مالي قد تطلب مساعدة الجزائر لمجابهة المتمردين الطوارق
تجابه مالي أخطارا حقيقية تهدد بتقسيم البلد بعدما حصل الثوار الأزواد (الطوارق) على أسلحة متطورة مكنتهم من هزيمة القوات النظامية والسيطرة على مدينة منقة القريبة من الحدود المشتركة مع النيجر. وتتابع قوات المتمردين الطوارق زحفها نحو مدينتي آجلهوك وتيساليت. وكان رئيس المكتب السياسي للحركة الوطنية لتحرير أزواد محمود أغ عالي قال أمس إن حركته نجحت في “تحرير” مدينة تيسي التي تبعد 140 كيلومترا من مدينة غاوافي شمال مالي، مؤكدا أنها أسقطت طائرة عسكرية، وأسرت عددا من الجنود في حين فر الآخرون، وذلك بعد تحرير مدينة منقة.
وكان عدد غير معروف من الطوارق الماليين قاتلوا إلى جانب كتائب القذافي أثناء الحرب الليبية، وقال خبراء عسكريون غربيون إنهم حصلوا على صواريخ وسيارات نقل عسكرية وراجمات ومدافع نقلوه عبر الحدود إلى مالي بعد اندحار قوات القذافي وسيطرة الثوار على العاصمة الليبية طرابلس. واعتبر محللون عسكريون أن هجومات الطوارق المسلحين تشكل خطرا غير مسبوق على النظام المركزي في مالي، فعلى الرغم من ضخامة المعارك التي دارت رحاها في 2009 بين القوات النظامية المالية والمتمردين، والتي أنهتها وساطة جزائرية.
مشروع انفصالي؟
ولم يعط المتمردون أرقاما عن الخسائر في صفوف عناصرهم، إلا أن السلطات قالت في بيان رسمي إن قتيلا سقط من بين جنودها في مقابل سقوط قتلى وجرحى بين المهاجمين لم تُحدد عددهم. وطبقا لما أوردته مصادر إعلامية يعتزم المتمردون تصعيد هجماتهم، ما حمل القوات النظامية على طلب تعزيزات للرد على الهجمات. وأفيد أن المتمردين المنتمين إلى “الجبهة الوطنية لتحرير أزواد” يخططون لإقامة كيان سياسي انفصالي في شمال مالي. وسارعت عواصم افريقية عدة بالإضافة إلى رئيس الإتحاد الأفريقي جان بينغ إلى التعبير عن التضامن مع الحكومة المالية، فيما يُتوقع أن تقدم الجزائر لها دعما قويا في حال استمرت هجمات المتمردين. وبموجب اتفاقات ثنائية وأخرى اقليمية جمعت بين بلدان الساحل والصحراء تشكلت قيادة عسكرية مشتركة العام الماضي مركزها في مدينة حاسي مسعود جنوب الجزائر، وهي ترمي لملاحقة الجماعات المسلحة، خصوصا بعد انتشار كميات كبيرة من السلاح في المنطقة بعد نهاية الحرب في ليبيا. وتشارك في القيادة المشتركة أربعة بلدان هي الجزائر وموريتانيا والنيجر ومالي، لكن يُعتقد أن الجزائر هي المؤهلة لتقديم دعم عسكري حقيقي للقوات النظامية المالية.
وتعارض الجزائر النزعات الانفصالية التي أبدتها قيادات الأزواد، التي تسعى لإقامة دولة مستقلة للطوارق. ومن هذا المنطلق عارض الجزائريون سياسات الزعيم الليبي المقتول معمر القذافي الذي استخدم ورقة الأزواد للضغط على جيرانه الجنوبيين من أجل تأييد خططه وسياساته. وضغط الجزائريون على قيادات الأزواد لكي تتفاوض مع حكومة الرئيس حمادو توماني توري وتتوصل معه إلى اتفاق سلام في السنة 2009.
“الرجال الزرق”
وتنتشر هذه القبائل التي تطلق على نفسها اسم “الرجال الزرق” أو الطوارق أساسا في كل من النيجر ومالي والجزائر وليبيا وبوركينا فاسو، ويُقدر عددها بمليون ونصف المليون فرد. إلا أن جماعات الأزواد في شمال مالي من الذين رفضوا المشاركة في عملية المصالحة أعلنت أواخر العام الماضي اتحادها في تنظيم موحد وعزمها على مقاتلة السلطات المالية. وبحسب المحلل الإستراتيجي التونسي مصباح العجيلي تثير عودة التمرد إلى شمال مالي مخاوف لدى الإدارة الأميركية والعواصم الأوروبية على السواء، بالنظر لقلقها المتزايد من انتشار الأسلحة المهربة من ليبيا إلى البلدان المجاورة واحتمال استخدامها لهز الاستقرار في المنطقة. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أكدت لدى استقبالها نظيرها مراد مدلسي الأسبوع الماضي في واشنطن أن الجزائر تشكل شريكا رئيسيا للولايات المتحدة في تنفيذ الخطة الدولية لمكافحة الإرهاب، وخاصة في منطقة الساحل والصحراء. وأشارت إلى أن البلدين شكلا في هذا الإطار مجموعة اتصال خاصة بتنسيق جهود مكافحة الإرهاب.
وكانت الجزائر ودول الساحل اتفقت في أيلول (سبتمبر) الماضي، في ختام ندوة دولية استضافتها الجزائر حول ”الأمن والتنمية”على أن “مهمة الأمن والتنمية في الساحل هي مهمة دول المنطقة وحدها”. وحضر الندوة مسؤولون أميركيون متخصصون في مكافحة الإرهاب أيدوا الرؤية الجزائرية. وخططت الجزائر بعد الندوة لتوسعة التحالف ليشمل دولا افريقية أخرى بينها تشاد ونيجيريا. وبدت الجزائر قوة عسكرية ذات نفوذ اقليمي بعد بروزها في موقع الحامية لدول الصحراء الفقيرة والعاجزة عن إبرام صفقات عسكرية مع فرنسا لتعزيز قدراتها القتالية، خاصة وهي بلدان شاسعة تتسم بضآلة السكان وترامي المساحات الصحراوية. ويُرجح أن واشنطن تنظر بعين الرضا لهذا الدور.
اهتمام أميركي وفرنسي
ولوحظ فعلا اهتمام أميركي متزايد بقضايا الأمن في المنطقة من خلال كثافة الزيارات التي أداها مسؤولون من وزارتي الدفاع والخارجية إلى بلدان شمال أفريقيا والساحل في السنة الماضية. وكان ريموند ماكسويل نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية المكلف بشؤون المغرب العربي، أجرى أخيرا محادثات مع مسؤولين جزائريين محورها محاربة الإرهاب في منطقة الساحل.
وتُبدي واشنطن وباريس مخاوف من الإنتشار الكثيف للأسلحة الثقيلة والصواريخ في المنطقة بعد نهاية الحرب في ليبيا، في ظل ضعف الرقابة على الحدود الشاسعة التي تعجز الجيوش النظامية عن ضبطها. وهي تخشى خاصة من احتمال استغلال الجماعات الإنفصالية وعصابات الجريمة المنظمة للأسلحة المتطورة التي تقع بين أيدي عناصرها، بعد تهريبها من ليبيا إلى بلدان الجوار.