أخبار

صحيفة الكاردين : صمود القذافي قد ينهي ثورة الشعوب العربية

تسود مراوحة دبلوماسية في الوضع الراهن، فبعد أن التزم باراك أوباما الصمت في أثناء تطور الأزمة الليبية، دعا الرئيس الأميركي القذافي إلى التنحي من السلطة، يوم الثلاثاء، لكنه لم يذكر شيئاً عن وجود أي خطة محددة لإجباره على التنحي، أو أي خطة على الإطلاق للتعامل مع الشأن الليبي.

بدأ احتمال حصول ‘ثورة فيسبوك’ ثالثة في الشرق الأوسط يتلاشى الآن، بعد أن كانت ليبيا تتجه نحو السير على خطى تونس ومصر لإطلاق حقبة جديدة وشجاعة وإنهاء الحكم الاستبدادي، إذ تشير المراوحة العسكرية والدبلوماسية، داخل البلاد وخارجها، إلى احتمال فشل الجهود الرامية إلى الإطاحة بمعمر القذافي، أقلّه على المدى القصير، وفي المقابل، قد يشير صموده إلى بداية نهاية الثورة العربية العالمية.

على الرغم من التقارير اليومية التي تنقل وقوع غارات جوية واشتباكات ميدانية، لايزال القتال بين القوى المؤيدة للقذافي وجماعات المعارضة عشوائياً وغير موجَّه، فبعد نجاح المعارضين في السيطرة على بنغازي ومعظم أنحاء شرق ليبيا وبعض البلدات القريبة من طرابلس، في المراحل الأولى من المعركة، تراجع زخم الثوار وتباطأت تحركاتهم، ويبقى الحديث عن إطلاق مسيرة كبرى في العاصمة مجرد كلام في الهواء.

يعمد القذافي إلى إحكام قبضته على طرابلس، وهو يفعل ذلك جزئياً عبر ترهيب المواطنين فيها، ومن المتوقع أن تقع حملة قمع جديدة بعد صلاة الجمعة، غير أن جهوده الهادفة إلى استعادة البلدات التي سيطرت عليها المعارضة، وتحديداً البريقة، لم تكن فاعلة بمعنى الكلمة، فقد نقلت وسائل الإعلام الدولية أن الاعتداءات الجوية التي يشنها النظام تبدو عشوائية وغير دقيقة، ولحسن الحظ، بقيت حصيلة الضحايا، من الجهتين، ضئيلة نسبياً في المعارك الأخيرة، على الرغم من الادعاء المؤثر الذي أدلت به سوزان رايس، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، بأن القذافي ‘يذبح شعبه’.

مقابل المواجهة العسكرية الجارية داخل ليبيا، نجد شللاً عقيماً خارج البلاد في ما يخص خيار التدخل العسكري، حيث يتردد الأميركيون في الإقدام على خطوة جذرية مماثلة، فقد شدد وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس مراراً وتكراراً على المخاطر المرافقة لأي محاولة تقضي بفرض منطقة حظر طيران، بحسب اقتراحات ديفيد كاميرون وغيره، ويقول غيتس، عن وجه حق، إن الأميركيين وحلفاءهم يجب أن يتمكنوا أولاً من تدمير القوات الجوية والأنظمة الدفاعية الجوية التابعة للقذافي للتمكن من إنشاء منطقة مماثلة، بمعنى آخر، سيكون الأمر أشبه بإعلان الحرب!

تُعتبر تلك الأنظمة الدفاعية هائلة، وهي تطرح، أقله على الورق، تحدياً أكبر بكثير من التحديات التي طرحها نظام صدام حسين في العراق أو الجيش الصربي في البوسنة- وقد فُرضت منطقة حظر طيران على هذين البلدين في التاريخ الحديث، وقد شملت تلك الخطوة استعمال مئة طائرة من طراز ‘ميغ 25’ و15 طائرة ‘ميراج إف-1’، وكانت جميعها مزوّدة بصواريخ جو- جو وعدد كبير من بطاريات روسية الصنع من طراز ‘سام’. يمكن أن يستعين القذافي أيضاً بثلاثين مروحية روسية أو أكثر، وأربع مروحيات من طراز ‘بوينغ شينوك’، ويبدو أن هذه المعدات لم تُستعمل حتى هذه اللحظة.

كذلك، تسود مراوحة دبلوماسية في الوضع الراهن، فبعد أن التزم باراك أوباما الصمت في أثناء تطور الأزمة، دعا الرئيس الأميركي القذافي إلى التنحي من السلطة، يوم الثلاثاء، لكنه لم يذكر شيئاً عن وجود أي خطة محددة لإجباره على التنحي، أو أي خطة على الإطلاق للتعامل مع الشأن الليبي. في الوقت عينه، تنتقد واشنطن الجهود التي يبذلها عدوّها اللدود، أي الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، لإنشاء لجنة دولية من أجل التوسّط لعقد اتفاق سلام.

في هذا الإطار، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية بي.جي. كراولي: ‘لا حاجة إلى أي لجنة دولية كي تخبر القذافي بما يجب أن يفعله لصون مصلحة بلاده وشعبه. يجب أن يتنحى، وحفاظاً على سلامة شعبه، يجب أن يوقف اعتداءاته عليه’.

لا يقتصر العجز على الأميركيين، إذ لم يتمكن مجلس الأمن ولا الاتحاد الأوروبي من تقديم الكثير على شكل مبادرات دبلوماسية، فبعد أن قامت هذه الجهات بإدانة ممارسات القذافي وفرض عقوبات رمزية في معظمها والتأكيد على مدى فظاعة الوضع، يبدو أنها تكتفي الآن بالتفرج على الوضع.

في المقابل، أطلقت بعض الدول الفردية، مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، عمليات لنقل الإعانات الإنسانية، وهي خطوة تستحق الإشادة، لكنها مجرد تدابير موقتة وليست حلولاً جذرية، كذلك، تكتفي الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي بإصدار التصريحات بدل القيام بأمر ملموس، مع أن الطرفين يُفترض أن يكونا رائدين في مجال حل الأزمة نظراً إلى علاقتهما البنيوية مع ليبيا، وقد تستدعي المحكمة الجنائية الدولية، في أحد الأيام، القذافي لمحاكمته، لكن يبقى هذا الاحتمال ضئيلاً.

ليس جديداً أن نشهد هذا العجز والانقسام على المستوى الدولي في وجه الأزمات السياسة المتسارعةن ويبقى التدخل المباشر الذي حصل في العراق، عام 2003، وفي كوسوفو، عام 1999، استثناء عن القاعدة، وقد أدت تلك الخطوات إلى نتائج عكسية. لكن لا سبب يمنع المجتمع الدولي، بما في ذلك القوى الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل، من بذل المزيد لمساعدة العرب على تدبير شؤونهم، كما تبقى الجامعة العربية القناة الأنسب لتحقيق ذلك، فهي اعتبرت مثلاً أنها قد تفرض منطقة حظر طيران على ليبيا، ولكنها تفتقر إلى الإمكانات والخبرة لفعل ذلك.

في حال نجحت مساعي الإصلاحات العربية، فهي ستحتاج إلى تحقيق انتصارات أكبر وإنجازات أهم، ولا شك أن المحتجين الذين يواجهون أنظمة صارمة ووحشية أحياناً في البحرين، والجزائر، واليمن، وسلطنة عمان، وأماكن أخرى- تماماً كما يحصل مع المعارضة الليبية التي تواجه القذافي- يشعرون بخيبة كبيرة عند مراقبة تطور الوضع الداخلي في ليبيا والرد الدولي المتخبط على ما يحصل.

إذا صمد القذافي لفترة أطول بعد، فقد يتلاشى زخم الثورة في أنحاء دول العالم العربي، فقد ساهمت الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك في بث آمال كبيرة في نفوس الجميع، لكن قد تنفطر قلوبهم جميعاً في حال صمود القذافي.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button