يعبرون عن أسوأ مافينا/ فهمى هويدي
أنباء انفو- أعرف كيف نعتذر للعالم العربى عن تدهور خطابنا الإعلامى، ولا كيف نقنع أشقاءنا فى المشرق والمغرب بأن انهيار قيمه فيما تبثه أغلب المنابر الإعلامية لا يمثلنا ولكنه يعبر عن اسوأ ما فينا.
أقول ذلك فى حين ما زلنا فى مصر نحاول بالاعتذار وبشتى طرق التصالح الأخرى إزالة آثار الإهانة التى وجهتها إحدى المذيعات للشعب المغربى. كما يحاول ممثل مصر فى رام الله التنصل مما صدر عن «إعلامى» آخر مهينا للشعب الفلسطينى، وما كتبته إعلامية أخرى أعربت فيه عن حفاوتها بالغارات الإسرائيلية على غزة وما تفوهت به إعلامية شابة استخفت بقتل الفلسطينيين واعتبرت أنه لا غضاضة فى ذلك وأن مصر لا شأن لها بما يجرى هناك.
هذا قليل من كثير يلحظه كل من تابع أداء الإعلام المصرى، والتليفزيونى منه بوجه أخص. بعدما تحول أغلب مقدمى برامجه الحوارية، الرجال منه والنساء، إلى «نشطاء» يوجهون الرأى العام ويعظون المشاهدين كل يوم بآرائهم فى مختلف القضايا العامة. حتى صاروا هم مقدمو البرامج وهم الضيوف وهم السائلون وهم المجيبون وهم المذيعون وهم المعقبون. وبسبب تواضع معارفهم ومحدودية قدراتهم، فإنهم اساءوا إلى المهنة بقدر ما اساءوا إلى مصر. إزاء ذلك لم يكن مفاجئا أن تتراجع نسبة مشاهدى البرامج الحوارية بشكل ملحوظ فى داخل مصر ذاتها، حتى سمعت من أخبر الخبراء ان نسبة المشاهدين الآن هبطت إلى ثلث ما كانت عليه فى السابق. الأمر الذى يعنى ان ثلثى المشاهدين فى مصر ملوا متابعة تلك البرامج وانصرفوا عنها.
ليس الأمر مقصورا على التدهور فى الأداء المهنى، لان الأداء السياسى شهد مستويات عدة من التدهور ذلك انهم منذ تحولوا إلى «نشطاء» انخرطوا فى الاستقطاب وتنافسوا فى ركوب الموجة والدفاع عن سياسات النظام القائم. وتراوحت مرافعاتهم اليومية بين الهبوط فى الأفكار والتغليط فى المعلومات والبذاءة فى التعبير. بحيث أصبح أداء الإعلام المصرى بمثابة سلسلة من الفضائح التى أسهمت فى تشويه صورة البلد فى الخارج ولطخت سمعتها.
إذا أردنا ان نكون أكثر دقة وانصافا فربما جاز لنا ان نقول بان ذلك الأداء المتدنى ليس بعيدا تماما عن السياسة. ليس فقط لان بعض الأبواق عالية الصوت التى تسهم بقسط أوفر فى الابتذال والتجريح وثيقة الصلة بالأجهزة التحتية، ولكن أيضا لاننا نلاحظ ان مدفعية التجريح وسيل الإهانات والبذاءات عادة ما تستهدف المخالفين من دول الإقليم. وهو ما يسوغ لى أن أقول ان حملة الاعتذارات للمملكة المغربية ليس سببها ان عبارات مهينة وجهتها إحدى المذيعات لذلك البلد الشقيق، وانما السبب الحقيقى لها ان المغرب يحتفظ بعلاقات طيبة مع مصر، وان المملكة ليست من الدول المخالفة لسياساتها. دليلى على ذلك ان مثل هذه العبارات وما هو اسوأ منها وجهت إلى دول أخرى على خلاف مع مصر، وتم التسامح معها ولم يعتذر عنها. كأن هبوط المستوى ليس مزعجا لنا بحد ذاته، ولكننا نتحفظ عليه فقط حين يستهدف إحدى الدول الصديقة.
إذا وسعنا الدائرة فسنجد ان المشكلة تكمن فى رسوخ فكرة استباحة الآخر المغاير والمخالف، سواء كان فى الداخل أو الخارج. ذلك اننا نشهد تلك الاستباحة مع المخالفين فى الداخل تماما كما تشهدها مع المخالفين فى الخارج. والقاعدة الحاكمة لذلك الموقف هى أنه «لا كرامة لمخالف». وحين يكون الأمر كذلك فإن الباب يصبح مفتوحا على مصراعيه لمختلف صور التجريح والتجاوز والاستباحة. وهذه الأخيرة تصبح بلا سقف. وإذا لاحظنا أن المخالف فى الداخل حتى إذا كان من الحلفاء يلاحق باتهامات من قبيل الانخراط فى الطابور الخامس والخيانة والعمالة والإرهاب أحيانا. كما يشهر به بالتسجيلات وما أدراك ما هى، فلك ان تتصور مدى تلك الاستباحة حين يتعلق الأمر بدولة شقيقة ولا يكون هناك سقف للتشويه والتجريح والسباب.
الإعلام المكتوب ليس أفضل كثيرا من المرئى أو المسموع، ذلك ان جرأة بعض العاملين فيه ذهبت إلى حد إهدار أبسط قواعد المهنة وبديهياتها، آية ذلك مثلا اننى تلقيت هذا الاسبوع رسالة من الدكتورة ريما خلف مساعد الأمين العام لبرنامج الأمم المتحدة الانمائى. شكت فيها من ان جريدة الدستور المصرية نسبت إليها حوارا امتدحت فيه النظام القائم، ووصفت تسلم الرئيس السيسى وثيقة حكم مصر باعتباره «مرحلة جديدة فى تاريخ العرب». ولما كان الحوار مختلقا ولا أساس له، فانها طلبت من مكتب الإعلام التابع للأمم المتحدة ان يبلغ الصحيفة بذلك لكى تصحح الوضع وتعتذر عنه، وحين تم ذلك فإنها لم تقم بأى إجراء. سألتنى الدكتورة ريما، النائب السابق لرئيس الوزراء بالأردن، ماذا تفعل فى هذه الحالة؟ لم استطع ان أرد على السؤال لاننى اعتبرت ما جرى معها جزءا من مشكلة كبرى نعانى منها، حتى سولت لى نفسى ان اعتبرها محظوظة، وأدعوها لأن تحمد الله على ان التدليس والافتراء عليها وقف عند ذلك الحد(!)