل من الأعضاء المحترمين لكنهم أصبحوا كبار السن من أصل الأعضاء الـ 12 في مجلس قيادة الثورة الذي انضم إلى العقيد القذافي في خلع الملك في عام 1969. ويأمل بعض المثقفين المحليين والمنفيين أن تتمكن ليبيا من إحياء المجتمع التعددي الذي توخاه دستور 1951 ولكن من دون وجود منصب الملك . وبالطبع لا يمكن استبعاد إمكانية بروز شخصية جامحة متهورة تقوم بعمل فذ مثل الذي قام به العقيد القذافي وهو في سن الـ27 كضابط صغيرعندما قام بانقلاب غير دموي ضد نظام ملكي ضعيف .

6- والخوف الأكبر الذي يختلف الخبراء حوله يتمركز حول تنظيم القاعدة أو الجماعات الإسلامية في ليبيا التي صمدت طيلة سنوات عديدة أمام القمع الشرس . وهي تملك أفضل المهارات التنظيمية في صفوف المعارضة وبالتالي يمكن لها الوصول إلى السلطة . يقول مسؤول أمريكي في مكافحة الإرهاب ” كنا نشعر بالقلق منذ بداية الاضطرابات بأن تنظيم القاعدة والجماعات التابعة لها سوف تبحث عن فرص لاستغلال أي حالة من الفوضى ” . ومن هذه الجماعات التابعة للقاعدة ذكر هذا المسؤول الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة التي شكلها قدامى المحاربين الذين قاتلوا السوفييت في أفغانستان ، والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التابعة للشبكة في شمال إفريقيا والتي سارعت إلى تأييد الانتفاضة الليبية الأسبوع الماضي . وأضاف هذا المسؤول إن هذه الجماعات ” يمكن أن تكون أكثر نجاحاً ” في ليبيا من نجاح النشطاء حتى الآن في مصر . ” لدينا خبراء في مكافحة الإرهاب تراقب أي مؤشرات تدل على تمكن هذه الجماعات من كسب موطئ قدم جديد هناك “.

7- يقول فريدريك ويهري ، وهو محلل سياسي بارز في مؤسسة راند والذي عاد لتوه من رحلة استمرت ثلاثة أسابيع في ليبيا ، إن تنظيم القاعدة قد يحاول استغلال الاضطرابات القبلية والاستيلاء على موطئ قدم في مساحات واسعة من ليبيا لا تسيطر عليها الحكومة في الجنوب الغربي من البلاد بالقرب من الحدود الجزائرية . لكنه أضاف أن الإسلام الصوفي ، وهو شكل باطني للدين يحظى بشعبية كبيرة بين الليبيين ، قد قاوم أقسى أشكال السلفية التي يفضلها تنظيم القاعدة . ” القاعدة ماهرة جداً في استغلال المظالم القبلية ، وهذا هو مصدر قلق في الجنوب . ولكن من حيث ما إذا كان الليبيون يستسيغون حكاية تنظيم القاعدة ، فأنا لا أعتقد أن هذا يمكن أن يكون مصدر شؤم كما قد يشتبه فيه البعض ” .

8- ويقول بروس هوفمان ، مدير مركز دراسات السلام والأمن في جامعة جورج تاون أن العقيد القذافي نظر إلى تنظيم القاعدة منذ فترة طويلة باعتباره تهديداً خطيراً لحكمه ، وكان هو أول من طلب إصدار أمر بالقبض على أسامة بن لادن من خلال الانتربول . ولكن الواقع يختلف هنا بفارق دقيق لا يدرك . ولمواجهة التهديدات التي ستأتي بعد رحيل القذافي والتي ستتمثل إما بطوفان الإسلاميين أو القبليين ، عقد مصطفى محمد عبد الجليل ، وزير العدل الذي فر إلى الشرق ، منتدى هذا الأسبوع في شرق مدينة البيضاء ضم زعماء القبائل والقادة العسكريين السابقين وغيرهم ممن تعهدوا بالتعاون في المستقبل . يقول عبد الجليل لقناة الجزيرة ” نريد دولة واحدة ـ ليس هناك إمارة إسلامية أو تنظيم القاعدة في أي مكان . هدفنا الوحيد هو تحرير ليبيا من هذا النظام والسماح للشعب لاختيار الحكومة التي يريدها ” .

9- وبلغ تمرد الإسلاميين ذروته في مدينة البيضاء في التسعينيات . وقام القذافي يومها بقصف مدينة درنة بشدة للقضاء على التمرد ، وبسجن أولئك الذين لم يلقوا حتفهم في هذا القصف . وقاد ابنه الذي يعده لخلافته من بعده سيف الإسلام القذافي حملة حظيت بتغطية إعلامية لحمل الإسلاميين على نبذ العنف بينما كانوا في السجن ، ولكن ليس هناك ضمان بأن هذا التلقين سيرسخ في عقول هؤلاء بعد أن يتم الإفراج عنهم . ومن بين هذه الجماعات الأخوان المسلمين التي لها علاقات مع تنظيمات مماثلة في مصر والجزائر ، ويُعتبر نهجها معتدل بشكل رئيسي مع وجود منشقين متشددين قلائل .

10 – ومع ذلك ، هناك شكوك حقيقية حول مدى تقبل الليبيين للإسلاميين المتشددين . ففي بنغازي ، في قاعة المحكمة ، التي تعد بمثابة المركز العصبي للمعارضة ، يقول عصام قرياني ، وهو عالم نفساني تحول إلى تاجر ، إن كون معظم الليبيين هم من المسلمين السنة من نفس الطائفة ، فان الإسلام في ليبيا سيظل معتدلاً ، والتطرف الذي نراه ما هو إلا نتيجة القهر” . وقد تخرج السيد قرياني من جامعة ولاية ميشيغان وهو متزوج من المحامية التي ساعدت في تنظيم الاحتجاجات الأولى . وأكد السيد قرياني انه ” أثناء الانتقال من تلك الفترة فإن التطرف سينخفض مع الديمقراطية . ولن يكون هناك أي فرصة للإرهاب ” .

11- ويعتقد الخبراء أيضا إن العقيد القذافي استخدم خطر استيلاء الإسلاميين على السلطة كفزاعة ، بنفس طريقة العديد من القادة العرب ، والمبالغة في الخطر بغرض كسب تعاطف الولايات المتحدة التي تميل لرؤية ثورة إسلامية تحت كل قرآن . ويقول مالينوفسكي ، مدير هيومن رايتس ووتش في واشنطن ، والذي شارك في العديد من الاجتماعات في البيت الأبيض حول الأزمة الليبية ، إن طبيعة المجتمع الليبي القبلي وغياب مؤسسات المجتمع المدني تدعو للقلق ، لكنه أضاف إن تجربة شرق ليبيا ، حيث تم تشكيل لجان مؤقتة لإدارة الشؤون المحلية ، تعتبر علامة إيجابية لافتة للنظر . وهو يقول أيضاً ” يبدو أن الناس تتبنى هوية جديدة على أساس الخبرة المشتركة المكتسبة من الوقوف في وجه الطاغية وهذا لا يعني أن السلام والمحبة والأخوة قائمة بينهم إلى الأبد . ولكن هذا يشكل أحد الأسباب التي تدعونا إلى الأمل بان أسوأ مخاوفنا عن ليبيا في مرحلة ما بعد القذافي قد لا تتحقق “. وفي أغلب الأحوال ، يعتقد عدد قليل من الخبراء ، بالرغم من ذلك ، بعدم قدرة أي من المجموعات السياسية أن تهيمن على الساحة .

12- يقول أرشين أديب مقدم وهو أستاذ في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن ” إن حركة المعارضة الحالية في ليبيا متنوعة وتضم علمانيين وقوميين وملكيين وعناصر إسلامية ، ولا أعتقد أن أي منها في وضع يستطيع فيه من حيث الموارد والقوة الأيديولوجية احتكار العملية السياسية “. لكنه يقول انه من المرجح ظهور نوع هجين من الإسلام والقومية . ويعتقد الخبراء إن المشاعر القومية القوية التي سيرت جميع الانتفاضات الأخيرة في ليبيا من المرجح أن تأخذ مسحة دينية لأن المجتمع الليبي محافظ بطبعه والعائلة الملكية اكتسبت إلى حد ما في ما مضى سلطتها من دورها الديني في المجتمع .

13- وربما يكون النفط في ليبيا أعظم ضامن لعدم انزلاق البلاد نحو الفوضى مثل الصومال . والنفط ـ عندما يتم استئناف الإنتاج بالكامل ـ يمكن إن يشبع رغبات وحاجات المجتمع خلال فترة انتقالية صعبة ويقدم الضمان أن القوى الغربية لا تستطيع الاكتفاء بالجلوس ومشاهدة مثل هذا المصّدر الهام للنفط وهو يتفكك إلى أقسام . وفي العام الماضي استوردت إيطاليا وألمانيا وفرنسا معاً نسبة كبيرة من إنتاج ليبيا البالغ مليون ونصف برميل من النفط يومياً ، حوالي 2 في المائة من الإنتاج العالمي .

14- بعض الخبراء يتساءلون عما إذا كانت ليبيا ستشكل أول تجربة لاستخدام نظرية “مسؤولية الحماية ” ـ وهي فكرة تقوم على نشر قوة تابعة للأمم المتحدة لمنع وقوع خسائر في الأرواح بين المدنيين في حالة وقوع أعمال عنف على نطاق واسع . ويمكن التغلب على المعارضة الروسية أو الصينية للتدخل في الشؤون الداخلية إذا قبل ما يكفي من الليبيين هذه الفكرة ، وهو أمر ممكن لأن الأمم المتحدة ساعدت في الإشراف على ولادة دولتهم الحديثة . ومع انقسام البلاد الآن بشدة بين الشرق والغرب ، فإن وجود قوة حماية خارجية ستمنح الوقت لطرابلس لبسط سيطرتها وتأكيد نفسها على أنها العاصمة .

15- تقول السيدة اندرسون من الجامعة الأمريكية في القاهرة ” لا أحد لديه مصلحة في الفوضى الدائمة . يتعين عليك الحصول على نوع من الآلية لضمان أن يقوم الناس بتسليم أسلحتهم . وأنا لا أرى هناك أي جماعة داخل التركيبة السياسية يمكنها إن تقوم بذلك ” .

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button