مقالات

الاسترقاق و مواجهته في موريتانيا / د. بتار ولد العربي / alarbibettar@yahoo.fr

العبودية أو الرق, نظام قديم قدم الحضارة الإنسانية, وهو حالة قهرية يفرضها شخص, أو جماعة, أو سلطة أقوى ماديا, أو معنويا على شخص آخر, أو جماعة دونها. و قد يتعرض لتلك الحالة أي كائن بشري تحكمت, أو توفرت فيه روح الدونية مهما كان لونه, أو عرقه, أو موطنه. و بذلك يمكن القول إن: الرق مرتبط في شأنه, بالحياة الاجتماعية, والاقتصادية الآخذة في التعقيد, وهو نظام تفرضه رغبة التملك والانتقام, والمحافظة على سطوة الهيمنة.

ولم يعرف هذا النظام في عصر ما قبل التاريخ في حقبتي جمع الطعام, أو عند الصيادين الذين لا يحتاجون إلى خدمة العبيد, لأن النشاط الإنساني كان محدودا, كما أن إعاشة العبد تكون عبئا على سيده.

ويعتقد أن ظهور الرق المحدود كان في العهد الرعوي, وتطور النظام القبلي والسلطة الأبوية, لذلك فلم يكن هنالك ثمة فارق بين وضع الزوجة, و البنات والأولاد, و وضع العبيد, من حيث خضوعهم لسلطة رب الأسرة. و قد أخذت رقعة الرق تتسع في بداية الحقبة الزراعية, والحاجة إلى اليد العاملة, فكان العبيد أرخص تكلفة و أوفر ربحا.

وقد كان الأسرى في حروب العالم القديم يقتلون أول الأمر, ثم استثنيت النساء, وبعد ذلك الرجال لخدمة أسريهم, بذلك كانت الكلمة الدالة على الأمة ( العبدة ) أسبق من الدالة على المذكر, و المعنى الحرفي لكلمة أمة ( امرأة من بلاد أجنبية ) في اللغة السومرية القديمة, على أن كلمة (عبد) وردت في المصطلحات التي دونت في السجلات لمعظم لغات الشرق القديم, إن لم يكن كلها.

و يمكن القول إن : نظام الرق كان دعامة أساسية في البنية الاجتماعية و الاقتصادية لحضارات العالم القديم, ويدخل بعضه في إطار الملكية الخاصة التي كانت من أخص حقوق الإنسان – كما يعتقد أصحابها – بانعكاساتها السلبية, والايجابية على نظرية العدالة التي يهدف الجميع إلى تحقيقها, بأعرافه و معتقداته.

وبأي حال لم يرد في العهد القديم, و لا الحديث أن السود, أو (الزنوج), وغيرهم من الأفارقة مؤهلين بالفطرة للاستعباد. ولا يختلف اثنان على أسبابه التي يمكن حصرها في: النظام الإقطاعي القبلي أولا, والفقر ثانيا, ثم الحروب ثالثا.

وقد عرف هذا الرق الاستثماري في بلاد الرافدين, و مارسه قدماء المصريون, وقدماء الهنود, والإغريق, والرومان, واليهود, و المسيحيون, و عرب الجاهلية, والمسلمون. وكان لكل ملة من هذه الملل قواعدها الحاكمة لذلك النظام, والتي تتمشى وظروف الواقع التاريخي المحيط بها. غير أن الصورة التي انتهى إليها الاستعباد في العصور الحديثة غلبت على صوره القديمة, و أصوله التاريخية, حيث أصبح و كأنه مكرسا أصلا في الزنوج الإفريقيين السود. و قد أستغل هذا الطمس استغلالا دعائيا معاكسا للإسلام بأمل أن يحد من انتصاراته, ويخدم المد المضاد(المسيحية) المؤازر لحركة التوسع الاستعماري الأوروبي في أفريقيا.

وفي الحقيقة وظفت مشاعر العداء التي تثيرها جروح الرق القديمة, والحديثة في نفوس الإفريقيين, وكذا الموريتانيين (لحراطين), لكي تقف أحيانا جدارا أمام التمازج الإفريقي العربي على أرض موريتانيا الحبيبة, حتى كاد يخلق شعوبية سوداء و أخرى بيضاء تفتت عضد وحدة الدولة, وبنفس القدر استثمرت الطوائف المتطرفة و غيرها هذا التناقض.

وعلى الرغم من أننا لا يمكن أن نؤرخ – بشكل دقيق – لبداية الرق في موريتانيا, إلا أنه ظاهرة اجتماعية, اقتصادية بأبعادها السياسية والحضارية, ظهرت في هذا البلد مع ظهور النظام القبلي الإقطاعي كما هو الحال في العالم. و مع أن لكل بلد خصوصياته فيمكن ربط ظهورها باحتكاك العنصر العربي بنظيره الإفريقي في البلد من جهة, و الصراع الداخلي الزنجي من جهة أخرى, وهو ما دعمته الظاهرة الاستعمارية فيما بعد.

وفيما يخص موريتانيا كذلك, فعلينا أن ننطلق من تعدد أجناس مجتمعها, ونسلم به أولا, و أن لا نعتبر ذلك حاجزا أمام المساواة والوحدة , بل ظاهرة صحية موجودة في كل المجتمعات, ثم نعطي للقبيلة مفهومها الواسع نيابة عن الدولة في بديات التكوين, والاستفادة من إيجابياتها, والتخلي عن سلبياتها, خاصة ما يتعلق منها باستغلال الإنسان لأخيه. وأن نتجاوزها بعد بلوغ الدولة الفتية رشدها.

وعلينا أن نتعامل مع الظاهرة بكل موضوعية من زاوية إنسانية, و أن نفهم أيضا أن الولاء لا يمكن أن يكون للوطن بالمساواة مع القبيلة, ولا العرق, الشيء الذي يلزمنا بوضع الوطن فوق كل اعتبار, كما حث على ذلك ديننا الحنيف, مع الإيمان التام بالمساواة فوق أرضه في الحقوق والواجبات, قبل بذلك من قبل أو أبى من أبى. كما تنص على ذلك المادة 28 من حقوق الإنسان (على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه لشخصيته أن تنمو نموا حرا تاما), والمادة 10 ( لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين ….). ويكفينا إلى جانب كل ذلك التمسك بالدستور الذي يجرم ظاهرة الاستعباد, و استغلال الإنسان لأخيه الإنسان, و هو الوثيقة الوحيدة التي يفرض على الجميع احترامها, بيضا و سودا, و خلساء, كما يفرض علي جميع الأفراد احترام بعضهم البعض, وتقديره, حتى إن اختلفت وجهات النظر, و هو ما يستخدمه البعض أحيانا بإجحاف, كثيرا ما يميل بإحدى كفتي الميزان, بيضاء على سوداء, أو العكس, مما قد يصل في الغالب إلى درجة التطرف.
ولما كان التطرف بمختلف أشكاله انحرافا, فليس غريبا أن يكون الحبل السري الذي يربط بين مشيمة الخروج عن المألوف, وجنين الغلو (الإرهاب) المقبل على الولادة, إن لم يكن بين أحضان قابلته في مستشفى دولي, حملوه لوحة الإسلام كرها, وهو بريء منه شكلا ومضمونا.

و من براءة الإسلام من الغلو تظهر براءة المجتمع الموريتاني أبناء حملة الكتاب, و نشر الدين الإسلامي وتعليمه عبر الصحراء, وفي مناطق كثيرة من العالم, و أحفاد سدنة الثقافـــة العربــية الإسلامية, والإفريقية الأوفياء في نقائها وأصـالتها. وهو ما يفرض عليهم التماسك, والإحساس بالمسؤولية اتجاه الوطن وبنائه, ونبذ التطرف والغلو, والتفرقة من جهة, و وضع العبودية على المحك , باعتبارها ظاهرة أنتجتها ظروف معينة زالت بزوالها من جهة أخرى, بعيد عن الحساسيات, أو نظرة دونية, ولا استعلائية, والتركيز على أداء الواجب, والدفاع عن الحقوق. أو بمعنى آخر: المساواة أمام القانون. يقول مثلنا الحساني : ما بين القليل والكثير إلا نزول البركة.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button